يريفان وباكو تاريخ من الدم في حق الشعب الأذري
في النصف الثاني لثمانينيات القرن العشرين تقدم الأرمن من جديد للأسرة الدولية بمزاعم أحقيتهم في ضم قرة باغ تلك المنطقة الجبلية الواقعة في قلب أذربيحان، مستغلين الوضع الإقتصادي السئ من اجل تنفيذ فكرة “أرمينيا الكبرى”،و ذلك بمساعدة خارجية استطاعت أرمنينا تدويل القضية.
استغل الساسة الارمن حدة التوتر الإقليمية لصالح قضيتهم بإنشاء “أرمينيا الكبرى”، وكانوا يسعون إلى تصعيد حدة التوتر الناتج عن إضربات عام 1988، وقاموا بتأليب الرأي العام على أذربيجان، ووفقا للمخطط الأرميني المرسوم مسبقا لإلحاق قرة باغ بأرمنينا نظموا إضرابات ومظاهرات في خانكندي ويريفان تحت ذريعة التخلف الاقتصادي للإقليم، وبالتالي كانت المؤسسات تتوقف عن العمل، وأظهرت الأيام التالية الغرض الأصلي من إفقار الإقليم الجبلي ذي الحكم الذاتي ما هو إلا مطمعا في الأراضي الأذربيجانية.
رصد التاريخ العديد من التجاوزات الأرمينينة في حق أذربيجان ووقعت العديد من المعارك بينهم، وأرتكب الأرمن العديد من الجرائم في حق الأمة الأذرية وكان من أشهرها “مذبحة الأيام الثلاثة” تلك المذبحة التي تعد “‘إبادة جماعية ” في حق عرق بشري تجاوزت ضحاياه الآلاف. منها على سبيل المثال في 6-9 فبراير عام 1905 – المجزرة الأولى بباكو في 20-30 أغسطس عام 1905 – المجزرة الثانية بباكو في 20-25 أكتوبر عام 1905 – المجزرة الثالثة بباكو في مدينة إيرفان في 20-23 فبراير عام 1905 – المجزرة الأولى في إيرفان في 23-26 مايو عام 1905 – المجزرة الثانية في إيرفان في 18 سبتمبر عام 1905 – المجزرة الثالثة في إيرفان في 27 مايو، 8-9 يونيو عام 1906 – المجزرة الرابعة في إيرفان في شهري مايو – يونيو عام 1905 – في قضاء إيرفان
أما في17 فبراير عام 1992 – أحتلت قاراداغلي القرية الواقعة إداريا تحت محافظة خوجاوند ببسالة لمدة 4 سنوات لهجمات أرمينيا وتم تشريد أكثر من 118 أسرة. تتصاعد حدة التوترات بين الجارتين من الحين والآخر إلى أن تحالفت أرمينيا مع روسيا، أصبح الطرفين يتبادلا الاتهامات بشكل دوري بانتهاكات حدودية في المناطق الواقعة تحت الولاية الأذربيجانية.
وشهد التاريخ الأذربيجاني مراحل أليمة موجعة مفعمة بالمآسي والاحداث الدموية الناتجة عن سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية والعدوان التي نفذها القوميون المتشددون من الارمن ضد شعبنا خلال القرنين الأخيرين.
والهدف الرئيسي لهذه السياسة القومية المتشددة كان تشريد الأذربيجانيين من ديارهم التاريخية وإنشاء ما يزعمه الأرمن – دولة “أرمينيا الكبرى” على الأراضي الأذربيجانية القديمة.
والأدلة التاريخية تثبت ان عملية نزوح عدد كثير من الأرمن من إيران وتركيا وتوطينهم في الجزء الجبلي لمنطقة قراباغ الأذربيجانية ذات الاهمية الاستراتيجية الكبيرة بدأت في اوائل القرن التاسع عشر.
وقد استفادت روسيا القيصرية التي كانت تسعى الى السيطرة على الثروات الطبيعية الغنية للمنطقة في هذه الفترة من “العامل الأرميني” كأداة سياسية في حربها على تركيا وإيران في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.
كان ب.د.سيسيانوف القائد العام للجيوش الروسية في القوقاز في أوائل القرن التاسع عشر يكتب في تقرير برقم 19 وبتاريخ 22 مايو عام 1805 أي بعد احتلاله كنجه “ان قراباغ تعتبر بوابة لأذربيجان وكذلك لإيران من حيث موقعها الجغرافي، ما يجعلنا نسيطر عليها ونسعى كثيرا الى تعزيز هيمنتنا هنا”.
ولم يلبث ان تحقق هذا الهدف. وتم التوقيع على معاهدة بين حاكم (خان) قراباغ إبراهيم خان والجنرال سيسيانوف في 14 مايو عام 1805. عقب ضم إمارة قراباغ الى روسيا بدأ ب. د. سيسيانوف عملية توطين الأرمن النازحين من الأقاليم الأخرى لجنوب القوقاز في قراباغ، ذلك لتعزيز دعائم القيصرية هنا.
فيما يتعلق بالوثائق التاريخية التي تقدم معلومات مفصلة عن عدد سكان قراباغ وتركيبتها القومية فأهمها هو “وصف إقليم قراباغ” الذي أعده يرمولوف وموكيليوفسكي الآمران المعيَّنان من قبل القيصر. فالوثيقة تشير الى ان عدد العوائل القاطنة في إقليم قراباغ عام 1823 كان 20 ألفا و95 عائلة، منها 15 ألفا و729 عائلة أذربيجانية و4 آلاف و366 عائلة أرمينية. أي زاد عدد العوائل الأرمينية في قراباغ ليصل الى 4 آلاف و366 عائلة على حساب الأرمن النازحين الى الإقليم حتى عام 1823.
إن زيادة عدد السكان الأرمن الى درجة كبيرة في الجزء الجبلي لقراباغ حصلت في عشرينيات القرن التاسع عشر، لاسيما بعد احتلال جنوب القوقاز من قبل روسيا. وبدأ عدد الأرمن يزداد في جنوب القوقاز بما فيها في قراباغ عاما بعد عام نتيجة نزوحهم الجماعي المخطط وتوطينهم فيها من إيران وتركيا وأذربيجان الجنوبية إبان الحرب الروسية الإيرانية في أعوام 1804-1813 و1826-1828، والحرب الروسية التركية في عامي 1828-1829، كذلك في السنين التالية.
وكان ن.ن.شافروف لا يخفي واقع احتلال القوقاز من قبل روسيا القيصرية، بالتالي توطين ممثلي القوميات الأخرى في تلك الأراضي بقوله : “بدأنا نشاطنا الاستعماري بتوطين الأجانب في القوقاز، ولا بتوطين السكان الروس. وأنشأنا من هذه العناصر غير المرغوب فيها في الوطن مستوطنات في قضائي تفليس ويليزافيتبول (كنجه). وتم تخصيص أخصب الأراضي لهم وتقديم امتيازات مختلفة لهم”.
