رمضان الذي كان
قبل أن تقرأ هذا المقال
أغمض عينيك و اعتزل ما أنت فيه الآن و أترك نفسك تسبح مع هذا المقال الذي يجعلك تعود بالزمان للوراء لتتذكر ليس فقط أيام جميلة مرت بك بل تتذكر زمن جميل عشت فيه مع ناس شاركوا معك هذه الأيام قد يكونوا الآن بجوارك أو قد يكون كل منكم ذهب بعيداً عن الآخر، أو قد تكون لم تعش أجواء هذا المقال ولكن بالتأكيد سمعت عنه أو رأيت أطلاله الموجودة بيننا في كل مكان، ثم بعد ما تقرأ هذا المقال ترحم علي هذا الزمن و أهله.
ذكريات لا تنسي ولا يستطيع أحد أن يمحوها من الذاكرة فقد تكون أجمل ذكريات العمر و أنقاها
تأتي ذورة هذه الذكريات الجميلة من أواخر شهر شعبان مع كل جيران الشارع الكل يقوم بتزيين الشارع بشراشيب رمضان المميزة و فانوس كبير في وسط هذه الشراشيب و أسلاك النور الملونه التي تملأ جوانب الشارع الكل يشارك بحب و حماس في تزيين الشارع ولو بأقل مجهود فهي فرحة لا توصف كل البيوت و الأحياء سواء كانت شعبية أو لا، وتزدحم الأسواق بشراء مستلزمات رمضان المميزة قمر الدين و المكسرات و القطايف و الكنافة البيتي قبل أن تنال منها يد العصر و تجعلها شكلاً بل روح.
إلي أن نستمع إلي إستطلاع هلال شهر رمضان من فضيلة المفتي و فور سماعنا أن غداً أول أيام شهر رمضان المبارك يهلل الجميع و يهنىء الكل الكل و تجلل أغنية رمضان جانا في سماء المدينة و فرحة لا توصف بإستقبال أول أيام الشهر الكريم وأول صلاة تروايح و أول سحور، وكنا نرتدي في أول صلاة تراويح أفضل و أجدد الثياب كما لو كنا نذهب لصلاة العيد ونظل نصلي الثلاثين يوماً بإنتظام مستمتعين بأجواء المساجد الرمضانية و الدروس الدينية التي تكثر في يوم رمضان و تلاوة القرآن الكريم ونتسابق علي ختم المصحف الشريف مرة أو مرتين أو ثلاثة خلال الشهر الكريم حتي أجواء المساجد في رمضان كانت مختلفة تماماً.
وحتي الشوارع في رمضان نراها مختلفة فهي الزينة المعلقة على كل البيوت و تجد من يوقفك ويعطيك التمر و القطايف والكنافة البيتي أو يشربك قمر الدين أو تمر هندي طوال فترة ما بعد الإفطار و حتي مطلع الفجر، كيف ننسي بل كيف نستطيع أن ننسي أحاديث الشيخ الشعراوي و قرآن و آذان المغرب بصوت الشيخ محمد رفعت و إبتهالات النقشبندي و نصر الدين طوبار.
ولمة العيلة التي لا نراها طوال العام إلا في رمضان و عزومات الأهل والأصدقاء و الجيران و تبادل الأطعمة و الحلويات من بيت لبيت و الأطباق التي لا تخرج من البيوت خاوية ولا تعود إلى البيوت إلا وهي ممتلئة، واجتماع العائلة علي التليفزيون المصري قناة أولي و ثانية قبل غزو الفضائيات و السيوسشال ميديا و الإعلانات التي أفقدت مذاق و رونق هذه العادة الرمضانيه الساحرة.
تأتي الفوازير و ما أدراك ما الفوازير سنوات عديدة نقضيها مع نيللي و حضورها الطاغي لدرجة أنها أصبحت أحد أهم أيقونات رمضان و سنوات مع سمير غانم و فطوطة و سنوات جميلة أيضاً مع الجميلة شيريهان و حكايات ألف ليلة وليلة عروسة البحور مرة و ورد شان مرة أخرى و أخيراً فاطيما و حليمة و كريمة لدرجة أننا لازلنا نستمتع بها كل ما عرضت من آن لآخر نتذكر فيها أجمل الأيام.
والمسلسلات الرمضانيه الخالدة التي مازالت في الأذهان، بابا عبده و الفتي الطائر هو و هي وألف ليلة وليلة و الشهد والدموع ليالي الحلميه و رأفت الهجان و ضمير أبلة حكمت و المال و البنون وعبد الغفور البرعي و الحاج متولي و أم كلثوم ….. عشرات المسلسلات التليفزيونية الرمضانيه التي لا تنسي بداية من تتر المسلسل المحفور في الذاكرة لأبطال المسلسل و أحداثه ولمة العائلة عليه.
