رويترز: توقعات بتراجع “مناعة الجنيه” في مواجهة كورونا بسبب الديون والسياحة والتحويلات
حقق الجنيه المصري ارتفاعا نادرا بين عملات الأسواق الناشئة المتضررة من تداعيات فيروس كورونا، لكن الضغط يتزايد عليه للتراجع.
ويقول اقتصاديون ومصرفيون – بحسب وكالة رويترز- إن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، والتي هي بالفعل عند أدنى مستوياتها في أكثر من عامين، ستتعرض لمزيد من الضغط بسبب هبوط متوقع في التحويلات من المصريين العاملين في دول الخليج الغنية بالنفط، وسداد ديون، وانهيار في إيرادات السياحة، وتراجع في أسعار الغاز العالمية.
وقال محللون إن البنك المركزي المصري، شأنه شأن السلطات النقدية في الاقتصادات الناشئة الأخرى، أبقى على ثبات الجنيه في الأسابيع الأخيرة باستخدام بعض احتياطياته من النقد الأجنبي، إذ تدفع جائحة فيروس كورونا المستثمرين للتخلص من الأصول عالية المخاطر.
وبحسب الوكالة فإن اقتصاديين اتفقوا علي أن اتفاق تمويل محتملا مع صندوق النقد الدولي قد يزيد الضغط على الجنيه في الأجل المتوسط.
والنظرة العامة لصندوق النقد الدولي هي أن من الأفضل تحديد قيمة العملات من خلال الأسواق، على الرغم من أن كريستالينا جورجيفا المديرة الجديدة للصندوق، تقول في الآونة الأخيرة إن أسعار الصرف المرنة ربما لا تكون دائما ممتصة الصدمات الأكثر ملاءمة للاقتصادات النامية التي تتعرض لضغط.
وقال فاروق سوسة الاقتصادي المعني بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى جولدمان ساكس “تنامت مخاطر بعض التعديل في الأجل القريب”، مضيفا أنه يتوقع أن تركز مصر على الإبقاء على ثبات الجنيه في الوقت الحالي.
صندوق النقد الدولي يكشف موقفه من طلب مصر مساعدة مالية لمواجهة كورونا (بيان)
قرض صندوق النقد
وأضاف قائلا “نسمع مخاوف من أن برنامج صندوق النقد الدولي الجديد ربما يتطلب مرونة أكثر للجنيه في الأجل المتوسط أيضا، لكن الأدلة تشير إلى أن استقرار الجنيه وبرنامج من صندوق النقد الدولي لا يتعارضان مع بعضهما البعض”.
وامتنع صندوق النقد الدولي عن التعقيب، مشيرا إلى بيان يوم الأحد يؤكد طلبا من مصر ويشيد بالسلطات عن الإجراءات التي اتخذتها لمواجهة تداعيات كوفيد-19.
وقال بيان لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأحد الماضي، إن مصر ستسعى إلى مساعدة من صندوق النقد الدولي لمواصلة دعم البلاد في ظروف استثنائية.
وارتفع الجنيه المصري نحو 2% مقابل الدولار هذا العام، وهو إحدى العملات القليلة للدول النامية التي حققت مكاسب.
وتشير تقديرات محللين ببنك أوف أمريكا إلى أن الجنيه المصري يزيد عن قيمته الفعلية مقابل الدولار بنحو 15%. وتتحرك العملة داخل نطاق ضيق جدا منذ منتصف مارس.
وقالت فينيكس كالين من سوسيتيه جنرال “التدخل المكثف أتاح لسعر الصرف تحركا شبيها بربط العملة مع استقراره بشكل أساسي عند 15.75 جنيه مقابل الدولار”.
ومن ناحية أخرى، تضررت احتياطات مصر من النقد الاجنبي مع هبوطها 10% إلى 40 مليار دولار في مارس وفقا لبيانات رسمية، وهو معدل انخفاض يقول اقتصاديون إن البلاد لا تتحمل أن يستمر.
الحكومة تكشف التفاصيل الكاملة لطلب مصر حزمة مالية من صندوق النقد الدولي لمواجهة كورونا
ومن بين الأسواق الناشئة، فإن تركيا فقط هي التي سجلت تراجعا لأكبر احتياطيات النقد الأجنبي من حيث النسبة المئوية في مارس وفقا لبيانات معهد التمويل الدولي.
