بتكلم جد!
– أنا مؤمن إن الحب دايماً ثمنه حب.. مؤمن جداً برضه بالمقولة اللي بتقول: “إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوماً ما، فحتماً سيخبرك المطر أين زرعتها!.. إزرع جميلاً فلا يضيع جميلاً أينما زرعا”.. إختصاراً ومن البداية.. المقال ده فى حب الفنانة “سيمون”.. متأكد إن معظم مواليد الثمانيات والتسعينات هيكونوا مبسوطين بمجرد ما يشوفوا الإسم عشان شحنة الحنين اللى هتيجي فى بالهم لما يقروه، وبرضه متأكد أكتر إن حتى اللي حظهم إنهم إتولدوا بعد الفترة دي أو فى آخرها هتبقي فرصة لطيفة يعرفوا أكتر عنها خلال السطور الجاية.. المقال ده ميكس رسايل إنبوكس على معلومات على مكالمات؛ الخلاصة إنك حتى لو قريته فى دقايق فخليك عارف إن تجهيزه أخد أيام.
– “سيمون” هى نموذج حي لفكرة الفنانة الشاملة اللى وحشنا.. حاجة كده من ريحة الطفلة “فيروز”، و”نيللي”، و”نعيمة عاكف”.. بتغني وصوتها حلو وعملت 6 ألبومات، ومليون% هتكون على الأقل فاكر أغانى إتنين منهم زى “مش نظرة وإبتسامة”، “بتكلم جد”، “ألو” .. وبتمثل تراجيدى (شوف دور “سيجريس” فى “فارس بلا جواد”)، وكوميدي (شوف أدوارها فى مسرحيات: “كارمن” دور البنت المنطلقة اللى كرامتها عندها فوق كل حاجة، “لعبة الست” دور بنت البلد الشعبية، “سكة السلامة” دور الفنانة المغمورة)، وغيرهم.. كل ده بتعمله بتمكن يخلّيك محتار هى مين فيهم لأنها متميزة فيهم بنفس الدرجة!.. إزاي كده؟.. “سيمون” أصولها من الصعيد وتحديداً محافظة “قنا”، وأسرتها أستقرت فى المنصورة، ووالدتها من الشرقية وهي نفسها عاشت طفولتها ومعظم عمرها ربنا يبارك فيه فى حي شبرا!.. بإجمالي اللفة دي هتفهم إن إحنا بنتكلم عن واحدة مصرية معجونة بـ تراب وطيبة أهل البلد دي من شرقها لغربها!.. مش من أصول أجنبية زي ما كان بيتقال عليها، ولا ليها جد من أوروبا ولا حاجة.. بالتالي كان هضمها لأى قالب أو شخصية تتحط فيهم مسألة وقت مش أكتر.
– فى مكالمة النهاردة الصبح بيني وبين الناقد الفني الكبير “طارق الشناوي” سألته عنها.. مقال النهاردة عن “سيمون” يا أ.”طارق”، إيه رأيك في مشوارها؟.. رد بسرعة بدون ما يكون عارف مسبقاً أنا هسأله عن إيه، ورغم كده كإنه كان مجهز الإجابة!.. قال: (فنانة عبقرية، و رغم كل إعجابنا بـ اللي هي قدمته، وإنبهارنا بيه وبصوتها وتمثيلها لكن برضه لم يتم إستغلال كل مواهبها بما يساوي حجمها).. قولتله بإعتراض: على فكرة هي بترفض أعمال كتير.. رد: (عشان ذكية، والفنان الذكي هو اللي بيرفض أكتر ما بيقبل).. سكت شوية، وكمل كلامه: (بس عايز أقول لك على حاجة يا “تامر”: الزمن مع “سيمون”).. سألته: يعني إيه؟.. رد: (يعني هي من نوعية الفنانين اللي الزمن بينصفهم).. سألته: (تلوم عليها فى إختفاءها النسبي عن الظهور؟).. رد: (لأ، ألوم على كسل المنتجين، أغلب المنتجين بيخافوا من المغامرة وبيكسلوا رغم إن “سيمون” شخص تنفع معاه المغامرة بنسبة 100%).. قولتله: (تخيل لما راجعت تاريخها الفني لقيت إنها معملتش غير 3 مسرحيات بس، ورغم كده أخدت فيهم جايزة أفضل ممثلة مسرح).. قال بإقتناع: (وكانت ساعتها كمان أول مرة تقف على مسرح!، ما أنا بقولك عبقرية!).
الإنبوكس..