في البداية تم توطين 124 ألف أرميني رسميا وبل فيما بعد عدد أكبر منه بشكل غير رسمي في الجزء الجبلي لقراباغ. بشكل عام، تم نزوح أكثر من 200 ألف أرميني الى الجزء الجبلي لقراباغ خلال فترة ما بين عامي 1828-1830.
هذا ونرى ن.ن. شافروف يتحدث عن تلك الاحداث هكذا: “أننا قمنا بتوطين أكثر من 40 ألف أرميني من إيران و84 ألف أرميني من تركيا بعد انتهاء الحرب الدائرة خلال فترة ما بين أعوام 1828-1830 في قضائي يليزافيتبول وإيروان غير المأهولين بالكاد بالأرمن حينذاك وفي أخصب الأراضي العامة لأقضية تفليس وبورجالي وآخالسيك وآخالكلك. وتم تخصيص أكثر من 200 ألف ديسياتين من قطع أرض عامة لتوطينهم فيها، كذلك لهذا الغرض تم شراء قطع أرض كانت في الملكية الخاصة للمسلمين بعد دفع أكثر من مليوني مانات. وتم توطين هؤلاء الأرمن في الجزء الجبلي لقضاء يليزافيتبول (يقصد به الجزء الجبلي لقراباغ) وشواطئ بحيرة كويجه. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار ان عدد الأرمن النازحين الى هنا بشكل رسمي علني يشكل 124 ألف أرميني، واجماليا أكثر من 200 ألف أرميني مع اعتبار عدد النازحين بشكل غير رسمي”.
هذا دليل على ان المستوطنين الجدد من الأرمن تم إسكانهم في الأراضي غير المأهولة بالأرمن او المقطونة بأعداد قليلة منهم أساسا. ويتضح هنا ان الأرمن القاطنين في قضائي كنجه وإيروان لأذربيجان كان عددهم قليلا بكثير قبل أوائل القرن التاسع عشر، لاسيما حتى حين إبرام معاهدة تركمانتشاي. وخلال العامين المنصرمين من ابرام معاهدة تركمانتشاي تمكن الأرمن وبرعاية روسيا القيصرية من الاستيطان في الانحاء المختلفة لأذربيجان، بما فيها الجزء الجبلي لقراباغ. وشهدت السنين التالية مدى هذه الرعاية التي أحاطت القيصرية بها الأرمن.
واستمرت عملية توطين الأرمن في جنوب القوقاز خلال فترة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكان عدد الأرمن المستوطنين فيما وراء القوقاز في 13 سنة أي خلال فترة ما بين عامي 1896 – 1908 فقط 400 ألف أرميني. فيكتب ن.ن. شافروف بهذا الشأن: “قال القائد العسكري شريميتيف عام 1896 في تقريره عن الأرمن القاطنين فيما وراء القوقاز ان عددهم 900 ألف أرميني. أما عددهم عام 1908 فبلغ مليون و300 ألف نسمة، أي زاد عدد الأرمن أكثر من 400 ألف شخص خلال هذه الفترة. إن مليون أرميني من إجمالي 1 مليون و300 ألف ساكن أرمني قاطن حاليا فيما وراء القوقاز ليسوا سكانا اصليين لهذه المنطقة. فنظمنا نحن نزوحهم اليها”.
بشكل عام، فإن توطين الأرمن في الجزء الجبلي لقراباغ أثر تأثيرا جوهريا على الوضع الديموغرافي في المنطقة. ويشار الى ان عدد العوائل الإجمالي القاطنة في قراباغ كان 54 ألفا و841 عائلة بناء على نتائج التعداد السكاني عام 1897، حيث كان منها 29 ألفا و350 عائلة اذربيجانية مقابل 18 ألفا و616 عائلة أرمينية. اما نسبة الأرمن في قراباغ عام 1917 فازدادت على حساب المستوطنين الأرمن لتشكل 46 في المائة من اجمالي عدد السكان فيها مقابل نسبة الأذربيجانيين التي كانت 51 في المائة.
وتكتب مجلة “كافكازسكي كاليندار” لعام 1917 ان قراباغ كان يقطنها حينذاك 199 ألف أذربيجاني (58.3 في المائة) و142 ألف أرميني (41.7 في المائة). على ما يبدو ان الاذربيجانيين باعتبارهم السكان الأصليين كانوا يشكلون اغلبية السكان في قراباغ في كل الفترات رغم نزوح الأرمن خلال مراحل تحت حماية ورعاية روسيا القيصرية وتوطينهم في قراباغ. وتثبت المعطيات الواردة في صفحات ” كافكازسكي كاليندار” ان الأراضي الحالية لأرمينيا كان عدد الاذربيجانيين فيها أكثر من الأرمن أنفسهم. على سبيل المثال، فإن عدد القرى الأذربيجانية كان 154 قرية (45.7 في المائة) من أصل 326 قرية موجودة في قضاء زنكزور لمقاطعة كنجه (يلزافيتوبول) عام 1886، وكان عدد القرى الكردية فيها 91 قرية (27.8 في المائة) الى جانب 81 قرية ارمينية (24.8 في المائة) موجودة فيها.
عام 1889 كان عدد الاذربيجانيين أكثر بقدر 1500 شخص من عدد الأرمن في قضاء زنكزور. اما عدد سكان زنكزور عام 1897 فكان 142 ألف نسمة منهم 71.2 ألف أذربيجاني (50.1 في المائة) مقابل 63.6 ألف أرميني (44.8 في المائة). كما جاء في تقرير احصائي طبعته الإدارة المركزية للإحصاء في أرمينيا عام 1962 أن عدد الأذربيجانيين في مدينة إيروان عام 1831 كان 15 ألفا و992 شخصا من اجمالي سكانها البالغ عددهم 18 ألفا و766 نسمة. اما في عام 1866 فكان عدد الاذربيجانيين 23 ألفا و627 شخصا من أصل 27 ألفا و246 نسمة في المدينة (أي 85.2 في المائة للسكان).
ويكتب المؤلف الأرميني زاوين كوركوديان في كتابه المعنون “سكان أرمينيا السوفييتية في فترة ما بين سنوات 1831-1931” الصادر في إيروان عام 1932 ان الأذربيجانيين كانوا يقطنون 2000 منطقة سكنية من المناطق السكنية البالغ عددها الاجمالي 2310 في أقضية إيروان وإتشميدزين وييني بيازيد وآلكساندروبول لمقاطعة إيروان، وأقضية زنكزور وقازاخ-ديليجان لمقاطعة يلزافيتبول (كنجه) وقضاء لوري – بامباك (إقليم بورجالي) لمقاطعة تفليس. وكان يبلغ عدد الاذربيجانيين القاطنين في إيروان 7 آلاف نسمة من اجمالي السكان البالغ عددهم 10 آلاف نسمة فيها. الى جانب ذلك، فإن جميع القياديين البالغ عددهم 40 شخصا في الإمارة كانوا هم الاذربيجانيون.
