محمود زيدان يكتب: الخال الأبنودى.. والأيام الحلوة
مرت منذ أيام الذكرى السنوية الخامسة على وفاة الشاعر الكبير الخال عبدالرحمن الأبنودى.. والتى توافق ٢١ أبريل من كل عام .. علاقتى بالخال بدأت قبل سنوات مضت حينما تفتحت عيناى على التلفاز.. ورأيته فى البرامج والسهرات والامسيات الشعرية.. كما سمعته فى الراديو حكاءا كبيرا عن السيرة الهلالية.. وكان كل من يتحدث عنه يتفاخر به وكأنه من اقرب الأقارب فى الصعيد .. حيث التاريخ المهمش منذ سنوات رغم أن الجنوب مهد الحضارة ومركز الحكم فى العالم القديم.
لم ير الناس أنفسهم سوى فى كلمات الخال الخالدة.. كتاباته الجميلة عن حياتهم.. الأرض والعيال.. جوابات حراجى القط.. العمة يامنه.. مئات ومئات القصائد والمقالات والقصص والأغانى التى تحكى عن تراث من ذهب.. أخرجه الخال من مناجمه وشكله فى أبهى صور الحلى.. وقدمه للدنيا كى يكتشف العالم ما الذى يحدث فى الجنوب.. لا أجد أحدا عبر عن أحزان الناس وآلامهم وأفراحهم مثلما فعل الخال.. نحت قصائد أسطورية فى الشعر العامى.. جعل أصحاب الفصحى يقدسون كلماته رغم العداء الكبير.
مهما قلت عن الخال فلن أتمكن من وصف تلك العبقرية الفذة التى دفعتنى إلى تحمل مشقة السفر من قريتى كل يوم جمعة لشراء جريدة الأهرام من مدينة قنا.. وذلك بسبب سحر كلمات الخال فى مقاله الاسبوعى.. أيامى الحلوة.. كنت أطير فرحا وانا أقرأ.. حااااح ورررر.. والبلابيصا.. وبيض الحبل.. وكل ما كتب عن القرية وأهلها.. كان الخال يحكى عن أحوالنا وكنت أقرأ على من حولى فى الغيطان حكايات الخال فى الأهرام.. وكانوا ينصتون جميعا بلهفة.
وفى مرة تحدثت عن الخال امام زوجة عمى فقالت : كل يوم بسمعه مع الشيخ جابر ابوحسين يقصون السيرة الهلالية فى الراديو .. وعرفت منها أن هناك عالما آخر للخال .. عالم الأساطير والحروب والصراعات والحب فى سيرة ابوزيد الهلالى سلامة..
وعندما أتيت من قنا إلى العاصمة كنت أتمنى مقابلة الخال لكن الحظ لم يحالفني بلقاء الرجل الذى أغوانى منذ سنوات وسحرنى بكلماته وحكاياته.. ولأول مرة تحدثت معه هاتفيا من خلال التليفون الارضي بالأهرام خلال أحداث ثورة يناير وكان منشرحا بما يحدث وعندما اخبرته أننى بلدياته من قنا ضحك وقال: “البنت اختى فى البلد بتبكى على مبارك.. تخيل”.. وأنا كنت أتخيل لان أبى وأمى وأغلب اهل الصعيد بل وقطاع عريض من المصريين تأثروا بالخطاب الشهير لمبارك قبل التنحى.. حينها تواعدت مع الخال على لقاء تحت أشجار المانجو بالإسماعيلية وكان حينها قد حدد الأطباء إقامته حفاظا على حياته بعد إصابته بوعكة وآلام وقصور فى الجهاز التنفسى.. ومرت الأيام ورحل الخال وتأجل اللقاء الجسدى.. وبقيت الأرواح تتلاقى .. اسمعه كلما ضاقت الأنفاس وتقطعت السبل.
أعيد مشاهدة لقاءاته وامسياته وسيرته على اليوتيوب.. يسحرنى بكلماته ويغمرنى بالسعادة.. أشعار الخال مفعمه بالوطنية.. له رومانسية مهذبة وعميقة.. وبعد مرور ٥ سنوات على رحيل جسد الخال اتمنى ان تحقق الدولة أمنيته بوضع أجزاء من أعماله العظيمة ضمن مناهج التعليم فى المدارس والجامعات وأظن أن هذا اقل ما نقدمه للرجل بعدما افنى عمره فى حب الوطن والتعبير عن آماله ومواجهة أعداءه.