الرسالة الأولي:
– أنا فلانة.. عندي 60 سنة.. الرسالة دي من أكاونت إفتراضي مش حسابي الأساسي وأعذرني عن ذكر إسمي الحقيقي.. أنا معرفش أصلاً إن كان يصح أقول اللي هقوله ولا لأ بس اللى أعرفه كويس إن محاسن الناس وصفاتهم الحلوة المفروض تتقال من وقت للتاني عشان غيرهم يشوفهم صح ومن كذا زاوية غير المعروفة عنهم.. يمكن يزيد الإمتنان ناحيتهم أكتر.. يمكن يحبوهم أكتر.. يمكن غيرهم يتشجع يعمل زيهم.. فى الزمن ده نسبة الناس الخيرة قل زي كل حاجة حلوة ما هي قلت بالتالي المفروض أى حد يعرف أى معلومة طيبة عن حد بحس إن تعريف غيره بالمعلومة دي أمانة ولازم توصل!.. بدون تفاصيل كتير أنا متطوعة فى جمعية خيرية محترمة وليها إسمها فى مصر.. خلال فترة شغلي فى الجمعية أو المؤسسة ودي سنين كتير على فكرة؛ شوفت أعمال خير كتير للفنانة “سيمون”.. فيه اللى شوفته بعيني والأكتر اللى سمعته بوداني.. جايز بالنسبالكم كمشاهدين “سيمون” غابت شوية عن الظهور بس بالنسبالنا إحنا كـ ناس بتشتغل فى العمل الخيري كانت الست دي دايماً حاضرة بجدعنة ولاد البلد، ومساعدة غيرها بالمجهود أو الدعم المعنوي والمادي بدون ما يتطلب منها، وبدون ما تكون مهتمة تعلنه أو تقوله.. أنا ماكنتش من متابعينها كـ فنانة خالص بس محبتي ليها كشخصية وإنسانة حببتني فيها كلها.. حقيقي ربنا يجازيها خير على كمية الناس اللي ساهمت فى الوقوف جنبهم، وكله فى سرية تامة.. عارفة إنها ممكن تتضايق إني إتكلمت عن الجزئية دي فى شخصيتها بس عزائي إني ماقولتش تفاصيل.
الرسالة الثانية:
– أنا “رينا”.. عندي 34 سنة.. متابعة ليك من سنة ونصف.. أنا مصرية عايشة فى إيطاليا، وحالياً فى الحجر الصحي فى واحدة من مستشفيات ميلان أنا وجوزي “رشيد” بسبب إصابتنا بـ كورونا.. حالتنا مش صعبة ولا متدهورة الحمدلله.. يمكن كانت كده فى الأول بس دلوقتي الأمور تحت السيطرة نسبياً، والمفروض إننا هنخرج كمان أقل من 10 أيام لو فضلت الدنيا كويسة.. دعواتكم لينا بالشفاء.. دخولي فى اللحظة دي على فيسبوك جه صدفة، وهضطر بعد ما أبعت الرسالة أقفل الأكاونت، والموبايل كله لإنه ممنوع هنا، وأتمني تشوفها، وأتمني أكتر لما أخرج من الحجر ألاقيك كاتبها.. اللى هحكيه مش عني أنا شخصياً لكن عن بابا وماما.. هحكي عنهم كإنهم مش بابا ولا ماما، وكواحدة شافت قصتهم من بره، وسمعت أغلب تفاصيلها منهم.. “عماد”، و”كريستين”.. الإتنين شباب اللي حبوا بعض سنتين قبل جوازهم فى سنة 1986.. “عماد” بيشتغل مهندس، و”كريستين” خريجة آداب قسم إنجليزي.. حدوتة شبه كل حواديت الحب بمعايير الزمن بتاعهم.. التعارف الهادي بين الأسرتين الجيران.. القبول والميل والمشاعر اللى إتحركت بين الطرفين.. الحب.. الخطوبة.. الجنان.. وحط تحت الكلمة الأخيرة دي مليون خط.. الحقيقة هما كانوا وقتها مجانين، وبيتخانقوا بسرعة وكتير بس برضه بيتصالحوا بسرعة!.. كل يوم تقريباً كان فيه خناقة، والأسباب كلها تافهة.. ماما كانت بتقول إن الخناق دليل الحب! بس أنا عمري ما فهمت النظرية دي، ولا إقتنعت بيها!..