وقال كالي دافيز الاقتصادي في ان.كيه.سي أفريكان ايكونوميكس “إستراتيجية السحب من الاحتياطيات لإدارة العملة لا يمكن أن تستمر.. ستقود إلى المغالاة في قيمة الجنيه.. وهو ما يشير لانخفاض في القيمة في الأجل المتوسط”.
وكان البنك المركزي قال إنه سحب من الاحتياطيات الأجنبية ليغطي جزئيا خروج محافظ استثمار أجنبية ولتلبية احتياجات السوق المحلية من العملة الصعبة لاستيراد سلع استراتيجية فضلا عن سداد التزامات خدمة الدين الخارجي.
خفض قيمة العملة
ويسلط انكماش مخزون مصر من النقد الأجنبي الضوء على مأزق البنك المركزي إذ يسعى لإعطاء أولوية لاستقرار الأسعار ومستويات المعيشة بينما يواجه نموا متباطئا. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد سينمو 2% فقط في 2020، وهو انخفاض حاد من 5.6% العام الماضي.
وساهم نزوح تدفقات المستثمرين في الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي. وبحسب بيانات وزارة المالية والبنك المركزي، نزح من مصر ما لا يقل عن عشرة مليارات دولار في مارس.
وفي المرة السابقة التي توصلت فيها القاهرة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في 2016، وافقت على السماح بتعويم الجنيه، مما تسبب في انخفاض قيمته بنسبة 50%. وفي المقابل، تلقت الحكومة قرضا بقيمة 12 مليار دولار.
وخلال الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في 2011، أنفق البنك المركزي الكثير من احتياطياته من النقد الأجنبي لدعم الجنيه، لتهبط إلى مستوى منخفض عند 13.42 مليار دولار في 2013.
محافظ البنك المركزي: الاحتياطات الدولية تستطيع تحمل صدمات الأزمة الحالية لمدة سنة أو سنتين
ومالية مصر في وضع أفضل كثيرا منها في 2011. وقلص اتفاق صندوق النقد الدولي دعم الطاقة وشمل تطبيق ضريبة للقيمة المضافة للمساعدة في خفض العجز، وهو ما قوبل بإشادة من المستثمرين.
وقال مدبولي يوم الأحد “الاقتصاد المصري نجح في الصمود بفضل الإجراءات التي اتخذتها الدولة خلال السنوات الأربع الماضية، وهو الأمر الذي يظهر جليا في توافر السلع، وعدم اهتزاز أسواق النقد”.
لكن شأنها شأن أسواق ناشئة أخرى، تعرضت سندات مصر لضغوط في الأسابيع القليلة الماضية. وصعدت تكلفة التأمين على ديونها السيادية ضد مخاطر التعثر إلى ما يزيد كثيرا على 600 نقطة أساس،
أقساط الديون السيادية
وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2013، بحسب بيانات آي.إتش.إس ماركت. ووفقا لحسابات جيه.بي مورجان، يتعين على مصر أيضا سداد سندات دولية بقيمة مليار دولار يحين موعد استحقاقها في 29 أبريل، وكذلك مدفوعات فوائد بقيمة 1.824 مليار دولار على ديونها بالعملة الصعبة في 2020.
وفي الوقت الذي يجري فيه تداول عوائد السندات الدولارية عند حوالي 8% في أعقاب تراجع السوق في الآونة الأخيرة، فإن طرق أسواق رأس المال الدولية يبدو باهظ التكلفة بالنسبة لمصر شأنها شأن الكثير من الأسواق الناشئة الأخرى.
وقال جيسون توفي، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس “إذا حاول صنًاع السياسة دعم الجنيه لفترة طويلة، فإن هذا يهدد بتكرار المشكلات التي أدت في 2016 إلى هبوط بنسبة 50% للعملة”، متوقعا أن ينخفض الجنيه 7.5% هذا العام.
وأضاف قائلا “اللجوء إلى صندوق النقد الدولي يعني أن السلطات سترخي على الأرجح قبضتها على الجنيه عاجلا وليس آجلا”.