هنا الحميات.. رحلة أسرة مصرية لإجراء تحليل فيروس كورونا المستجد (معايشة)
تدق الشمس باب منزل السيد أحمد إسماعيل يوميًا في السابعة صباحًا، تصحو معها حكمت التي اعتادات أن تغطي جبين ابنها الوحيد بقبلة تساعده على الاستيقاظ مستبشرًا للعالم الذي سيواجهه طوال اليوم، تدندن مع الراديو الذي تنطلق فيه إذاعة صوت الأغاني بصوت أم كلثوم تشدو “واحب تاني ليه.. وأعمل بحبك ايه”، إفطار سريع وتجهيز لشنطتها لتغادر بعد أقل من 45 دقيقة تكون اطمأنت فيها على أن اليوم سيمر اعتياديًا على أسرتها.
حكمت فنية تحاليل بمستشفى حميات امبابة
أكثر من 15 عامًا تتكرر الأيام على حكمت باستثناء ذلك اليوم، حينها وصلت لمستشفى حميات إمبابة لتعرف أن زميلها في نفس المعمل أصيب بفيروس كورونا المستجد، تعرف حكمت أن عملها كفنية تحاليل يجعلها أكثر عرضة مع اختيار مستشفيات حميات إمبابة كمستشفى فرز لحالات الاشتباه بفيروس كورونا المستجد، لكنها لم تتوقع أن تكون التالية في عداد الإصابات.
تقول: “يومها لم ارتدي ردائي الأزرق لأول مرة منذ سنوات، عدت للمنزل وأغلقت عليا بابي فلم ترى الشمس عيني، ولم أتمكن من أن أطبع القبلة على جبين ابني الوحيد مرة ثانية، أجريت التحليل مرة ثم آخرى بعد 7 أيام، وظللت لمدة 14 يومًا لا يمكنني أن اشعر بدفء ابني وأسرتي في حضني، ومع حالة من الخوف الشديد ظهرت سلبية التحاليل من فيروس كورونا، حينها عادت القبلة للجبين”.
حكمت فنية تحاليل بمستشفى حميات امبابة
على أبواب مستشفى حميات إمبابة، تسأل أسرة “إبراهيم حسين” عن كشف المشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا المستجد، لافتة زرقاء مكتوب عليها بخط أبيض “الاستقبال”، تبدأ من خلالها رحلة الأسرة للوصول لليقين، على يمين اللافتة مكتب الدكتورة أماني السيد، مدير الاستقبال والطوارئ بمستشفى حميات إمبابة.
تقول أماني لـ”القاهرة 24” إن قوة الاستقبال 48 طبيب و17 ممرض، يتعاملون مع حوالي 400 إلى 500 مشتبه يوميًا، يدخل المريض على طبيب الاستقبال بعد عمل تحليل الكشف الحراري السريع، وفي حال ارتفاع درجة الحرارة يذهب للاستشاري للتعرف على ما إذا كان مخالطًا لحالة مصابة بفيروس كورونا المستجد من عدمه، أو يعاني من أعراض تنفسية يتم ذلك عبر مدخل خاص لحماية الجميع في حال كان المشتبه مصاب بالفيروس بالفعل، وتحجيم انتقال العدوى لأخرين.
استشاري الأمراض المعدية بحميات امبابة
تنتقل أسرة “إبراهيم حسين” إلى الاستشاري، الدكتورة عفاف، والتي تجلس على مقعد يفصلها عن العالم باب حديدي ترى من خلفه القادمين من الخارج. تخدم عفاف في مستشفى الحميات منذ أكثر من 20 عامًا، رحلتها الممتدة مع فيروس كورونا بدأت باختيارها ضمن الفريق الطبي الأول بمستشفى النجيلة، ثم انتقلت لمستشفى اسنا، وعادت مرة آخرى لموطنها بعد قرار الصحة تحويل مستشفيات الحميات لاستقبال حالات مصابة بفيروس كورونا المستجد.
على بعد متر تتحدث مع الأم التي تباعد بين أطفالها الثلاث، تروي لها أعراض الاشتباه: “كنت مخالطة لـ3 كلهم حضرتك مصابين بكورونا، وليا كام يوم عندي ضيق تنفس “تضع يدها على صدرها”، وتشير لابنها الأوسط: “والواد دا كمان بيتنفس بالعافية ودايما بيكح”، تعاينهم عفاف بخبرتها الكبيرة كاستشارية وتنظر للورق أمامها وتحولهم لمركز الأشعة والتحاليل أو ما يعرف في ظل أزمة كورونا في الحميات “غرفة الفرز”.
استشاري الأمراض المعدية بحميات امبابة
تفخر عفاف حسب حديثها لـ”القاهرة 24″ بأنها واجهت العديد من الأمراض المعدية، حصلت على شهادة من الأمم المتحدة بكونها محاربة لمنع انتشار فيروس نقص المناعة المكتسبة HIV (الإيدز)، ومع ذلك يبقى نجاحها كأم لـ5 بنات مصدر فخرها الأولى، لتعدهم على أصابعها وهي تشير للأولى المتفوقة في كلية الصيدلة، وشقيقاتها الاوائل في مراحلهم التعليمية المختلفة.