فى يوم فرحهم فيه واحد صديق بابا إسمه “رمزي” شغل فى الفرح أغنية “تاكسي” اللى كانت بتغنيها البنت اللى طالعة جديد وقتها اللي إسمها “سيمون”، وكانت أغنيتها مكسرة الدنيا وتتر لبرنامج مشهور!.. حط الأغنية على شريط كاسيت وشغلها بصوت عالي فى جهاز كاسيت فى الفرح اللى كان فى شقة أهل ماما.. بابا بيحكيلي إن فى اللحظة دي الناس وقعت على نفسها من الضحك بسبب الأغنية اللى مش متناسبة تماماً مع جو فرح يعني، وبابا وقف ساعتها وراح مسك صاحبه من ياقة قميصه وقال له: (إنت عبيط يا “رمزي”!، إيه اللى إنت مشغله ده!).. فكان رد صاحبه بمنتهي التلقائية: (بحبها يا أخي!).. عدي الموقف، والليلة على خير، وبدأت حياتهم سوا، وبدأ معاهم حبهم لـ “سيمون”.. ماما بتحكيلي إنها مش عارفة تحدد إمتي بالظبط بدأوا يرتبطوا بيها بس هي شايفة إن الإرتباط بدأ فى أول زيارة ليها للسينما لما بابا عزمها على فيلم “يوم مر ويوم حلو”.. قالتلي: (بذمتك فيه حد يعزم عروسته اللى لسه متجوزين ماكملوش سنتين تلاتة على فيلم كئيب كده).. سألتها: (هو الفيلم كان وحش أوي؟).. ردت: (صعب ويجيب إكتئاب بس “سيمون” كانت قمر).. يعنيى إنتي الفيلم كان فيه “فاتن حمامة” واللي لفتت نظرك هي “سيمون”!.. طبعاً الفضول خلاّني أدخل أشوف الفيلم ده من كام سنة من كُتر ما كانوا بيتكلموا عنه، ولقيت إن فعلاً دور “سيمون” ورغم مساحته الصغيرة لكن كان لطيف ويتحفر فى الذاكرة..
بابا كانت وجهة نظره مختلفة شوية عشان هو شخصية فرفوشة عن ماما.. هو شايف إن أول تعلقهم بـ “سيمون” كان مع أغنية “بتكلم جد” اللى عملتها مع “حميد الشاعري”، وإنهم من كتر حبهم للدويتو ده كانوا بيقلدوا الحركات اللى هما بيعملوها فى البيت بتاعنا!.. هو يجرب يرمي نفسه على الكنبة زي “حميد” ما كان بيعمل فتتقطم!، وهي تروح للنجار مخصوص عشان يعمل لها سرير خشب دورين عشان تتشعبط فيهم زي “سيمون” فالخشب مايستحملش فياخدها وينزلها على المرتبة!.. مجانين بقول لك!.. زاد إرتباطهم بـ صوتها أكتر.. عمل ورا عمل وأغنية ورا أغنية كان الحب بيكبر، وبقت كإنها الرابع بتاع عيلتنا من صوتها اللي معانا دايماً!.. بابا يقول: (يالا إلبسي ولبسي “رينا” هنروح فيلم فى السينما لـ المطرب “عمرو دياب”).. ماما تتكاسل وترد عليه إن مش وقته وخلينا نأجلها.. يغمز بعينه: (ومعاه “سيمون”).. بدون ولا كلمة ترمي الغطا، وتغيرلي وتقوم تلبس عشان يلحقوا ميعاد حفلة السينما!.. بابا قال لى فى مرة: (الموضوع مش حب صوت أو تمثيل بس لكن تفاؤل!، إحنا بنتفاءل بيها).. دخلنا فى حتة تانية خالص بقي مع المسلسلات اللى بتمثل فيها وكان أول واحد تابعوه ليها مسلسل “حلم الجنوبي”، وقعدتهم بالساعات فى إنتظار المشهد اللى هتظهر فيهم “سمسمة” زي ما كانوا بيقولوا عليها!.. بالمناسبة إسمي “رينا” والل كانوا سموني بيه بالصدفة يبقي نفس إسم شخصية تمثلها “سيمون” بعد ميلادي بحوالي 10 سنين فى مسلسل “زيزينيا”، وطبعاً لك أن تتخيل مدي فرحتهم بالدور وبإسم الشخصية!.. لما بقي عندي حوالي 9 سنين بابا جاتله فرصة شغل فى اليونان.. سافر الأول 3 شهور لحد ما رتب أموره ورجع خدنى أنا وماما معاه..
مجتمع جديد، وغريب علينا طبعاً بس بدأنا نتأقلم.. كان بيخرج الصبح، ويرجع العصر نتغدا ونخرج نتمشي فى البلد.. وعشان قعدة البيت بتخلّى الناس تفقد أعصابها، حصلت خناقة إعتيادية فى يوم بين بابا وماما.. ماما اللى كانت غلطانة بإعترافها هي ليا بعد كده.. قعدوا فى كافتيريا يتصالحوا.. كلمة منه على كلمة منها كانت الدنيا ماشية فى طريق إن الميه ترجع لمجاريها زي ما بيقولوا.. بس إيه!.. لازم “كريستين” تدش كام كلمة كالعادة تفضي بيهم شحنة الغضب اللي جواها، و”عماد” لازم يسمع بصدر رحب.. كان بيستقبل كلامها على مضض، وبيهز راسه بـ إعتيادية اللي هو كإنه بيقول لها إخلصي بقي فجأة فنجل عينه وبص فى نقطة وراها.. “كريستين” أخدت بالها وبصت وراها مالقتش حاجة.. بصت له تاني.. قال لها: سامعة؟.. ماما دققت سمعها، وكان فيه صوت أغنية بس ماكانتش عارفة تميز.. بابا حسم الحيرة وقام فى إتجاه المكان اللى فيه التليفزيون فى الكافتيريا، وقال بصوت فيه لهفة: “سيمون”.. اللى حصل إن الكافتيريا اليوناني كانت مشغلة أغنية لـ “سيمون” باللغة اليوناني!..
