كُن صديقي!
الجمعة 27/مارس/2020 - 05:21 م
*نظراً لرغبتى إن الرسالة تتكتب كاملة بدون ما ده يأثر على حجم المقال، وبسبب طولها ومراعاة لخصوصيتها أنا هخّلى المقال كله لـ الرسالة بدون مقدمة قصصية زى كل مرة.
- أنا “ممدوح“.. مالك ورئيس مجلس إدارة شركة مصرية خاصة كبيرة.. فيه قصة ثنائية حسيت إني حابب أتكلم عنها وأخلّى الناس تعرفها من خلال رسالتي.. للحق هما رسالتين؛ واحدة مني وواحدة من بنتي، وبنعتذر مقدماً عن طولهم.. كل حاجة فى الحياة بيبقي ليها وجهتين نظر أو زاويتين مختلفين.. عشان كده قررت أنا وبنتي كل واحد فينا يكتب لك عنا من وجهة نظره.. شوفتك عملت ده قبل كده فى مقال من مقالاتك زمان، وهستأذنك نكرره النهاردة فى الرسالة دي، وهنكون فى قمة سعادتنا لو قريناها سوا.. ملحوظة.. محدش فينا عارف التاني هيكتب إيه.
- أنا “ممدوح عبدالحق“.. 58 سنة.. من لحظة جوازي بـ “صباح” وإحنا متفقين نخلّى حياتنا مش ناقصها حاجة.. أنا شخص عملي جداً وشغلي عندى رقم 1، والنجاح اللى حققته فى سن صغيرة كان يؤهلني أبدأ حياتي الزوجية كأجمل ما يكون.. جبت أحسن شقة.. جهزت أحسن عفش.. عملت فرح لسه بيتكلموا عنه فى العيلة لغاية دلوقتي رغم مرور أكتر من 30 سنة عليه!.. لما أخدت خطوة الجواز كنت مخطط إن ده هيحصل فى السن الفلاني لإن الجواز نهاية منطقية لشاب ناجح فى حياته.. دايماً بشوف إن الحياة خطوات.. إنت خلصت دراسة يبقي الخطوة الجاية هي الشغل.. خلصت مرحلة فى الشغل يبقي تدخل على اللى بعدها.. خلصت اللى بعدها يبقي تدخل على اللى بعد بعدها عشان تكبر أكتر.. الحياة من وجهة نظري سعي لا متناهي عشان تبقي أفضل.. وأكيد إنك فى وسط السعي ده ماينفعش تنسي نفسك.. عشان كده إتجوزت “صباح“.. إنسانة خلوقة، ومحترمة وبنت ناس أصيلة.. حتى مع الهزات العنيفة اللى كانت بتحصل معايا فى شغلي أو الإحباطات؛ كنت بلاقيها فى ضهري ساندة وواقفة بـ مليون راجل.. بتصّبر، وتدعم، وتقول “بكره أحلي” حتى لو كل المؤشرات بتأكد العكس.. “صباح” هي أول، وآخر صديق فى كل الحلو والوحش اللى شوفته.. أهم حاجة تهم أى ست إنها تكون أم.. مهما كانت غنية أو عندها مليون حاجة تشغلها يظل الإنشغال الأعظم اللى بتعشقه، ومش بتزهق منه إنها تسمع كلمة ماما وتكون مسئولة عن طفل.. الخلفة إتاخرت.. مفيش عيب لا مني ولا منها لكنها إرادة ربنا.. عمرها ما اشتكت وحتى لما كانت بتطلب إننا نعمل تحاليل جديدة أو فيه بارقة أمل ظهرت فى الحتة الفلانية كانت بتطلبها على إستحياء.. قدام جدعنتها ماكنش ينفع أرفض.. رحنا بلاد كتير، ودكاترة أكتر بره وجوه سعياً ورا الأمل.. عمري ما أخدت يوم أجازة