وكان بالكثير أربع مسلسلات علي قناتي التليفزيون المصري الأولي و الثانيه بدون زخم مسلسلاتي يصل لعشرين او ثلاثين مسلسل و فواصل إعلانية أطول من مدة المسلسل تتحكم هذه الفواصل في المسلسل و النجوم و الموضوع، كانت الشوارع تكاد تكون خاوية عند وقت إذاعة المسلسل الرمضاني فلهذا كان و مازال خالدا و محفورا في الذاكرة مع نجوم مسلسلات رمضان المخرج محمد فاضل و المخرج يحيي العلمي و المخرج إسماعيل عبد الحافظ والكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الذي يعد أهم من صنع دراما رمضان الخالدة.
والنجوم نور الشريف و عادل إمام و محمود ياسين و محمود عبد العزيز و يحيي الفخراني و فردوس عبد الحميد و سناء جميل و عفاف شعيب ويوسف شعبان و صلاح السعدني و ممدوح عبد العليم و ليلي علوي و آثار الحكيم و الهام شاهين وغيرهم الكثير بل يكاد يكون شهر رمضان فاتحة خير علي معظم نجوم مصر و الكثير كل هؤلاء ساهموا بشكل إيجابي في دراما رمضان الحقيقية التي كانت تزخر بالمعاني الراقية بعبدا عن الصخب الذي يملأ شاشات الفضائيات الآن بلا أدني معني أو مستوي فني أو ثقافي أو أخلاقي.
واجتمعنا علي أعمال الاطفال التي كان يشاهدها الكبار قبل الصغار مثل بوجي و طمطم وفوازير عمو فؤاد مع العملاق فؤاد المهندس وفوازير جدو عبده مع العملاق الكبير الأستاذ عبد المنعم مدبولي وأخيراً مسلسلي سلاحف النينجا و بكار الذي علق في أذهاننا بصوت غناء التتر الرائع لمحمد منير.
ومن ينسي برامج المقالب و المسابقات و البرامج الممتعة الرمضانية يا تليفزيون يا مع رمسيس الجائزة الكبرى و دوري النجوم مع طارق حبيب بدون كلام مع حسن مصطفى الكاميرا الخفية مع إبراهيم نصر ثم ابتكاره لشخصية زكية زكريا وبرنامج الحقونا ثم اديني عقلك وذلك بدون استظراف أو ابتذال أو استخفاف و استهانه بالمشاهد أو الناس
و المسلسل الديني الذي ارتبط بشهر رمضان والذي اختفي تمامًا الآن فكلنا كنا نستتمع لمسلسلات دينية مثل محمد رسول الله و مسلسل لا إله إلا الله بأجزائهما الخمسة فكانت مسلسلات بها من الثقافة و الفن و الفكر و التنوير و الدين ثم مسلسلات عمر بن عبد العزيز و أبو حنيفة النعمان و الشيخ الشعراوي وكل هذه المسلسلات ساهمت في تنوير البصر و البصيرة للدين الإسلامي الحنيف دون افراط أو تفريط.
حتي فيلم السهرة في رمضان كان مختلف فكانت هناك أفلام تليفزيونية منتقاه تنتج خصيصًا لهذا الشهر الكريم وفيها من المتعة و الفن وتعرض فيه مثل أفلام الوزير جاي و فوزية البرجوازية و محاكمة علي بابا و أنا لا أكذب ولا لكني اتجمل وغيرها الكثير من هذه الأفلام التي امتعت الجميع و أختفت كغيرها من كل الأعمال الجميلة في رمضان
حتي المسحراتي لم يكن ينساه التليفزيون المصري فقدمه بشكل بسيط تلقائي علي يد الشيخ سيد مكاوي في تابلوه فني رمضاني لا ننساه حتي اليوم وكنا ننتظره كما ننتظر أهم الأعمال الفنية وإرتبط بنا بصوت الشيخ سيد مكاوي مع رنة طبلة المسحراتي.
وكان ختام اليوم التلفزيوني الرمضاني نقل شعائر صلاة الفجر من المسجد الحسين ونفحات الحسين المطلة من التلفزيون لكل بيوت مصر.
كيف ننسي كل هذا الجمال و الرقي الذي نشأنا عليه و عشنا معه و عاش فينا خاصة أننا نعيش الآن أجواء رمضان مختلف تماماً عن ذي قبل سواء في الحياة اليومية أو الشارع المصري أو الفن المصري، حتي أجواء الشارع المصري كانت لها رونق و مذاق خاص افتقدناه إلي حد كبير، فلم يعد لرمضان مذاق ولا رونق ولا طعم و حلاوة زمان.
ولم يكن شهر رمضان فقط هو الذي يحمل تلك الذكريات الجميلة بل كان هذا الزمن بكل ما فيه من أيام و شهور و سنوات ولكن شهر رمضان كان تاج هذه الأيام و الذكريات الجميلة.
رحم هذا الزمن الجميل و رحم كل من ساهم و شارك فيه ولو بلفتة جميلة أو كلمة طيبة و أعاننا الله علي ما نحن فيه الآن.