وكان الأذربيجانيون يشكلون أكثرية السكان في أقضية لمقاطعة إيروان، تابعة لأذربيجان حتى عام 1920، لاسيما في قضاء إيروان. على سبيل المثال، كان يبلغ عدد الأذربيجانيين في القضاء 62.6 ألف شخص (66 في المائة) من أصل 99 ألف نسمة، وكان عدد الأرمن 36.4 ألف شخص (34 في المائة).
فكان الاذربيجانيون يشكلون ثلث سكان أقضية إتشميدزين ويني بيازيد وسورمالي لمقاطعة إيروان. حسب معلومات 1 يناير عام 1916، فكان الأذربيجانيون يشكلون معظم السكان في تلك المناطق. وكان عدد الاذربيجانيين في قضاء إيروان 74.2 ألف شخص أو 48 في المائة من اجمالي عدد السكان فيه، وفي قضاء زنكزور 119.5 ألف شخص أو 53.3 في المائة، وفي قضاء يني بيازيد 50.7 ألف شخص، وفي قضاء سورمالي 45 ألف شخص. وتثبت هذه الأرقام بشكل سافر ان الاذربيجانيين باعتبارهم السكان الأصليين كانوا يشكلون معظم السكان في أراضي أرمينيا الحالية في أوائل القرنين التاسع عشر والعشرين.
أنشأ القوميون الأرمن حزب “آرميناكانا” في مارسيل في أواخر القرن التاسع عشر – عام 1885، وحزب “قينجاك” في جنيف عام 1887، وحزب “طاشناقسوتيون” في تفليس عام 1890. بعد ذلك، دخلت المزاعم الأرمنية المتعلقة بـإنشاء “أرمينيا الكبرى” في المرحلة الجديدة.
السياسة الأرمنية الهادفة الى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الاذربيجانيين
ان سياسة الاستيطان والتهجير التي كانت جزءا لا يتجزأ من السياسة الاستعمارية لروسيا القيصرية استمرت على مدى القرن التاسع عشر، بالتالي أدت الى تغيير التركيبة الديموغرافية في المنطقة. وزيادة أعداد الأرمن بتوطينهم في هذه المنطقة أسفرت عن بروز مزاعمهم الإقليمية على أراضي أذربيجان وسياستهم العدوانية ضدها ابتداء من أوائل القرن العشرين.
في سبيل تحقيق فكرة “أرمينيا الكبرى” المنصوص عليها في برنامج حزب “طاشناقسوتيون” أقدم القوميون الأرمن في أوائل القرن العشرين على طرد الاذربيجانيين طردا مخططا من ديارهم الأصلية وبالتالي تعريضهم للتصفية العرقية والإبادة الجماعية. ارتكب الأرمن خلال عامي 1905-1906 مجازر ضد السكان الاذربيجانيين المسالمين وقتلوهم بلا هوادة وأحرقوا ودمروا المدن والقرى في باكو وكنجه وقراباغ وإيروان وناختشفان وأوردوباد وشرور-درالياز وتفليس وزنكزور وقازاخ وغيرها من المناطق. دمّرت الوحدات المسلحة الأرمينية وخرّبت أكثر من 200 منطقة سكنية أذربيجانية في أقضية شوشا وزنكزور وجبرائل، وفي مقاطعتي إيروان وكنجه مما أدى الى تشريد وتهجير عشرات الآلاف من أبناء جلدتنا من ديارهم الأصلية. قتل الأرمن أكثر من 200 ألف أذربيجاني (أطفال ونساء ومسنون) للقيام بالتطهير العرقي لإفساح الطريق أمام بناء “دولة أرمينيا” الموعودة لهم من قبل روسيا القيصرية في تلك الأراضي. واستأنف الأرمن المدعومون من قبل القيصرية إبادة الأذربيجانيين إبان سنوات الحرب العالمية الأولى.
قام حزب “طاشناقسوتيون” والمؤتمر الوطني الأرميني بتوسيع نشاطهما بعد احداث فبراير وأكتوبر عام 1917 في روسيا. في الوقت ذاته، فإن ستيبان شاوميان الذي عينه فلاديمير ايليتش لينين في ديسمبر عام 1917 مفوضا مؤقتا فوق العادة في شئون القوقاز بدأ ينظم ويشرف على القتل الجماعي للأذربيجانيين. وقامت الوحدات المسلحة الارمينية بتدمير وحرق وهدم 197 قرية في مقاطعة إيروان و109 قرية في قضاء زنكزور و157 قرية في قراباغ، الى جانب تخريب 60 منطقة سكنية في الأقاليم الأخرى خلال فترة من أوائل عام 1917 الى شهر مارس عام 1918.
في أوائل عام 1918 أي قبيل مجزرة مارس كان يقرب عدد المسلحين الارمن التابعين لشاوميان مباشرة من 20 ألف شخص. وتحت حماية البلاشفة، كذلك لينين أصبح شاوميان قائدا لكاميونا باكو. في 30 مارس لهذا العام استهدفت الوحدات المسلحة الارمينية البلشيفية مدينة باكو بطلقات المدفعية المطلقة من السفن. وعقب ذلك باغت مسلحو حزب الطاشناق على بيوت الاذربيجانيين وقتلوهم بلا هوادة. وفي 31 مارس والأيام الأولى لأبريل قتل الناس في مجازر جماعية. وأبيد آلاف الأذربيجانيين العزل المسالمين إلا بسبب انتمائهم القومية. خلال تلك الأيام اغتالت الوحدات الارمينية البلشفية المسلحة 12 ألف ساكن مسالم في باكو وحدها. وأثناء هذه الاحداث الدموية تم حرق الناس أحياء في عقر دورهم واغتيالهم بلا هوادة.
نتيجة هجوم الأرمن المسلح قتل بصورة وحشية خاصة أكثر من 16 ألف انسان ودمرت 167 قرية في قضاء قوبا خلال الأشهر الخمسة الأولى لعام 1918، و35 من تلك القرى بادت لا توجد حاليا. ان الوقائع والأدلة التي اكتشفت حول مجازر الاذربيجانيين الجماعية من طرف الوحدات الارمينية الطاشناقية المسلحة في قضاء قوبا أثبتت مرة أخرى مؤخرا. حيث ان اكتشاف المقبرة الجماعية في مدينة قوبا عام 2007 دليل من الأدلة التي تثبت وحشية الأرمن. واتضح من خلال الدراسات في المقبرة ان السكان المحليين قُتِلوا بصورة وحشية خاصة متعرضين لكل أساليب العنف أثناء هجوم الوحدات الارمينية المسلحة على قوبا عام 1918 ودفنوا في تلك المقبرة بشكل جماعي. ويجب الذكر هنا ان الوحدات العسكرية الارمينية تحت قيادة آمازاسب قامت بإبادة السكان اليهود في قوبا الى جانب السكان المسلمين الاتراك. وتبين نتيجة الدراسات والتحقيقات الجارية ان الأرمن قتلوا في قوبا حوالي 3 آلاف يهودي خلال عامي 1918-1919.
