البيضة والحجر
“ويل للعالم إذا انحرف المتعلمون و تبهيظ المثقفون”
كان لازم أبدأ تحليل الفيلم ده والمقال ده بالجملة دى واقوم بالربط بينها وبين اللى بنشوفه من إعلاميين ونخب ومثقفين بلدنا لأن اللى الواحد بيشوفه من تضليل للناس من نخبه مثقفه وإعلاميين كنا نظنهم محترمين وعلى قدر من العلم والثقافة والمسؤولية أتضح بعد كده أنهم كذابين ومدلسين وتأثيرهم أصبح زى الدجالين والمشعوذين والسحرة ولا يهمهم مصلحة الناس أو البلد ولكن كل ما يهمهم هو مصالحهم الشخصية وبس.
وليه فيلم البيضه والحجر لأن ما يقوم به بطل الفيلم ” مستطاع الطعزى ” اللى المفروض أنه مدرس فلسفه وعلم نفس يعنى مهمته أنه ينشر الوعى عند الناس أول ما أصطدم بالمجتمع وعانى من الفصل من شغله واتقفلت السكك فى وشه و بقى فاشل فى نظر اللى حواليه اول ما الصدفه لعبت دورها والناس افتكروه معالج روحانى قرر أنه يستفيد من الصدفه دى وبقى هو اللى بيشل أركان الوعى ويدمره عند الناس اللى من المفروض أن هو اللى يتولى مسؤولية نشره، واللى يخلينا نعرف مدى خطورة هذا الفعل الجملة اللى قالها فى الفيلم : (ويل للعالم إذا انحرف المتعلمون والمثقفون).
نتكلم عن الفيلم
الفيلم بطولة الفنان الرائع المبدع ومن أهم الممثلين فى تاريخ السينما المصرية ( أحمد زكى ) ، مستطاع الطعزى مدرس فلسفة ، بيأجر أوضه فوق السطوح بحى شعبى ، يطرد من شغله بسبب اتهامه بالقيام بنشاطات سياسية مما اضطره لإحتراف مهنة الدجل والشعوذة وأستغل فى ذلك ذكاءه العقلى وجهل المجتمع لحد ما بقى راجل معروف وثرى من خلال نصبه على كتير من الناس وهنا تلاقى تفسير هو ليه أستاذ محمود أبوزيد جعله مدرس فلسفة وعلم نفس.. علشان يوريك نموذج ماتقدمش قبل كده فى الدراما وهو الدجال اللى على درجة عالية من الثقافة ودراسة علم النفس.. عكس الصورة النمطية للدجال قبل كده ، يعنى الناس اللي بتجيله هو مش بيعالجهم ده بيستغل خوفهم وجهلهم ، يقول مستطاع فى إحدى حواراته مع صديقه توالى (الممثل ممدوح وافى) ، لو لم أكن سباخ فلا بد أن أكون سباخا ، وسباخ هو المشعوذ اللى كان ساكن الأوضه قبله ، والجملة دى بالذات هى الجملة اللى غيرت مسار مستطاع بعد بوظان مشروعه الإجتماعى اللى كان عايز يحارب من خلاله الغلاء المنتشر فى المجتمع بالزهد ، ولما فشل فى تحقيق نظريته دخل عن طريق الصدفه وهنا بقول صدفه لأن سبب دخوله اللعبة أنه كان ساكن مكان سباخ ، دخل اللعبة اللى المجتمع بيحبها وعايزها وهى الدجل والشعوذة واستغلال الناس بسطاء ومتعلمين ، أغنياء وفقراء ، دهماء ونخبة… الكل تحت تأثير الجهل والخوف بيبقى واحد الكل بيبقى ضحيه للدجال حتى لو كان هو نفسه دجال ، واللى يأكد وجهة نظرى المشهد اللى فيه مستطاع واجه عودة الدجال ” سباخ ” إلى الأوضة بتاعته وأنا بعتبر المشهد ده هو الماستر سين بتاع الفيلم ، لأن سباخ نفسه اللى كان بيستغل خوف الناس