“كوليرا” و”كورونا” وبينهما “شلولو”
عام 1947 ظهرت الكوليرا في بعض قرى مصر، قبل أن ينتشر الوباء والفزع في عموم البلاد، ما أشبه الليلة بالبارحة، أحداث ثقال مرت على من عاشوا هناك كمثل من هم هنا .. بين زمن الكوليرا والكورونا تفاصيل ولحظات .. تشابهات ومرارات .. أوقات قاسيات مرت عليهم وعلينا .. صورة متطابقة لمشاهد عصيبة قد تبدو متكررة.. ومواقف حذرة عاجزة تنتظر الإنقاذ من رب المخلوقات.
أنقل لكم في هذه الزاوية، حالة من زمن الكوليرا وصفها أحدهم في خطاب أرسله فى تلك الفترة العصيبة وهو جواب أرسله طالب -أحتفظُ ببياناته الشخصية- لعائلته في تلك المرحلة.. إلى نص الخطاب:حضرة المحترم عمي العزيز .. بعد التحية والاحترام .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أرجو أن تكونوا بصحة جيدة وجميع من عندكم .. ولعل أن تكون والدتي وأخواتي مستمتعين بالعافية.. منذ أن سمعنا بمرض الكوليرا الذى انتشر في الشرقية والقليوبية أولا وامتد إلى ما بعد ذلك، كما تعرفون من الجرائد ونحن في قلق شديد خوفا من قرب هذا المرض ناحيتكم بعد أن وصل إلى أنشاص.. ومن ذلك الحين والوزارة قد أجلت امتحان الدور الثاني والدخول إليه فيما بعد.. وإننا إن شاء الله سوف نحضر إليكم في يوم أول الشهر أو التالي له.. بعد أن ندفع إيجار الشقة والنور إن أمكن الحضور فسنحضر وإذا لم نحضر فتكون ظهرت أوامر جديدة ومنعتنا الحكومة من السفر”.
“وهنا جميع أهالي القاهرة كبيرها وصغيرها في جميع أحيائها في فزع شديد ورعب ولا حديث في الشوارع والترام والسيارات غير الكوليرا.. وامتنعت الناس عن شراء جميع المشروبات والمثلجات وأصبحت محلاتها على وشك الإفلاس.. وخوف الناس من شراء خضروات وأصبحوا في شك من كل شئ حتى أننا نقمر العيش”.
“منع البوليس الباعة المتجولين وهنا أخبار الكوليرا أهم من أخبار أعظم الحروب في العالم.. وكل واحد -أغلب الناس- في بيوتها هذه الأيام بعد أن ظهرت هذه الإصابات في باب الشعرية، الجيزة وبولاق والعباسية والدقي وغيرها كما في شبرا وقليوب والحال زي بعضه عندكم وعندنا واحد.. ولكن المحافظة عندنا أكثر فأرجوا أن تحطاطوا ولا تجعلوا أحدا غريبا يدخل العزبة خوفا من العدوى وعدم أكل البلح والخضروات”.
“بالأمس ذهبت إلى عمي كامل أخبره بأننا مسافرون -أي يوم الجمعة- فنصحني بعدم السفر وإن شاء الله سنحضر كما سلفنا وخالي يهديكم ألف سلام ونحن في صحة جيدة إلى الآن والحمد لله ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وإن شاء الله إذا حضرنا فسنحضر عن طريق بلبيس ولا داع للركايب…ابنكم .. 27 سبتمبر 1947″
انتهى الخطاب .. ولم تنته قصص الكوليرا وأحداث كورونا، وبقي على المواطنين الالتزام والتحصن بالمعلومات وتعليمات السلطات الصحية، ومعاونة أجهزة الدولة للمرور بسلام من أزمة زلزلت العالم وأزلته، وعدم الاستهانة بوباء متفش. ما يزيد الطين بلة، الجهل المصاحب لانتشار الأوبئة، ما يزيد فاجعتها، فالمصيبة الكبرى تمثلت في كيفية وصول الناس بإحدى القرى في محافظة الدقهلية لتلك الحالة من التردي والإنحطاط الإنساني وانعدام الأخلاقيات حتى وصل بهم الأمر إلى الاعتراض على دفن طبيبة توفيت جراء إصابتها بالوباء، وآخرون يلفظون المصابين والمرضى ويتنمرون عليهم، وفئة ثالثة تحيا وكأنها في كوكب آخر دون احتراس أو احتراز.
في زمن علاج الكورونا بـ”الشلولو” كل شئ مباح .. الجهل سيد والسطحية سائدة، وما بين كولير وكورونا لن تفلح فتاوى الإعلامي المناضل الذي طبق قواعد الحظر من الاستوديو فلم يبرحه ليمارس علمه في إخراج العفاريت ومواجهة الشياطين والاستعانة بالجنون لطرد كورونا.
استووا واعتدلوا يرحمكم الله!