سامح أبو عرايس يكتب: حقيقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر.. الأرباح الخفية لمصر في سعر الغاز
ثارت ضجة في مصر عقب إعلان إسرائيل تصدير غاز طبيعي إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار.. خاصة أن هذا الإعلان جاء بعد اكتشافات غاز ضخمة في الحقول المصرية في شرق المتوسط وأهمها حقل ظهر.
وفي الحقيقة أن مصر كحكومة وكدولة لا علاقة لها – بصورة رسمية – باتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل.. بل إن هذا الاتفاق وقعته شركة مصرية خاصة “دولفينوس” مع شركات إسرائيلية لاستيراد ومعالجة ثم إعادة تصدير الغاز الإسرائيلي.
أيضا هذا الغاز ليس مخصصا للسوق المصري بل للتصدير .. حيث تستورده شركات مصرية وأجنبية بغرض اعادة تصديره الى أوروبا ودول المنطقة عبر خطوط الغاز المصرية .. أو عبر اسالته ثم تصديره الى مختلف دول العالم .. ولا علاقة للدولة المصرية بهذه الاتفاقات سوى بتحصيل الرسوم والضرائب ومقابل خدمات استخدام منشآت الغاز المصرية وبنيتها التحتية.
وتأتي هذه الاتفاقات ضمن الاستراتيجية المصرية لتحويل مصر الى مركز للطاقة بحيث يمكن تصدير الغاز الى مختلف دول العالم من خلال مصر .. وأن تصبح مصر مركزا لشركات استيراد وتصدير وتوزيع الغاز في العالم.
بدأت هذه الفكرة منذ حدثت الطفرة في تصدير الغاز المصري بداية من سنة 2003.. وحيث ان الغاز الطبيعي يتم نقله اما من خلال الأنابيب مباشرة أو من خلال الاسالة ثم النقل من خلال السفن.. فقد استلزم تصدير الغاز المصري انشاء بنية تحتية قوية في مصر تختص بكل ما يتعلق بمعالجة ونقل الغاز.. فتم انشاء محطات معالجة للغاز.. وتم انشاء محطات اسالة للغاز الطبيعي لتستقبل الغاز من حقول الغاز عبر الأنابيب وتحوله الى غاز مسال صالح للنقل في السفن.. كما تم انشاء مراكز وموانئ لشحن الغاز الطبيعي بالسفن.. وتم مد خطوط أنابيب طويلة تربط مصر بالأردن اضافة الى خط غاز بين مصر واسرائيل.
وتضم مصر حاليا أكبر مجمعات اسالة للغاز في شرق المتوسط في دمياط التي افتتحت سنة 2003 وفي ادكو والتي افتتحت سنة 2006 .. ولا توجد في منطقة شرق المتوسط محطات أخرى مماثلة.
هذه البنية التحتية القوية المختصة في الغاز والتي لا توجد في كثير من الدول حولنا تمت باستثمارات حكومية واستثمارات قطاع خاص مصري وأجنبي.
ومع وجود هذه البنية التحتية القوية من أنابيب نقل ومضخات ومحطات معالجة ومحطات اسالة وموانئ شحن .. ومع ظهور دلائل وجود مخزونات غاز ضخمة في البحر المتوسط وفي المنطقة .. ظهرت فكرة تحويل مصر الى مركز اقليمي للطاقة بحيث تصبح مركزا لتوزيع الغاز الطبيعي والبترول الى مختلف دول العالم .. وتستفيد مصر في هذا من موقعها المتميز في قلب المنطقة العربية وقربها من أوروبا ووقوعها على البحرين الأحمر والأبيض ووجود قناة السويس بها حيث تمر نسبة كبيرة من التجارة الدولية.
ومن هنا تم العمل على تحويل مصر الى مركز للغاز الطبيعي .. وتنظيم القوانين لتحرير هذا القطاع والسماح للشركات بحرية الاستيراد والتصدير في هذا المجال .. وقد أصدر رئيس الوزراء مؤخرا اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم أنشطة سوق الغاز في مصر بما يتيح للشركات العمل بحرية في هذا القطاع تحت اشراف وترخيص جهاز تنظيم سوق الغاز في مصر.
وبالتالي أصبح ممكنا لأية شركة في مجال الغاز الطبيعي أن تستورد الغاز من أية دولة الى مصر ثم تقوم بمعالجته واسالته من خلال محطات الاسالة المصرية ثم شحنه على متن السفن الى دولة أخرى .. أو أن تقوم بضخه الى دولة أخرى من خلال أنابيب نقل الغاز في حال وجود أنابيب تربط مصر بتلك الدولة.
وهذا هو ما حدث في موضوع الغاز الاسرائيلي .. فبعد اكتشافات الغاز في حقول اسرائيلية في شرق المتوسط في حقلي ” تمار ” و ” لوثيان ” .. وحيث ان اسرائيل لا تمتلك بنية تحتية قوية في مجال الغاز مثل مصر .. فقد عرضت شركة مصرية ” دولفينوس ” على اسرائيل شراء الغاز الاسرائيلي من حقلي تمار ولوثيان بهدف اسالته في محطات الاسالة في مصر ثم تصديره كغاز مسال الى مختلف دول العالم.