علاوة على ذلك، تم تدمير وحرق مئات المناطق السكنية الأذربيجانية، بما فيها أكثر من 150 قرية في قراباغ وارتكبت مجازر بشعة ضد الاذربيجانيين في شوشا. خلال شهري مارس وابريل لعام 1918 قتل حوالي 50 ألف شخص بأساليب التعذيب الخاصة في باكو وأراضي أذربيجان الأخرى. واغتيل أكثر من 10 ألف أذربيجاني في قضاء زنكزور و10270 أذربيجاني في قضاء شاماخي، و18270 اذربيجاني الى سكان المدينة.
خلال أعوام 1918-1920 تعرض للقتل والتشريد 565 ألف أذربيجاني من أصل 575 ألف أذربيجاني قاطن حينذاك في أرض أرمينيا الحالية. ويكتب زاوين كوركوديان في كتابه المعنون “سكان أرمينيا السوفييتية في فترة ما بين سنوات 1831-1931” ان “الحكومة السوفييتية عام 1920 ورثت من الطاشناق 10 ألف ونيف تركي (أذربيجاني) فقط من بين السكان. وبلغ عدد الأذربيجانيين هنا 72596 نسمة بعد عودة 60 ألف لاجئ عام 1922 ووصل عددهم الى 105838 نسمة عام 1931”. خلال الشهرين الأخيرين لعام 1919 تم تدمير وتخريب 96 قرية في قضائي إتشميادزين وسورمالي لمقاطعة إيروان. وتم تدمير كل القرى بالكامل في قضاء إيروان. وقتل 132 ألف أذربيجاني في مقاطعة إيروان.
بشكل عام، اغتيل عشرات الآلاف من الاذربيجانيين بأبشع أساليب القتل، وتم تشريد أكثر من مليون ساكن من أراضيهم الأصلية نتيجة استمرار الأرمن في ارتكابهم مجازر جماعية بلا هوادة في باكو وقوبا وشاماخي وكوردمير ولانكران وشوشا، في أرض مقاطعة إيروان، وزنكزور وناختشفان وشارور وأوردوباد وقارس وغيرها من المناطق خلال فترة ما بين عامي 1918-1920. وتم حرق المدارس والمساجد ومحو الآثار الثقافية التاريخية في الأراضي الأذربيجانية التاريخية إثر تعرضها لهذه الاعمال الهمجية.
تم تأسيس لجنة التحقيقات فوق العادة بعد إنشاء جمهورية أذربيجان الشعبية في 28 مايو عام 1918 وبدأ أعمال التحقيق والتحري في الجرائم المرتكبة من قبل الأرمن. بناء على قرار الحكومة أعلن 31 مارس لكل عام يوم العزاء الوطني (وتم الاحتفال بهذا اليوم عامي 1919 و1920). لكن سقوط جمهورية أذربيجان الشعبية لم تسمح بإنجاز هذا العمل. ان الوضع السياسي الجغرافي السائد في المنطقة في حين إنشاء جمهورية أذربيجان الشعبية سبب في تسليم مدينة إيروان الى الأرمن كمركز سياسي لهم في 29 مايو عام 1918. فتم تأسيس جمهورية أرمينيا عام 1918 في الأراضي الأذربيجانية أي أرض إمارة إيروان السابقة.
ان تغيير التركيبة السكانية في الجزء الجبلي لقراباغ لصالح الأرمن نتيجة سياسة الاستيطان والتهجير التي كانت جزءا لا يتجزأ من السياسة الاستعمارية لروسيا القيصرية واستمرت على مدى القرن التاسع عشر أدى الى بروز مزاعمهم الإقليمية على أراضي أذربيجان وسياستهم العدوانية ضدها ابتداء من أوائل القرن العشرين. اما أكبر طموح الأرمن فكان احتلال قراباغ وزنكزور. وارسلت حكومة أرمينيا قوات مسلحة لتحقيق مخططاتها العدوانية. قامت الميليشيات المسلحة الارمينية الطامحة على احتلال أراضي قراباغ بتدمير مئات المناطق السكنية وقتل آلاف السكان الأذربيجانيين مستخدمة أبشع أنواع القتل.
في يناير عام 1919 تقدمت حكومة أرمينيا الطاشناقية بمزاعم إقليمية على قراباغ الأذربيجانية. فأصبح هذا اول محاولة رسمية لضم الجزء الجبلي لقراباغ الى أرمينيا. للتسوية السلمية للقضية طرحت حكومة أذربيجان مرارا اقتراحات ذات الصلة. لكن موقف الطاشناق حال دون تحقيق هذه الاقتراحات.
وحرصا على الدفاع عن وحدة أراضيها وحماية مواطنيها رفضت جمهورية أذربيجان الشعبية رفضا قاطعا المزاعم الإقليمية التي تقدمت بها جمهورية أرمينيا عليها. وبدأت البرلمان الأذربيجاني اتخاذ تدابير عملية للحيلولة دون حركة الانفصالية بعد مناقشته قضية “قراباغ”. لهذا الغرض قامت حكومة أذربيجان في 15 يناير عام 1919 أقضية شوشا وجبرائل وجوانشير وزنكزور من مقاطعة كنجه وانشأت مقاطعة قراباغ العامة المتكونة من تلك الأقضية بمركزها مدينة شوشا، وتم تعيين خسروف بيك سلطانوف حاكما عاما لها. وكلفته حكومة أذربيجان بمهمة استتباب الامن فيها وتشكيل حكومة محلية فيها.
نتيجة الجهود الجاهدة للحكومة الأذربيجانية تم التوقيع على معاهدة بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا في 23 نوفمبر عام 1919 وبوساطة مندوبية الولايات المتحدة الامريكية في تفليس. وكانت المعاهدة الموقعة تنص على وجوب وقف الاشتباكات واللجوء الى المحادثات لمعالجة المسائل المتنازع عليها، بما فيها مسائل الحدود. بيد أن أرمينيا انتهكت انتهاكا صارخا لهذه المعاهدة فزجت جيوشها في احتلال أراضي أذربيجان وقتلت الاذربيجانيين في مجازر عامة مريعة. رغم كل ذلك، تم تصدي محاولات أرمينيا للاستيلاء على قراباغ بالطرق الدبلوماسية والعسكرية في حين وجود جمهورية أذربيجان الشعبية. لكن هذه المزاعم الإقليمية للطاشناق الذين كان لهم دور في سقوط الجمهورية الشعبية أيضا طرحت من جديد بعد إقامة النظام السوفييتي في أذربيجان.
تمكن الارمن من الحاق زنكزور وبعض الاراضي الاذربيجانية الاخرى بجمهورية ارمينيا الاشتراكية السوفييتية عام 1920 مستغلين تطبيق النظام السوفييتي في جنوب القوقاز لتحقيق اهدافهم. وهذا ادى الى فصل ناختشفان برا عن باقي اراضي اذربيجان. في السنوات التالية قام الارمن بتوسيع نطاق سياستهم لتهجير الاذربيجانيين الاصليين القاطنين في زنكزور وغيرها من الاراضي الملحقة بأرمينيا.
