الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قدمٌ تُبتر وعزيمةٌ تفيض.. القابضون على الجمرِ

القاهرة 24
كايرو لايت
الثلاثاء 16/أكتوبر/2018 - 06:00 م

هُناك فوق أمواج الرمال الحارقة، وفي مواجهة لهيب الشمس نهارًا وبرودة الصحراء ليلًا، يقف رجالٌ عاهدوا الله ألا يبرحوا أماكنهم إلا وهم منتصرون، روضوا الموت فأتاهم مجيدًا، ووهبوا أرواحهم وأبدانهم لأوطانهم، فخلدتهم الأمة في صفحات العزة والمجد.

ثعابين الإرهاب تسير متخفية تلتمس بخ سمومها في أبدان رجالٍ أشداء، وأقدام الأشداء تلتمس سحق رأس الحية، وشمال سيناء عروسٌ اعتادت أن يكون مهرها دماء الأبطال، فطالما زُهقت أرواح لأجل الحفاظ عليها، وكثير ما قبلت تضحيات هائلة من أجل رمالها، ودائمًا ما تكون مطمعًا للغزاة وموضع قدم للمتطرفين.

من بين مئات القصص للمهر الذي قُدم لسيناء العروس، كانت قصة الملازم أول أحمد عبد اللطيف، ضابط الصاعقة المصري، الذي فقد إحدى قدميه في عملية إرهابية برفح في فبراير 2016.

شابٌ وبطلٌ رياضيٌ حرمته قنبلة إرهابية من استكمال حياته بشكلٍ طبيعيٍ، بُترت قدمه بعد أن أجرى أكثر من 18 عملية جراحية، ولكن فقدان القدم لم يلحقه فقدانًا للعزيمة، فبعد أن لملم الملازم أول جراحه وودع قدمه إلى حيث نعود جميعًا مهم طالت اعمارنا، عاد مرة أخرى أقوى مما كان، وكأن قدمه التي بُترت نبت مكانها مائة قدم آخرين.

“أنا متأثرتش وهكمل وأصحابي اللي هناك لما يقتلوا أي واحد إرهابي يبعتلوا صورته ويقولولي أنا جبتلك حقك”، جملة ربما أقوى من عشرات الأدوية والعمليات الجراحية، نطق بها شابًا سقط للحظة تحت وطأة الألم واليأس والفقدان، ونهض كقيامة الموتى، ليعود إلى الخدمة بالجيش المصري مرة أخرى بعد تركيب طرف صناعي، وإصرار على عدم الجلوس في المنزل، تاركًا دماء قدمه وحيدة في سيناء.

“اتحدى نفسك..كمل طريقك”، 4 كلمات فقط ليس أكثر، قالهم الرئيس عبد الفتاح السيسي للبطل أحمد عبد اللطيف، خلال تكريمه مرتين لبطولته، وكانت تلك الكلمات دافعًا قويًا للشاب المبتورة قدمه، فحسبما قال إنه وجد الدعم والتشجيع أن يتحدى إصابته، فالعجز لا يٌصيب الرجال الأشداء، والبتر لن يقوى على الأبطال.

الملازم أول نُشرت له صور بقدمه الصناعي بالزي العسكري وتداولها مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بقوة، عقب إلقاء القبض على الإرهابي هشام عشماوي، وكأن سقوط كل إرهابي بمثابة ثأر لدمائه الطاهرة.

“ولو في يوم، راح تنكسر، لازم تقوم واقف كما، النخل باصص للسما”، لم يكن يعلم أحد إن تلك لن تبقى مجرد أغنية نرددها بين الحين والآخر، ربما باتت حكمةً حياتيةً مُلهمةً، وشعارًا يرفعه الساقطين على عتبات اليأس، الراجين قيامةً مجيدةً.

النقيب محمود الكومي، شابًا آخر قدم مهرًا غاليًا لسيناء العروس، إذ أصيب ببتر في الساقين اليمنى أسفل الركبة واليسرى أعلى الركبة، وانفجار مقلة العين اليمنى وشظايا بالعين اليسرى واليدين، وفقدان البصر، ليدفع مهر الحرية والأمن غاليًا.

الضابط بقوات الشرطة المصرية قال: “أعظم شرف ممكن يحدث لرجل الشرطة هو أن يستشهد أثناء تأدية عمله”، فربما هذا إيمانٌ داخليٌ يجعله رغم كل تلك الخسائر التي لحقت به أن يقف على عكازيه ويجول في المؤتمرات والندوات، يعظ عن قيمة الوطن ويقدم بجسده مثالًا عن التضحيات لأجله.

ليلة القبض على الإرهابي عشماوي، عبر الكومي عن سعادته بالقصاص حسبما قال، وقام بنشر صورة له وهو يقف بقدميه الصناعيين فوق صورة الإرهابي عشماوي وبيده علم مصر، وكتب فوق الصورة من آيات الله: “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ”.

قصتان قريبتان من بعضهما البعض، اثنان من القابضين على الجمر، والأبطال ذوي الفخر، اثنان كرمهم الحاضر ويخلدهم المستقبل وتذكر رمال سيناء دماءهم وأطراف أجسادهم التي بُذلك لأجل شيء لم نعيش فيه يومًا بل يعيش فينا دومًا

تابع مواقعنا