والإستثنائين الوحيدين هما عيد ميلاد “صباح“ كل سنة، ومواعيد الدكاترة.. غير إني كنت بشوف إن دي أقل حاجة أقدر أقدمهالها؛ فأنا برضه نفسي أبقي أب وييجي ولي العهد بقي اللي يترمي فى حضني وأنسي بضحكته تعب السنين اللامتناهي ده، وثماره كمان.. العمر جري، والحلم كان بيبعد سنة عن التانية، ولما نظرياً وعلمياً بقي الموضوع شِبه مستحيل حصل الحمل!.. “صباح” حامل!.. أخيراً وفجأة ولما كنّا حرفياً بطلنا نفكر فى الموضوع!.. الحمدلله.. مش هنكر إني بسبب شغلي مابقاش يظهر عليا إنفعالات عاطفية كتير.. بقيت أعرف أسيطر عليا أكتر.. ما هي العيشة العملية بسبب الشغل وضغوطاته بتسيب أثر فى شخصيتنا وبتحبس ورا الملامح بركان من البهجة والإنبساط جايز يتداروا ورا تكشيرة أو 111 على الجبهة فتدي للي قدامك إحساس إنك مش فارق معاك أو عادي بس إنت من جوه طفل بيتنطط.. ركزت أكتر فى شغلي وبقي الدافع الأهم موجود.. إبني أو بنتي.. لأ.. قالوا بنت.. مش مهم كل اللي يجيبه ربنا كويس.. وصلت للدنيا.. “سارة“.. بنت زي القمر، ووجودها فى حياتي ارتبط بـ باب رزق كبير فتحه ربنا عليا جه على قدومها.. لأول مرة فى حياتي أبقي مؤمن بـ جملة “البنات رزقها واسع“.. من فضل ربنا الشركة بقت فروعها فى كل حتة فى مصر، وفتحنا كمان فرعين بره.. ركزت أكتر، وإنشغلت أكتر.. “سارة” بتكبر“، والشغل بيكبر.. مع كل خطوة لـ قدام كان الجوع للنجاح بيزقني لـ خطوة جديدة.. الموظفين عددهم تضاعف 10 مرات على الأقل، وتحولنا من شركة لـ مؤسسة.. “سارة” بتكبر، والشغل بيكبر!.. غصب عني كنت بآجي على الوقت اللي كنت بقعده معاهم فى البيت.. أو على وجه الدقة مع “سارة” ما هي “صباح” إتعودت عليا وعلى طبعي خلاص.. (والله!، برافوا يا حبيبتي شاطرة).. ماكنتش واخد بالي إني بصدها وهي جاية تقول لي إنها جابت الدرجات النهائية فى المادة الفلانية أو التقدير العلاني فى ثانوية عامة.. ومعلش برضه الأيام جريت، وماكناش متفقين إنها تبقي فى كلية بسرعة كده!.. “صباح” كانت بتوازن العلاقة بيني وبين البنت وبتحاول تعوض غيابي النسبي، وتملاه.. تروح معاها فى حفلة عاملاها المدرسة.. تحضر حفلة عيد ميلاد واحدة صاحبتها عشان البنت ماتروحش لوحدها.. تمرين النادي.. لحد ما جه يوم حصلت هزة عنيفة فى المؤسسة.. هزة بسبب غياب أمانة واحد من الناس اللى بيشتغلوا معايا واللي كنت بثق فيه كإنه إبني اللي ماخلفتوش.. سرق ملايين وهرب!.. أنا شخص صلب.. أو بقيت صلب.. وجزء من معايير الصلابة دي إني بقيت أداري بنسبة 100% أنا فيا إيه.. حتى “صباح” ماكنتش تعرف ولا قولت لها عن حجم الكارثة اللي حصلت لإنها بقت صاحبة