كدوام هذه السياسة، في 7 يوليو عام 1923 منح وضع حكم ذاتي للأرمن النازحين الى الجزء الجبلي لمنطقة قراباغ الاذربيجانية في القرن التاسع عشر. تم تحقيق هذا القرار برعاية ومشاركة روسيا السوفييتية. والحال ان عدد الارمن القاطنين في الجمهوريات السوفييتية الاخرى كان أكثر من الارمن القاطنين في قراباغ. علاوة على ذلك، فإن أذربيجان لم تطالب أبدا ارمينيا بانشاء كيان حكم ذاتي للأذربيجانيين القاطنين فيها رغم كثرة عددهم بالمقارنة مع الارمن في قراباغ.
مع هذا، عند تأسيس إقليم قراباغ الجبلية ذي الحكم الذاتي انتهك بشكل سافر التقسيم الاداري السائد حتى عام 1923. بموجب القرار الصادر انشئ الإقليم ذي الحكم الذاتي على اساس تقسيم اراضي اقضية جوانشير وقوبادلي وشوشا. بناء على “الميثاق” ضمت الى إقليم قراباغ الجبلية ذي الحكم الذاتي شوشا وخانكندي و115 قرية من قضاء شوشا، و52 قرية من قضاء جوانشير، و30 قرية من قضاء قارياكين، وقالاداراسي من قضاء قوبادلي.
في النتيجة انقسمت قراباغ الأرض غير المتجزأة من اذربيجان الى الجزء السهلي والجزء الجبلي واجبِرت قيادة أذربيجان على منح وضع الحكم الذاتي للأرمن الذين تم توطينهم في الجزء الجبلي لقراباغ. في الوقت ذاته، تم تقديم هذا الحكم الذاتي بدون اعتبار موقف الاذربيجانيين القاطنين في قراباغ الجبلية منذ القدم ومع انتهاك حقوقهم بشكل سافر.
إن هذا الحادث لم يكن انتهاكا للتقسيم الاداري لاراضي أذربيجان فحسب بل أصبح أداة في يدي الأرمن عند مزاعمهم اللاحقة على اراضي بلدنا ايضا. ومنذ ذلك الحين برز على الساحة اصطلاح قراباغ الجبلية. كان المرسوم الصادر بشأن انشاء الحكم الذاتي ينص على اتخاذ مدينة خانكندي مركزا للإقليم. لكن اللجنة الحزبية لاقليم قراباغ الجبلية أصدرت في 18 سبتمبر عام 1923 قرارا لتبديل اسم خانكندي بستيباناكرت على شرف ستيبان شاوميان. فبدأت عملية تغيير أسماء الاماكن التاريخية لاذربيجان ومحافظات وقرى في قراباغ.
ان الطائفة الارمينية الساكنة في الجزء الجبلي لمنطقة قراباغ الاذربيجانية كانت تتمتع في العهد السوفييتي بالسلطة الذاتية في كل الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. رغم ذلك تقدمت ارمينيا حينذاك عدة مرات بمزاعمها الاقليمية بدون نيل منالها. بدلا من ذلك، تم تهجير حوالي 150 ألف من أبناء جلدتنا الى المحافظات السهلية في اذربيجان في إطار حملة تشريدهم الجماعي من اراضيهم الاصلية التاريخية لا سيما من إيروان والمحافظات المجاورة لها خلال فترة ما بين اعوام 1948-1953، بموجب القرار الصادر عن مجلس الوزراء للاتحاد السوفييتي في 23 ديسمبر عام 1947 “بشأن تهجير المزارعين والسكان الاذربيجانيين الاخرين من جمهورية ارمينيا الاشتراكية السوفييتية الى منحدرات بين نهري كور واراز في جمهورية اذربيجان الاشتراكية السوفييتية”.
مزاعم أرمينيا الاقليمية وعدوانها العسكري على اذربيجان في اواخر القرن العشرين
في المنتصف الثاني لثمانينيات القرن العشرين تقدم الارمن من جديد بالمزاعم الاقليمية على قراباغ الجبلية الاذربيجانية مستغلين الوضع الناشئ من اجل تنفيذ فكرة “أرمينيا الكبرى”، ذلك بمساعدة حماتهم في الخارج القريب والبعيد. كانت تطرح المزاعم الاقليمية على اراضي قراباغ كل مرة من الخارج وبتبليغ وتحريض أرمينيا وضغطها. ولا شك في ان هذه المزاعم الاقليمية الارمينية على اراضي اذربيجان لم تكن عفوية، بل كانت قد أعدت مسبقا من قبل حماتهم في يريفان والغرب بشكل مخطط شامل وبدقة. تحت حماية السلطات المركزية في الفترة السوفييتية نفذت حملة دعائية مناوئة لأذربيجان مما ادى الى تكوين سمعة سلبية عنها لدى الرأي العام. وقام الأيديولوجيون الارمن وملهموهم بالتزوير السافر للحقائق المتعلقة بتاريخ اذربيجان وتنميتها الاجتماعية الاقتصادية ونشروا أكاذيبهم على صعيد الاتحاد السوفييتي بأسره.
ان الساسة الارمن وحماتهم الذين كانوا يسعون الى تصعيد حدة التوتر الناشئ عند مستهل احداث عام 1988 وتأليب الرأي العام على اذربيجان نظموا إضرابات ومظاهرات في خانكندي ويريفان وفقا لمخططاتهم التي اعدت مسبقا لإلحاق قراباغ الجبلية بأرمينيا تحت ذريعة التخلف الاقتصادي للإقليم، وبالتالي كانت المؤسسات تتوقف عن العمل. لكن الاحداث التالية أظهرت ان هذا الفكر المزيف الذي أطلقه الساسة الارمن وحماتهم في المركز حول التخلف الاجتماعي الاقتصادي لإقليم قراباغ الجبلية ذي الحكم الذاتي مجرد ذريعة. اما الهدف منها هو مطامع ارمينيا على اراضي اذربيجان.
في المنتصف الثاني لهذا العام تصاعد توتر الاوضاع حيث ادت الى العدوان المسلح على السكان الاذربيجانيين لإقليم قراباغ الجبلية ذي الحكم الذاتي. وشن الارمن هجوما شاملا على كركيجهان وخوجالي في نهاية اغسطس ومطلع سبتمبر. في 18 سبتمبر طرد الارمن بالقوة حوالي 15 ألف اذربيجاني في خانكندي وأحرقوا بيوتهم.