ويمثل عليهم قدرته على الأتصال بعالم الجن خاف من تمثيل مستطاع وخسر قدامه المواجهة على الرغم من باعه الطويل فى المجال ده ، وتفوق مستطاع عليه كان سببه استغلاله للقلق اللى بيبقى مسيطر على خصومه وضحاياه ، فالقلق مولد للإيحاء اللى بيخلى النفس مطيعة للأوهام وهو عارف ده كويس لأنه دارس فلسفه وعلم نفس ، وكمان الخوف من المجهول والغيب بيخلق نوع من الضعف اللى بيستغله الدجال ويعمل لنفسه سلطة على ضحاياه ، علشان كده تلاقى النخبه والإعلاميين دلوقتى قبل ما يكلموا الناس عن أى حد أو اى حاجه عايزين يشوهوها لازم يخوفوا الناس منها الأول لأنك تحت تأثير الخوف بتبقى مستعد تتقبل اى حاجه لأنك بتكون واقع تحت تأثير سلطتهم وتحت تأثير السلطة دى بيقنعوك بأى حاجة هما عايزنها وهو ده سر نجاح الدجال ، وهو ده اللى قالوا مستطاع فى الفيلم أن سر نجاح الدجال فى أمرين (ثقته بنفسه _ وقوة اعتقاد الناس بيه) يعنى معنى كده أن نجاح الدجال بيبقى نصه هو السبب فيه والنص التانى بيبقى انت السبب فيه ، والإعتقاد لما يوصل لمرحلة الإيمان القوى بقدرة الدجال ، هو اللى بعد كده بيسلب من الناس عقولهم اللى من المفروض أنهم يحتموا بيها ضد الاستغلال ، لكن الخوف بيكون اتملك منهم وسيطر عليهم وخلاهم اتباع للدجال ومن هنا يقدر الدجال يتحكم فيهم بمنتهى السهولة ، وهنا نيجى لتانى أهم جملة فى الفيلم ( كل خايف بيبقى هايف ) واللى اتقالت فى الحوار العبقرى اللى دار بين مستطاع و صديقه توالى الحوار ده نتعلم منه أننا احنا كمان اللى بنسهل لأى حد أنه يوجهنا ويضحك علينا لما بنبقى خايفين وقلقانين من أى حاجة و حطين نفسنا فى ظروف تخلى اى حد يتحكم فينا بسبب الخوف والقلق ده.
الحوار كان كالآتى ….
توالى : سباخ ده طلع قفص ! طلع هايف أوى !
مستطاع : كل خايف بيبقى هايف.. الذكاء العقلى ملوش علاقة بالثبات الإنفعالى.. فى حالة الإنفعال الكل بيتساوى فى تقبل الإيحاء ، مفيش فرق هنا بين غبى وذكى أو متعلم ومثقف ، الخوف بيعطل التفكير وبيشل القدرة على التصرف .
توالى : أيوا بس المفروض إن سباخ راجل دجال قديم ومحترف ، ازاى يخاف منك بالسهولة دى ؟!
مستطاع : معاك حق بس فى ظروف كتير ساعدتنى
توالى : ظروف ايه ؟
مستطاع : سباخ تقل فى الشرب علشان يقدر يواجهنى وكان خايف منى قبل ما يشوفنى .
توالى : ليه بقى ؟!
مستطاع : الواد كئوده وصباصى فهموه إنى على علم حقيقى بالجن والأرواح وإن أنا موت واحد وصحيته قدام عينيهم.. سباخ دخل عليا وهوا مهيئ نفسياً لقبول أى ايحاء منى ومستعد للوقوع تحت تأثيرى .
توالى : والله أنا ابتديت اخاف على روحى منك !
مستطاع : ولسه ياما فى الجراب يا حاوى !
وده معنى ( ويل للعالم إذا انحرف المتعلمون وتبهيظ المثقفون ) ، ( وكل خايف بيبقى هايف ) فيلم من الأفلام اللى بعشقها للكاتب والمؤلف الرائع أستاذ محمود أبوزيد بعد ثلاثية ( العار والكيف وجرى الوحو ش).