مشاكل صحية مؤخراً، وماكنتش عايز ده يزود عليها وجعها فى أكتر وقت محتاجة فيه دعم معنوي.. بس للأسف صلابتي دي جت على “صباح” كمان اللي ماكنتش قادر حتى أديها الدعم المعنوي ده!.. فى نفس التوقيت كانت نتيجة “سارة” طلعت.. “سارة” كانت فهمت أبوها خلاص، وعرفت إن محاولة للتقرب منه بدون ما هو اللي يبدأ هتبقي نتيجتها كبسة، وإحراج أو صدة.. بس واضح إنها ماقدرتش تسيطر على نفسها ولا فرحتها يومها.. البنت طلعت الأولي على الدفعة فى سنة ثالثة تجارة إنجليزي، ولما تضيف ده على ترتيبها الأول برضه فى أولي وتانية تقدر تفهم إن حلم المعيدة اللي هي عايزاه بيقرب أكتر!.. دخلت من باب البيت لقيت النور مطفي، وعادة ده مش بيحصل كتير عندنا.. ندهت على “سعدية” أو “فضل” اللي بيشتغلوا عندنا محدش رد.. النور فجأة ولع، و“سارة” جت جري عليا.. (الأولي زي ما اتفقنا).. قالتها وحضنتني.. استقبلت حضنها بإبتسامة حاولت إنها تكون ودودة بس اللي كنت فيه طلعها غصب عنى سمجة.. حضني كان بارد.. هي لاحظت.. حاولت تداري كسفتها إنها جت جري ورايا عشان تحكيلي عن إزاى إن المنافسة السنة دي كانت صعبة وإن هي نفسها كانت مش واثقة إنها هترتب على الدفعة، وأنا بهز دماغي وتفكيري فى حتة تانية خالص.. (ماما كويسة؟).. سألتها.. ردت: (آه وإنبسطت أوي).. سكتت لحظة، وكملت: (يمكن أكتر منك).. سمعت الجملة بس ماعلقتش، وتجاهلتها.. دخلت المكتب عشان أشوف هعمل إيه فى المصيبة اللي ورايا.. محدش بيحس بحد، ولا حد بيقدر ظروف غيره.. قفلت الباب ورايا، وبدأت أعمل كذا مكالمة عشان نلاقي مخرج.. الأزمة كبرت، وتضاعفت، والحقير اللي عمل اللي عمله إكتشفنا إنه خرب وسرق أكتر من اللي كان ظاهر بكتير.. ضغطي وسكري ارتفعوا ومايقتش قادر أسيطر على حركة إيدى.. (أنا جايلك).. قولتها للمحامي لإن كلام التليفونات مش هينفع.. طلعت من باب المكتب بسرعة أقرب للجري، وفى نفس اللحظة كانت “سارة” داخلة المكتب وفى إيدها طبق فيه ساندوتشات.. قالت: (أكيد زي كل يوم نسيت نفسك وما أكلـ….).. (إوعي دلوقتي).. قاطعتها بعصبية وزقيت إيدها بس الزقة كانت قوية للدرجة اللي البنت وقعت فيها على ضهرها وراسها خبطت فى سن ترابيزة كان جنب الباب.. إتجمدت مكاني وانا شايف بحر الدم اللي بينزف من راسها والفتحة العميقة اللي اتفتحت.. (سارة).. ندهت عليها وصوابعي بتخبط على خدها برعشة، وفى ثواني كانت دموعي اللي عمرها مانزلت قبل كده غلبتني.. مش بتتحرك.. (فضل).. (سعدية).. صرخت بنده عليهم، ومحدش فيهم رد، وأكيد “صباح” نايمة بسبب المسكنات اللي بتاخدها.. شيلت “سارة” وطلعت بيها على أقرب مستشفي.. عملوا معاها المستحيل