انتهك السوفييت الأعلى لجمهورية ارمينيا الاشتراكية السوفييتية انتهاكا سافرا لسيادة اذربيجان بتبني قرار متناقض مع الدستور بشأن إلحاق إقليم قراباغ الجبلية ذي الحكم الذاتي الى جمهورية ارمينيا الاشتراكية السوفييتية في 1 ديسمبر عام 1989. ونقلت تبعية مؤسسات الاقليم الى الوزارات والإدارات ذات الصلة في ارمينيا. نتيجة تقاعس القيادة السوفييتية وتأييدها السافر احيانا حدث انفصال اقتصاد الاقليم ذي الحكم الذاتي ومؤسساته الاخرى من اذربيجان بالفعل والحاقها بأرمينيا. وتم ضم كل اللجان الحزبية للمحافظات الى عداد الحزب الشيوعي لأرمينيا. ورفع في أرض الاقليم علم أرمينيا. ان الاخطاء الفادحة وغير المقبولة المرتكبة من قبل القيادة السوفييتية وسياستها المتحيزة الى الارمن ادت الى زيادة الوضع توترا في نهاية عام 1990 واوائل عام 1991 وتوسع نطاق العدوان الارميني في إقليم قراباغ الجبلية ذي الحكم الذاتي ومناطق اذربيجان متآخمة مع أرمينيا.
ان الاحداث الارهابية التي تعرضت لها قطارات الركاب السائرة بين موسكو وباكو، والسيارات الموجهة على الطريق بين تبيليسي وباكو، تبيليسي وأغدام، أغدام وشوشا، أغدام وخوجالي حصدت أرواح مئات الاذربيجانيين. وسقط آلاف الاذربيجانيين ضحايا لسياسة العدوان الارمينية المدعومة من قبل السلطات الحاكمة في الاتحاد السوفييتي. ومن المؤسف ان عدم التصدي للانفصاليين الارمن في بداية الاحداث زاد الاوضاع تدهورا وتوترا. في النتيجة ارتكب الارمن في الاقليم الخارج عن سيطرة الحكومة الاذربيجانية جرائم أكثر دموية ضد الاذربيجانيين بمساعدة الوحدات المسلحة والآليات العسكرية المرسلة من ارمينيا، الأمر الذي أسفر عن اشتعال النزاع وتحوله الى حرب واسع النطاق.
ابتداء من عام 1991 ازدادت حدة التوتر في الجزء الجبلي لقراباغ. وكانت الحالة الاجتماعية السياسية فيها تنذر باقتراب المأساة الكبيرة. خلال شهري يونيو – ديسمبر لذلك العام قتل 12 شخصا وجرح 15 شخصا آخر نتيجة هجوم الوحدات المسلحة الارمينية على قرية قاراداغلي لخوجاوند وقرية ميشالي لمحافظة عسكران. وخلال شهري أغسطس – سبتمبر لذلك العام لقي 17 مواطنا مصرعهم وأصيب حوالي 90 أذربيجانيا بجروح نتيجة استهداف الحافلات السائرة بين شوشا وجميللي، أغدام وخوجاوند، أغدام وقاراداغلي بطلقات نارية من قبل الميليشيات الارمينية المسلحة. في نهاية أكتوبر وخلال شهر نوفمبر عام 1991 أحرق الأرمن ودمروا ونهبوا أكثر من 30 منطقة سكنية في الجزء الجبلي لقراباغ، بما فيها قرانا الاستراتيجية الأهمية أمثال توغ وإمارة قروند، سيرخاوند، ميشالي، جميللي، أومودلو، قاراداغلي، كركيجاهان وغيرها.
بشكل عام، خلال فترة ما بين سنوات 1988-1991 أي فترة من بداية الاحداث حتى انهيار الاتحاد السوفييتي انتهجت أرمينيا المدعومة من قبل السلطات المركزية للاتحاد السوفييتي السياسة العدوانية ضد أذربيجان. نتيجة لهذه السياسة قتل السكان المدنيين العزل، ودمِّرت المناطق السكنية ونُهبت وأحرِقت. ان الدولة المعتدية التي فرضت بالقوة على الأرمن القاطنين في إقليم قراباغ الجبلية فكرة ضرورة انفصالهم عن أذربيجان وانضمامهم الى أرمينيا أقدمت لتحقيق هذا الهدف على ارتكاب المجزرة والاعتداء على السكان الاذربيجانيين القاطنين في إقليم قراباغ الجبلية وتشريد 50 ألف منهم. خلال هذه السنين حدثت في قراباغ الجبلية 2559 حالة من الاشتباكات و315 حالة من الغارات المسلحة، و1388 حالة من إطلاق النار من قبل الأرمن، الامر الذي حصد أرواح 514 شخصا مع إصابة 1318 شخصا بجروح.
في الوقت ذاته، نتيجة التطهير العرقي في هذه الفترة تم تشريد ما يقارب من 250 ألف أذربيجاني من 185 قرية اذربيجانية في أرمينيا. وتم تحقيق حملة “تطهير” أرمينيا من الاذربيجانيين. أثناءها اغتيل 216 اذربيجاني بصورة وحشية، وتعرض مئات النساء والأطفال والعجائز للتعذيب البدني ونهبت ممتلكات عشرات آلاف العوائل.
ابتداء من أوائل عام 1992 سقطت المناطق السكنية الأخيرة المأهولة بالاذربيجانيين في قراباغ العليا في قبضة احتلال جيش أرمينيا. في 12 فبراير استولت وحدات القوات المسلحة لارمينيا على قريتي ماليبايلي وقوشجولار لشوشا. وسقط 118 مواطنا (أطفال، نساء وعجائز) أسرى في يدي جيش الاحتلال اثناء الهجوم المسلح على قرية قاراداغلي لمحافظة خوجاوند في فترة من 13 الى 17 فبراير، كذلك قُتِل هناك 33 اذربيجانيا من قبل الأرمن رميا بالرصاص ودُفنوا مع الجرحى الآخرين جماعيا في بئر موجود هناك. كذلك اغتيل 68 شخصا من الأسرى وتم تحرير 50 أسيرا بصعوبة كبيرة. وتوفي 18 شخصا بعد وقت قليل من تحررهم بسبب جروح خطيرة أصابتهم في مدة احتجازهم. ان المعاملة الوحشية والهمجية مع الأسرى، حالات قطع رؤوسهم، ودفنهم أحياء، وخلع أسنانهم بالتعذيب، ومنعهم من الطعام والماء، قتلهم تحت التعذيب كل هذا أبشع جريمة ضد الإنسانية. وقتل 4 افراد من كل أسرتين في قرية قاراداغلي، وفقد 42 عائلة رؤوسها، وأصبح حوالي 140 طفلا أيتام. في هذه القرية التي تعرض سكانها للإبادة الجماعية على يدي الأرمن قتل بشكل عام 91 مواطنا أي واحد من كل عشر سكان للقرية.
في ليلة 25-26 فبراير عام 1992 هاجمت وحدات القوات المسلحة لأرمينيا، المدعومة بـ180 عسكري وآلية عسكرية مدرعة لفرقة المشاة الآلية برقم 366 التي تركها الاتحاد السوفييتي السابق في خانكندي على مدينة خوجالي حيث دمروها تدميرا كاملا واحرقوها بمساعدة عدد كثير من المدرعات العسكرية، وقتل السكان بالأساليب الوحشية الخاصة. وفق المعلومات الرسمية، قتل نتيجة هذه الإبادة الجماعية 613 شخصا من بينهم: 63 طفلا، 106 امرأة، 70 شخصا مسنا. قتل أفراد 8 عوائل بالكامل. أصبح 487 شخصا معوقين من بينهم 76 طفلا. علاوة على ذلك، سقط 1275 الأسرى. ومصير 150 شخصا منهم غير معلوم حتى الآن.