ماما سابتني قاعدة وجريت ورا بابا، وقالت بفرحة، وهما قدام الشاشة: (يا نهار أبيض! إيه اللى جابها هنا!).. بابا قال: (فال خير أهو، عديها بقي يا “كريستين”).. ماما ردت: (ماقدرش أفتح بُوقي).. وإتصالحوا!.. الغريب إني عرفت بعد كده إن “سيمون” عملت الكليب ده باللغة اليونانية، وصورته فى 12 مكان فى مصر وبره مصر كترويج للسياحة والكليب ده أخد جايزة أفضل أغنية سياحية يونانية في جنيف سنة 1996!.. قعدنا سنتين تلاتة فى اليونان، وبعد كده جه لـ بابا عقد عمل كبير ومهم فى إيطاليا.. سافرنا بس قالوا نعدى على القاهرة الأول عشان نسلم على الأهل، وكده.. كان وقتها بدأ الإستعداد لعرض موسم المسرح للجميع اللى عمله “محمد صبحي” وشاركت معاه فى كل مسرحياته “سيمون”.. طبعاً فرصة زي دى مش هتفوت على “عماد”، و”كريستين”!.. حضروا كل مسرحية من التلاتة 3 مرات!.. يعني إجمالي 9 عروض.. ولما سألتهم كان رد ماما: (بنشبع من مصر، ومنها).. كنت بغير بصراحة!.. ليه بيحبوها ده كله يعني!.. ما فيه عشروميت ألف فنانة وفنان.. أسأل بابا يرد: (سيمون!، تعرفي إيه إنتي عشان تتكلمي!).. ماشي يا سيدي.. أسأل ماما: (إيه يا “كوكي” حكاية “سيمون” معاكم؟).. ترد: (متسأليش عن سبب حب الناس لحد! دي بتاعت ربنا).. ماشي يا ستي..
سافرنا إيطاليا واستقرينا هناك.. يدخل فى مرة بابا البيت وهو ملهوف، ويقول لـ ماما: (إلحقي ده “محمد صبحي” عامل مسلسل جديد هيتعرض فى رمضان).. تسأله: (إسمه إيه؟).. يرد: (“فارس بلا جواد” بس سيبك من إسمه عارفة مين معاه؟).. ماما تفكر لحظة، وتقول: (لأ! ماتقولش!).. ينطقوها فى نفس واحد هما الإتنين: (“سيمون”).. بابا يظبط مواعيد شغله، ويعكسها بالإتفاق مع الإدارة على غير مواعيد عرض المسلسل عشان يقعد يتفرج مع ماما!.. مع الوقت بدأت أنا كمان أحبها.. هي بصراحة تتحب، وأنا بثق فى نظرة بابا وماما لكل الناس والحاجات فكان لازم أحبها.. بس للأسف مع بداية تعلقي أنا بيها كانت بدأت تختفي عن الظهور شوية.. بس كنت برجع أشوف القديم بتاعها على اليوتيوب، وندمت على الوقت اللى عدي بدون ما أحب الست دي.. إنبسطت لما رجعت تمثل تاني فى 2015، وعجبني دورها فى “بين السرايات”.. بابا وماما إنبسطوا أكتر مني.. آسفة إني هقول كده بس “عماد”، و”كريستين” ربنا اختارهم عنده فى سبتمبر 2018 فى حادثة عربية فى ميلان.. لحد وفاتهم كانت من أسوأ لحظات حياتي وإتكسرت بعدهم.. فى الكاسيت بتاع عربيتهم موجود كل أغاني سيمون وألبوماتها، وكانوا بيسمعوها لحد قبل ما يمشوا.. “سيمون” كانت شريكة فى قصة بابا وماما بصوتها وأدوارها، وبقت شريكة معايا أنا كمان.. بتمني تعرف قد إيه إن كان فيه إتنين بيحبوها وبيعشقوها، وورثوا محبتها لـ بنتهم، وبنتهم هتورثها لـ بنتها اللي عندها حالياً 3 سنين، واللي سميتها “سيمون”.