عشان ينقذوها.. طول مدة الساعة ونصف، وهي فى غرفة الجراحة أنا كنت فى وادي تاني تماماً.. شريط عمري مر قدام عيني كله.. لحظة ميلادها.. المرات الكتير اللي كنت بهرب منها عشان ماسمعهاش وأفضل عليها مراجعة إيرادات اليوم من الفروع.. وقفتها جنب “صباح” فى مرضها وشيلة الهم اللي بقت فيها عشان تعوض غيابي.. ذكريات كتير كانت زي السكاكين بتشرح فيا.. مرت الدقايق كإنها سنين.. بمعجزة وكإني إتولدت من جديد خرج الدكتور وطمني.. قال لى إنه محتاج يتكلم معايا!.. قعدنا.. لاحظ توتري.. حاول يهديني.. (ماتقلقش، شوية كده وهنخلّي حضرتك تشوفها).. إبتسامته، وحاجة فى نبرة صوته طمنوني.. عينه كانت بتسأل إيه اللى حصل بس لسانه مانطقش.. رديت على سؤاله اللى ماسمعتوش.. (غصب عني).. هز راسه بتفهم، وقال: (عندنا مشكلة هتبقي فى وشها بعد كده لإن طول الجرح كبير، وللأسف هيسيب أثر هيبان منه جزء).. رديت: (تجميل فى أى مكان مش مهم الحاجات دي فى إيدينا).. رد إن حتى مع التجميل والليزر هيبقي فيه أثر.. قبل ما دموعي تغلبني تاني قال عشان يصبرني: (المهم إنها موجودة بينا يا أستاذ).. الأزمة عدت بس خرجت “سارة” منها إنسانة تانية.. مش بتتكلم.. صدمتها النفسية أفقدتها قدرتها على الكلام.. ودتها لـ كذا دكتور نفسي والكل أجمعوا إن الموضوع تدريجي.. إحساسي بالذنب نساني كل حاجة الشغل والخسارة وبقت “سارة” هي شغلي الشاغل.. العلامة اللي فى راسها مع سكوتها ونظرتها المكسورة بيكسروني.. رحت أنا لدكتور نفسي.. حكيت له.. كنت محتاج حد يقراني أنا من جوه.. حكيت كل حاجة زي ما قولت فى رسالتي.. (ماتصاحبها).. (إزاي؟).. سألت.. رد: (العنصر الوحيد المفتقد فى علاقتك بـ “سارة” إنك ماكنتش قريب رغم إنها حاولت.. صاحبها!).. رحت البيت ومسكت إيدها، وإتكلمت.. كلام كتير كتير ملخصه إنها حتة مني مش بنتي.. إعترفت ليها إني إكتشفت إنها نقطة ضعفي هي و“ًصباح“.. طلبت منها السماح.. بوست راسها وإيديها.. كانت بتسمع بس، ومفيش إستجابة.. قبل ما أخرج من الأوضة رجعت تاني ومسكت إيديها.. قولت بصوت كان خارج من قلبي مش حنجرتي: (بصي.. من النهاردة أنا إتنين مش واحد.. بابا، و“ممدوح” صاحبك.. كـ بابا هتلاقيني قبل ما تحتاجيني مهما كانت مشاغلي، وكـ صاحبك هتلاقيني أعيل منك.. كده كده، وغصب عنك أنا بابا بس تقبلي يكون عندك صاحب عجوز وشعره أبيض زيي؟).. بصت لى وهزت راسها.. دموعها ودموعي نزلوا وحضنتها.. ماكنش غريب إن بعد الموقف ده بـ 3 أيام تتكلم تاني وتقول: (بحبك)، وتكون أول كلمة تنطقها.. كلمني بقي عن الدنيا اللى حسيت إنها بقت بين إيديا.. أنا خلفت “سارة” تاني النهاردة.