شارك أثناء الهجوم على خوجالي عشرات الضباط والرقباء الأرمن الأصل في الكتيبة الثالثة التابعة لفرقة المشاة الآلية 366. لطمس آثار مجزرة خوجالي تم نقل فرقة المشاة المرقومة برقم 366 التابعة للاتحاد السوفييتي السابق الى مدينة وازياني الجورجية في 2 مارس عام 1992. وفي 10 مارس ألغيت تلك الفرقة وتم توزيع عساكر وآليات عسكرية كانت في حوزتها بين الوحدات العسكرية الأخرى.
انعقد في 8 مايو عام 1992 في طهران اجتماع ثلاثي بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا، ذلك بمبادرة إيران. و في ذلك اليوم تم احتلال مدينة شوشا. واتضح فيما بعد ان الجانب الأرميني كان له هدف آخر في وقف إطلاق النار على طول الحدود بين أذربيجان وأرمينيا والجزء الجبلي لقراباغ. وكانت ارمينيا تستغل هذا الاجتماع لغرض إخفاء نواياها من المجتمع العالمي. ولا شك في ان رئاسة أرمينيا كانت على علم مسبقا بعملية الهجوم المخططة. لأن احتلال شوشا يتزامن مع وقت المحادثات الجارية مع رئاسة أرمينيا في طهران. وانقضت المعاهدة الموقعة قبل ان يجف حبرها. الى جانب ذلك، وقبيل هذا الهجوم نشر الأرمن، كما كان عليهم الحال، في المجتمع الدولي معلومات كاذبة مضللة حول الهجمات الشديدة من شوشا على خانكندي.
بمساعدة أحدث الأسلحة والآليات العسكرية احتلت وحدات القوات المسلحة لارمينيا محافظة شوشا التي كانت تشكل مساحتها 289 كيلومتر مربع وكان يبلغ عدد سكانها 24 ألف نسمة في مدينة واحدة و30 قرية. واستشهد 195 شخصا اثناء التصدي للهجوم وجرح 165 شخصا وفقد 58 شخصا. وأثبت هذا الحادث مرة اخرى ان حكومة ارمينيا التي تسعى الى الحاق الجزء الجبلي لقراباغ بها بالقوة من خلال انتهاكها السافر والمستمر لميثاق منظمة الامم المتحدة ومبادئ منظمة الأمن والتعاون الاوروبي تنتهج سياسة العدوان التي تتناقض وقواعد القانون الدولي. ان احتلال شوشا أدى دورا أساسيا في سقوط الاراضي الاذربيجانية الاخرى فيما بعد.
بعد احتلال مدينة شوشا مركز الموسيقى والثقافة الاذربيجانية القديمة، قطعت الوحدات العسكرية الارمينية الطريق الواصل بين شوشا-لاتشين (لاجين) واستهدفت مدينة لاتشين باطلاق قنابل المدفعية من اراضي جمهورية ارمينيا مباشرة. وكانت الوحدات العسكرية الارمينية تهدف الى تعزيز مواقعها في الاراضي الاذربيجانية المحتلة، وفتح ممر لربط الجزء الجبلي لقراباغ بجمهورية ارمينيا.
بعيد احتلال شوشا، استولى الارمن خلال مدة قصيرة اي في 18 مايو على مدينة لاتشين الاذربيجانية القديمة الواقعة بين الجمهوريتين. وبالتالي تم احتلال محافظة لاتشين مع مساحتها الاجمالية البالغة 1835 كيلومتر مربع وسكانها البالغ عددهم الاجمالي 71 ألف نسمة و120 قرية فيها. ولا شك في ان الطائفة الارمينية لإقليم قراباغ الجبلية لجمهورية أذربيجان لم تكن قادرة على احتلال أراضي أذربيجان، ولو ارادت هذا، بدون الحصول على دعم كبير جدا من الخارج. هكذا تحت ذريعة “تقرير المصير” احتل بقوة السلاح ممر يربط إقليم قراباغ الجبلية الأذربيجانية بأرمينيا. ان احتلال لاتشين أظهر مدى خروج الحرب خارج حدود قراباغ الجبلية ومدى نطاق مخططات أرمينيا العسكرية للاحتلال. وجلب الى قراباغ الجبلية عبر هذا الممر الذي سماه الأرمن بـ”ممر المساعدات الإنسانية” عدد كثير من الأسلحة والعتاد والذخائر والقوة العسكرية.
في النتيجة، احتلت القوات المسلحة لأرمينيا التي استطاعت انشاء دولة وحيدة القومية محافظات لاتشين وكالبجار وأغدام وفضولي وجبرائيل وقوبادلي وزنكيلان الواقعة خارج حدود إقليم قراباغ الجبلية (4.4 ألف كيلومتر مربع) والتي مساحتها الاجمالية أكبر من مساحته 4 مرات، مستفيدة من مساعدة الدول الحامية لها. تعرضت كل هذه الأراضي للتطهير العرقي على يدي الأرمن. ان هذه العملية التي تسعى أرمينيا الى تقديمها كمحاولة تقرير مصير الطائفة الارمينية لقراباغ الجبلية (لكنها في الحقيقة عرضة لمطامع أرمينيا) أدت الى تشريد أكثر من مليون ساكن اذربيجاني من الأراضي المحتلة وتحولهم الى نازحين في أراضيهم.
لا تزال أكثر من 20 في المائة من أراضي أذربيجان تحت احتلال القوات المسلحة لأرمينيا. نتيجة الاحتلال تم تدمير ونهب وحرق حوالي 900 منطقة سكنية و22 متحفا و9 معارض رسم، 9 قصور تاريخية، 40 ألف قطعة أثرية نادرة من مقتنيات المتاحف، 44 معبدا و9 مساجد. علاوة على ذلك، تم محو 4.6 ملايين كتاب ومخطوطات تاريخية قيمة محتفظة في 927 مكتبة.
في الوقت ذاته، ارتكبت أرمينيا التي تنتهج سياسة الإرهاب والابادة الجماعية على مستوى الدولة، والنظام الانفصالي في الأراضي المحتلة 373 حادثا إرهابيا في مختلف الاماكن بشكل عام (في حافلات الركاب، وقطارات الشحن والركاب، في ميترو أنفاق باكو، وسائل النقل الجوي، عبارة للركاب في البحر، المناطق السكنية، والمؤسسات المدنية والحكومية) مما أسفر عن مقتل 1200 شخص مع إصابة 1705 أشخاص بجروح.