إن هذا الاتفاق يستفيد من وجود الحقول الاسرائيلية في مسافة جغرافية قريبة من مصر وبالتالي من محطات الاسالة المصرية .. وبالنسبة لمصر ستستفيد من رسوم وضرائب ومقابل خدمات استخدام البنية التحتية المصرية في مجال الغاز .. كما سيدعم هذا مركز مصر كمركز اقليمي للطاقة .. وستستفيد اسرائيل أنها لن تضطر الى بناء بنية تحتية مكلفة في مجال الغاز الطبيعي حيث لا تتوافر هذه البنية التحتية في أية دولة أخرى في شرق المتوسط الا في مصر.
وبالتالي ستستورد الشركة المصرية “دولفينوس” الغاز الطبيعي الخام من حقلي ” تمار ” و ” لوثيان ” من خلال الأنابيب ثم تقوم باعادة تصديرها واسالتها مستفيدة من البنية التحتية في مصر من محطات اسالة ومعالجة وموانئ تصدير ومضخات وأنابيب نقل .. اضافة طبعا الى الخبرة الفنية المصرية في مجال الغاز الطبيعي التي تمتد لعقود.
نأتي الان الى الأرباح الخفية لمصر في سعر الغاز وسببها … نلاحظ أن العقد لتصدير 64 مليار متر مكعب من الغاز بسعر 15 مليار دولار .. وبحساب بسيط نجد أن المتر المكعب يبلغ سعره في الصفقة أقل من ربع دولار وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي .. ويفتح هذا الباب لاحتمال وجود اتفاق سري بين الحكومة المصرية والاسرائيلية لتعويض مصر عن حكم التحكيم الدولي الأخير الذي قضى بتغريم مصر 1.7 مليار دولار لصالح اسرائيل نتيجة وقف امدادات الغاز المصري بعد ثورة يناير .. وفي الأغلب قد تم التوصل الى اتفاق سري بين مصر واسرائيل لتسوية هذه الأزمة من خلال تصدير اسرائيل الغاز الى مصر بسعر أقل من سعر السوق العالمي بحيث يتم تعويض مصر بشكل غير مباشر عن قضية التحكيم الدولي .. وفي هذه الحالة يكون بعض رجال الأعمال الشركاء في شركة ” دولفين ” المصرية هم واجهة للدولة المصرية وأجهزتها السيادية بحيث تعود هذه الأموال الى مصر بطريقة أو بأخرى .. وهذا أسلوب معروف في التعامل بين الدول عند وجود حساسيات سياسية وقد كان حسين سالم أحد أشهر الأمثلة على هذا .. باختصار ستحصل مصر على غاز طبيعي من اسرائيل بأقل من سعره العالمي لتعيد تصديره وتحصل على فرق السعر كتعويض عن حكم التحكيم الدولي في قضية الغاز .. وستستفيد مصر أيضا تشغيل محطات تسييل الغاز المصري على سواحل البحر الأبيض .. وبالتالي نحن أمام صفقة ناجحة للمفاوض المصري وأجهزة الدولة للحصول على مكاسب وتعويضات لمصر بصورة غير مباشرة.
من هنا نرى أن ما أثير وفهم خطأ عن أن مصر ” كحكومة أو كدولة ” ستستورد الغاز من اسرائيل أو أن هذا الغاز هو للسوق المصري .. نرى أن هذا كان فهما خاطئا .. فمصر هنا كدولة – رسميا – لا علاقة لها بالصفقة سوى في تحصيل رسوم وضرائب ومقابل خدمات .. ومصر لن تكون سوى مقر محطات المعالجة والاسالة والتصدير للغاز.
أما بالنسبة لاحتياجات السوق المحلي المصرية .. فبعد الاكتشافات الأخيرة في شرق المتوسط مثل حقل ” ظهر ” وبعد الاكتشافات المتوقعة في شرق المتوسط وفي مناطق أخرى فلن تحتاج مصر في المرحلة القادمة الى استيراد الغاز للسوق المحلي بل سيوجد فائض ربما يتم تصديره ..
وهذا الاتفاق بخصوص حقول الغاز الاسرائيلية لا أتوقع أن يكون الأخير .. فبعد اكتشافات الغاز في المياه الاقتصادية لليونان وقبرص ربما تكون مصر هي وجهة هاتين الدولتين كمركز لمعالجة واسالة وتصدير الغاز منهما الى العالم .. وقد تنضم العديد من الدول المنتجة للغاز في اتفاقيات تصدير مماثلة عبر شركات مصرية أو شركات أجنبية مقرها في مصر .. مما سيدعم مركز مصر كمركز اقليمي ودولي للطاقة.