- أنا “سارة ممدوح“.. عندى 23 سنة.. تالتة تجارة إنجليزي.. وجود بابا فى حياتي كان أقل بكتير من وجود ماما.. هو دايماً مشغول.. دايماً بيتكلم فى التليفون.. بيرجع متأخر.. مش هقول إن ده ماكنش بيضايقني بس تأقلمت عليه.. تكيفت مع الوضع وقولت هتعامل مع أوقات ظهوره اللي أصلاً قليلة زي العيد.. ماما كانت بتقول لي: (كل اللي بيعمله عشانك وعشاننا كلنا).. هي ماكنتش محتاجة تفكرني كل شوية بالكلام ده عشان أنا مستوعباه.. على فكرة حتى مع أوقات قعدتي البسيطة معاه كنت ببقي مبسوطة، وحضنه حلو أوي وفيه دفا وأمان.. أنا بحبه ما هو فى النهاية أبويا، وعمره ما حرمني من حاجة.. هو قلل بس من تكرار كلمة “بابا” على لساني بس ماشالهاش من قلبي.. ماكنتش عايزاه يبقي دايماً مضغوط فى شغله بالشكل ده عشان بينسي نفسه فيه، وصحته.. لما ماما تعبت، ورغم إنه كان ممكن يجيب مستشفي كاملة تقعد جنبها بس أنا قلت له سيب كل حاجة عليا.. ظرف ماما الصحي كان هيحتاج متابعة دايمة ومستمرة، وأنا قدها وقدود.. حسيت إنه إرتاح لكده.. لما حصلت حادثة راسي أنا متضايقتش بس إتصدمت.. كل سكوتي كان غصب عني.. كإن الغضب اللي كان جوايا طلع فى صورة صمت.. كان نفسي أتكلم، وأصرخ واعيط بس دموعي كانت متحجرة فى عيني.. العلامة اللى بقت فى راسي ونازلة لحد وشي ماشغلتنيش لحظة رغم إن أى بنت بتكون مهتمة بجمالها وأى ديفوه يحصل بيتعبها.. أنا لأ.. أنا متصالحة دايمًا مع نفسي، ومع أوامر ربنا، وتدابيره، وبشوف إن الجمال الحقيقي بيبدأ من جوه وهو ده الأهم.. لما إتكلم معايا فى الأوضة ومسك إيدي حسيت إيده بتترعش.. عمري ما هنسي حرف من اللى قاله.. وبالمناسبة اللي قاله كنت أول مرة أفكر فيه!.. أنا معنديش صديق.. صديق أو صديقة يعني.. عندى زمايل بيجمعني بيهم معرفة كلية أو نادي بس معنديش صديق أو صديقة معاهم سري!.. أفضفض وقت ما أحتاج.. يمكن كانت ماما ربنا يشفيها بتقوم بالدور ده لكن لغاية السنة اللى فاتت قبل ما ماتقدرش تتكلم برضه.. أنا وحيدة.. هو ده اللى كان مسيطر عليا قبل ما يمسك إيدي ويقول كلامه.. إنبسطت، وصدقته.. بابا اختلف 180 درجة!.. تفاصيل التفاصيل بتوضح ده وبتثبته يوم عن التاني.. العلاقة بينا بقت لذيذة!.. فجأة أعرف إن عيد ميلاد واحدة من زمايلي النهاردة.. أنا كنت فاكرة بس نسيت، ولازم أورح عشان شكلي مايبقاش وحش، وهبقي أنا الوحيدة اللى ماروحتش.. المشكلة إن عيد الميلاد فى مكان بعيد، وهي كمان عاملاه فى وقت متأخر!.. دخلت عليه المكتب وقولتله: (بابا عايزة أروح عيد ميلاد “نيرة“).. بص فى الساعة وسألني: (دلوقتي؟).. رديت: (أيوا).. قال: (مش هينفع).. قالها ورجع بص فى الورق اللي قدامه تاني.. تمام.. أنا بصراحة كنت مستنية رفضه عشان أقول ليها لو زعلت مني إني ماروحتش.. قبل ما أخرج من باب مكتبه ندهني: (لحظة!