استشاري الأمراض المعدية بحميات امبابة
لا تتوقف الدكتورة أماني ومعها الاستشاري مساعدها محمد عبد الباسط عن المرور على الأقسام، ينظرا ببطء عند غرفة الكشف الحراري على المرضى، يتسامران تارة مع الدكتورة عفاف حول عد المشتبه بإصابتهم وتطبيق إجراءات الوقاية التي لا تنقص من المستشفى الأعرق في محافظة الجيزة، وتشير مديرة الاستقبال إلى أن هناك 3 آلاف مواطنين يوميا مصابين بكافة الأمراض يمرون على حميات إمبابة ويتلقون فيها الرعاية الصحية، أغلبهم من أصحاب الأمراض المزمنة.
لكن ذلك لا يمنعها من الاطمئنان على طاقمها الطبي خاصة وأن المستشفى سجلت إصابات بالفعل في أصحاب الرداء الأبيض، ومن ثم يخضع الجميع للبروتكول المخصص لوزارة الصحة، ممر خاص للمشتبه، وعمل PCR لمن تظهر عليهم أعراض من الطاقم الطبي للتأكد من موقفهم الصحي.
الدكتورة أماني السيد رئيس الاستقبال بحميات إمبابة
المرور على الأطقم الطبية
تتمم أخيرًا على أسرة “إبراهيم حسين”، قبل أن يمروا على ممر ضيق طويل آخره معمل التحاليل الخاص بالمستشفى والذي يقع في المبنى المجاور، يقف أمامه كل شخص ومعه قرينه يحملان ورقة تؤكد على موقفهم من كونهما مشتبه بإصابتهم بكورونا، تنظر إليهم “حكمت” فنية التحاليل من خلف الباب وتطالبهم بالالتزام وتطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي، فيما تأمر الأسرة بالدخول تواليا وليس على مرة واحدة.
غرفة الفرز بمستشفى حميات امبابة
يجلس “زياد” الأبن الأصغر للعائلة تحت يد حكمت، يمكسه أخوه الأكبر نظرًا لصراخه الشديد خوفًا من “الحقنة”، “تطبطب” عليه حكمت بحب ليهدأ قبل أن يطلق تنهيدة أخيرة تنتهي معها مهمتها، لتخبر الأم الرابضة لجوارها بموعد ظهوره، “في حالة كانت العينة إيجابية مع ظهور اعراض تنفسية تكمن المشكلة وتتضح الصورة بشكل كبير غالبًا ما يكون إيجابي الإصابة بفيروس كورونا، لكن مع ذلك نستكمل رحلة المشتبه”.
سحب عينات كورونا
بين أروقة الأجهزة تعيش حكمت وغيرها من فنيي معامل التحاليل، تأخذ المسحات ترتدي أكثر من رداء، وعلى وجهها كمامة N95، إلى جانب المستحدث حديثا مع أزمة كورونا “face sheld”، عزلها في منزلها، إصابة زميلها، الأطفال الذين يصرخون بين يديها، كلها أمور لم تثنيها عن عملها اليومي، الاعتقاد من جيرانها أنها مصابة ومقاطعتها، كل ذلك لم يمنعها من استئناف عملها في سحب العينات وإعلان التحاليل.
سحب عينات تحليل كورونا
تنتهي من الأسرة بأفرادها الخمسة، ويحولون لغرفة عزل لحين ظهور النتيجة، فيما يبقى الجزء المتبقي من الرحلة في يد إدارة المستشفى، وهنا يظهر الدكتور ماهر الجارحي نائب مدير المستشفى الذي يعمل فيها من ثمانينيات القرن الماضي، والذي يشير إلى أن الحميات تقوم بتحويل الشخص في حال إيجابية تحليله لمستشفى العزل، نستقبلا المرضى على مدار الـ24 ساعة، فيما إذا ظهرت النتيجة سلبية يحصل على أدوية ويتم التأكيد على العزل المنزلي وتحقيق التباعد الاجتماعي.
أسرة تجري تحليل فيروس كورونا
ويضيف لـ”القاهرة 24″ أن الحميات تستقبل كافة مصابي الأمراض المزمنة وشهدت نهضة كبرة تحت إدارة الدكتور محمد صلاح مدير إدارة المستشفيات التعليمية، حيث تم إضافة 10 أسرة رعاية، و14 جهاز تنفس صناعي إلى جانب الموجود بالفعل، ما سهل العمل بشكل كبير، مشيرا إلى أن المستشفى تبدا في عملها كمستشفى عزل بداية من شهر مايو.
الدكتور ماهر الجارجي نائب مدير مستشفى حميات إمبابة
وأكد أن حميات إمبابة لطالما كانت حصن منيع ضد الأمراض المعدية، فمثلما تواجه فيروس كورونا، نجحت في مداوة مرضى انفلونزا الخنازير والطيور والسارس، والإيدز، وغيرها من الأمراض المعدية التي تخطتها مصر بفضل الإدارة الرشيدة.
معمل تحاليل حميات إمبابة