انتهجت أرمينيا هذه السياسة العدوانية، كما كان في كل الأزمنة، بارتكاب المجازر الجماعية. حيث ان العدوان العسكري لأرمينيا خلال فترة ما بين 1988-1993 أسفر عن مقتل أكثر من 20 ألف أذربيجاني، وجرح ما يزيد عن 100 ألف آخرين، وصيرورة 50 ألف شخص معوقين بعد تعرضهم للإصابات. وفقد 4853 شخصا نتيجة النزاع وتم تحرير 1357 شخصا منهم فيما بعد، ولا يزال 783 شخصا أسرى في أرمينيا. حسب معلومات لجنة الصليب الدولي، قتل 439 أسيرا.
ان الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأرمن في خوجالي في نهاية القرن العشرين إحدى أبشع الجرائم ضد الإنسانية باسرها. ومأساة خوجالي لن تنساه ذاكرة التأريخ العالمي كمآسي خاتين وخيروسيما وناقاساكي وسونغمي ورواندا وسريبرينيتسا وهولوكوست. ودخلت تلك المآسي في تاريخ الحروب كالإبادة الجماعية للسكان المسالمين العزل وأثارت صدى واسعا في العالم برمته.
واكتشفت ماهية هذه المجزرة المريعة التي ارتكبت امام مشهد ومرأى كل العالم الا بعد عودة الزعيم القومي حيدر علييف الى سدة الحكم عام 1993. وفي فبراير عام 1994 أعطى المجلس الوطني لجمهورية أذربيجان تقييما سياسيا قانونيا لمجزرة خوجالي. علاوة على ذلك، أصدر الزعيم القومي حيدر علييف في 26 مارس عام 1998 مرسوما بشأن احياء ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأرمن ضد الاذربيجانيين الأعوام المختلفة وبموجبه أعلن 31 مارس يوم الإبادة الجماعية ضد الاذربيجانيين.
ان المرسوم الصادر عن الزعيم القومي في 18 ديسمبر عام 1997 “بشأن التهجير الجماعي للأذربيجانيين من قبل أرمينيا من أراضيهم التاريخية في سني 1948-1953” يكسب أهمية كبيرة من حيث الدراسة الشاملة لتهجير الاذربيجانيين من ارض جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية، وإعطاء تقييم قانوني سياسي لهذه الجريمة، وتقديم الحقائق المتعلقة بها الى الرأي العام العالمي. وهذان المرسومان مهمان من حيث فضح الإرهاب والتطرف القومي الارمنيين الى جانب دراسة الصفحات الدموية لتاريخنا أيضا.
بناء على القانون الدولي، فإن الإبادة الجماعية عمل ضد السلام والإنسانية وتعتبر أكبر جريمة. ان “اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية”، التي اعتمدها مجلس الامن التابع لمنظمة الأمم المتحدة بقراره برقم 260 (III) الصادر بتاريخ 9 ديسمبر عام 1948 ودخلت حيز التنفيذ عام 1951 تحتوي على تعريف قانوني لجريمة الإبادة الجماعية. ان كل الاعمال التي توصف في هذه الاتفاقية كجريمة الإبادة الجماعية ارتكبت ضد الاذربيجانيين خلال عدوان أرمينيا على أذربيجان.
وأحد الأدلة التي تثبت استمرار هذه السياسة المجرمة لأرمينيا هو ان الاذربيجانيين تعرضوا لعمليات الابادة الجماعية والتطهير العرقي المرتكبة من قبل القوميين الأرمن 4 مرات في مجرد القرن العشرين أي خلال عامي 1905-1906 و1918-1920 و1948-1953 وفي النهاية 1988-1993. ومنذ ما يزيد عن 20 عاما وتستمر السياسة العدوانية التي تنتهجها دولة الاحتلال هذه امام مشهد ومرأى الرأي العام العالمي. لذلك فاسترشادا بهذه الاتفاقية تملك جمهورية أذربيجان كل الادلة القانونية لرفع دعوى قضائية على جمهورية أرمينيا امام المحكمة الدولية لمنظمة الأمم المتحدة.
وتتخذ أرمينيا المعتدية موقفا غير بناء في المفاوضات الجارية لتسوية النزاع وتواصل سياستها العدوانية. من جهة أخرى فان تقاعس المنظمات الدولية أمثال منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الامن والتعاون الأوروبي في تنفيذ القرارات والمقترحات الصادرة عنها كان يعرقل التوصل الى تقدم في عملية المفاوضات.
الى جانب ذلك، فإن مجموعة منسك المنبثقة عن منظمة الامن والتعاون الأوروبي والدول التي ترأسها مجتمعة اتخذت مبدأ “ازدواجية المعايير” ولم تشعر بمسئوليتها عن العمل على التوصل الى تسوية عادلة للنزاع ولم تنوي الضغط على المعتدي.
علاوة على ذلك، ان عدم اتخاذ أي تدبير فعلي بحق أرمينيا المعتدية أخل بنفوذ منظمة الامن والتعاون الأوروبي وخيّب الآمال التي راهنت على مجموعة منسك المنبثقة عنها.
رغم ذلك، تحترم دولة أذربيجان اقتراحات بناء السلام من قبل منظمات دولية ولاسيما منظمة الامن والتعاون الأوروبي العاملة لحل النزاع بالطرق السلمية وتشارك بشكل منتظم وعملي في عملها. وهذا دليل على ان أذربيجان قبل كل شيء تفضل التسوية السلمية للنزاع في المفاوضات الجارية للتسوية.
تتخذ أذربيجان موقفا واضحا في تسوية النزاع. أي يجب حل القضية الا في إطار وحدة أراضي أذربيجان وحدود بلدنا المتعارف عليها دوليا. ويعتمد هذا الموقف على قواعد القانون الدولي ومبادئه وميثاق منظمة الأمم المتحدة ووثيقة هلسينكي الختامية، والوثائق الدولية العديدة المتبنية في مجال تسوية النزاع.
في الوقت ذاته، فإن الوثائق التي تبنتها كل المنظمات الدولية بشأن تسوية النزاع بالطرق السلمية تعني تعزيز موقف أذربيجان مرة أخرى وتأييد ضرورة معالجة القضية على أساس مبادئ القانون الدولي. كما ان القرارات الأربعة (رقم 822 و853 و874 و884) الصادرة عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة والقرارات الصادرة عن المجلس الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي مهمة الى جانب كونها أساسا قانونيا للدفاع عن الموقف العادل لأذربيجان على المستوى الدولي. كذلك تدعم القرارات الصادرة عن البرلمان الأوروبي واجتماعات قمة الناتو في الأزمنة الأخيرة وحدة أراضي أذربيجان دعما قاطعا مع الإشارة الى ضرورة وقف الاحتلال.
لذلك ينبغي للدول الكبرى أن توقف المعتدي الخطير في العلاقات الدولية المعاصرة ان تخطو خطوات فعلية حاسمة بناء على الفصل السابع لميثاق منظمة الأمم المتحدة، وتجبر أرمينيا على إرادة المجتمع الدولي.