، رايحة فين!).. قولت: (أوضتي!).. سألني: (وعيد ميلاد “نيرة“!).. سألته: (ماهو حضرتك رفضت!).. قال: (حصل.. كـ بابا).. سكت.. كمل: (بس كـ دوحة يالا بينا، يوهوووه).. قالها، وقام جري كإنه طفل وهو بيضحك عشان يلبس!.. يومها لبس كاجوال تيشرت وبنطلون جينز كإنه شاب أعيل مني، وكان بيهزر معايا طول الطريق، وبيسوق بسرعة، وبيحكيلي حاجات عن نفسه أيام زمان ماكنتش أعرفها.. خدودي وجعتني من كتر الضحك يومها.. فى مرة برضه لما جه عريس يتقدم لى قعد معاه، وسمعه للآخر ورد عليه الرد الأبوي بتاع أى أب: (تمام يا “هاشم” ربنا يقدم اللى فيه الخير هكلمك قريب).. رد من اللي بيشوفه أى عريس بارد ورخم.. رغم إني كنت متفقة مع “هاشم” إنه هيقابل بابا وياريت يتوقع منه أى حاجة.. “هاشم” سألني فى الموبايل بعد ما خرج: (شايفة إيه؟).. رديت بـ صدق: (مش عارفة، مع بابا مفيش حاجة أكيدة).. دخل بابا عليا الأوضة فى نفس اللحظة.. خبيت التليفون.. قعد على طرف السرير وسألني: (مش إحنا أصحاب؟).. رديت: (آه يا دوحة).. قال: (عايز آخد رأيك فى حاجة).. رديت: (قول).. قال: (بنتي جايلها عريس وأنا أول مرة أتحط فى الموقف ده).. عجبتني اللعبة!.. سألته: (مممم شايفه مش مناسب صح؟).. رد: (مش قادر أكون وجهة نظره عنه).. قولت: (بقي يا أبو المماديح ياللي تعرف تقرا أى حد كده من قعدة حتة عيل هيخليك محتار!).. سألني بجد: (وإنتي عرفتي منين إنه حتة عيل!).. رديت: (آآآ مش إنت بتقول إنه إتقدم لبنتك، وإنت قولتلي قبل كده إن سنها زيي 23 سنة! يبقي أكيد فى سنها).. سألني تاني: (ماشي ماشي أعمل إيه دلوقتي؟).. رديت: (بتفكر فى حاجة معينة؟).. رد بسرعة كإنه كان منتظر سؤال: (آه، وعايزك معايا).. لمدة أسبوع كامل كان بيروح يسأل عن “هاشم“، وأسرته فى محيط منطقتهم.. فى الكلية.. فى مكان شغل والده.. فى شغل “هاشم” نفسه.. تحريات أبوية على مستوي عالي والغريب إنه أجبرني أساعده وأسأل معاه كإننا فعلاً بنسأل عن عريس لواحدة تانية غيري!، والغريب إنى طاوعته رغم إني موافقة على “هاشم” أصلاً وبحبه!.. ( عايزك تقفي معايا بقي عشان مش عايز أطمن على البنت دي بنتي الوحيدة).. الأمانة اللى هو حملهاني كـ صديقته حسستني بالمسئولية لدرجة إني كنت بتلكك عشان أطلع القطط الفطسانة فى “هاشم“!.. إتخطبنا، والفضل بعد ربنا لـ بابا ممدوح.. أو صاحبي ممدوح.. أو حبيبي ممدوح.. الراجل اللى معني الحياة ولونها إختلفوا فى اللحظة اللى قرر يكون فيها صديقي.
- “روبرت برولت” بيقول: (أغلـبُ النّاس لا يحتاجون لعلاجٍ نفسيّ، بل يحتاجون لصـديقٍ يستطيعُون أن يصبحوا معَه حمْقى دون أيّ تفكِير).. الصحوبية لما بتدخل فى أي علاقة بتديها طعم.. صحوبية الواحد مع أبوه وأمه.. مع أخوه.. مع حبيبته.. مراته.. جوزها.. زمايل الشغل.. بس مش أي صحوبية.. صحوبية الناس اللي مابيحاولوش يتحكموا فى تصرفاتنا ولا بيحكموا عليها.. اللي بيدونا حريه الإختيار بدون مايفرضوا نفسهم علينا و فى نفس الوقت بنكون ضامنين لما نحتاجهم هنلاقيهم أول ناس يسدوا و يسندوا.. مش بيعايروا ولا يعاتبوا.. اللي مش بيحسسونا إن أفكارنا غير مكتملة النمو.. اللي بيكملونا مش بيكملوا علينا.. اللي بينا و بينهم حبل سُري واصل الأرواح ببعضها.. أوبشن الصحوبية لما بيدخل فى أي حاجه بيحليها و يخلّيها.