الإفطار الأخير
“الإفطار الأخير” هو اسم رواية للمؤلف هشام شعبان تجسد الواقع المرير في القرية المصرية، فقراء وهموم مرسومة علي خريطة المنازل والوجوه.. وواقع ضيق تعيشه هذه القرى المتشابهة في المسير والمصير الإنساني.. رواية اجتماعية أو واقع أليم أو فانتازيا أو كوميديا سوداء.. رواية صغيرة تلخص المجتمع وما فيه من آفات تبرز الانفصام الذي يعيشه الإنسان في المجتمع المادي. الرواية تعرض بؤسًا للقرية المصرية، ووسط كل هذا البؤس، هناك من يفكر في اقتناصه والمتاجرة به لصالح مستقبله السياسي، (رجل) لا تهمه إلا الصورة ولا يفكر في القيمة، سياسي يلعب بالبيضة والحجر كما تقول الرواية، نصحه شيخ من أهل الدائرة أن يقيم إفطارا جماعيا. لا أدري هل كان الشيخ يريد أن يشاركه ذلك الاقتناص للصورة، أم أنه اختار الوقت المثالي لاستفزاز هذا السياسي الفاشل والراشي الذي يسلك كل الطرق للوصول لغايته، إلا أن هذا السياسي قرر إقامة هذا الإفطار، وخصص له مبلغًا أوكله إلى بعض من هؤلاء الذين تجدهم حول كل مائدة نفاقًا وتملقًا.
الذين يطلق عليهم (صيع انتخابات)، كما هو متداول، وهم على الجانب الآخر أرادوا اقتناص جزء كبير من المال المخصص لذلك الإفطار، فعمدوا إلى المعلم عويضة تاجر الخضراوات والذي أعطاهم بضاعة فاسدة وتالفة كان سيرميها على المصرف. كان يضعها في مخزن مملوء بالخفافيش والفئران وكل أنواع الحشرات، وبعد ذلك ظلوا يبحثون عن مكان يشترون منه لحما، إلى أن وجدوا ضالتهم في تلك القرية المجاورة لهم التي اشتهرت بذبح اللحمة الوقيع والنافقة، ساعاتٌ مرَّت عليهما، ساعات وقارب أذان المغرب على الإذعان للصائمين بالإفطار، كان صبية الجزار قد انتهوا من تقطيع لحم الميتة وضع في صندوق الربع نقل بتاع عبده، والتي حملت من قبل تلك الخضراوات الفاسدة من وكالة المعلم عويضة، ذلك الإفطار اجتمع فيه الفاسدون من كل صوب وحدب، وتم إعداده في صنوانات واسعة، حتى تكفي أهل الدائرة تقريبا. وأذَّن المغرب وأفطر الجميع، وبعد الفطار كان الجميع صرعى في حالة تسمم جماعي لأهل دائرة، ذلك السياسي الفاسد الذي يريد أن يبنى مجده السياسي على أشلاء الجميع.
هي وإن كان فيها جزء من الخيال عمد الروائى لإظهار بشاعة استغلال فقر الناس والمتاجرة بهم، وهذا منتشر هذه الأيام. فكرة البحث عن الصورة من خلال عمل تطوعي، له مرجعية من الدين من هؤلاء الذين يريدون الله ومع الله آخرين. ما أشبه الليلة بالبارحة، تطلعنا عناوين الصحف والمواقع عن حالات تسمم جماعية في كذا قرية تابعة لسوهاج، بالأخص شندويل وضواحيها وجبة إفطار توزع ومعها سم الرياء قبل سم التحلل، تتصاعد الحالات خلال ساعات لتصل إلى أرقام أشبه بالوباء، وتوالت الأخبار تلو الأخبار ومازالت التحقيقات مستمرة، وكأن أحداث الرواية تخرج من خيال الكاتب إلى الواقع، لتكون نفس أحداث الرواية ماثلة شاخصة، لتؤكد تشابه الطبائع البشرية الشريرة الباحثة عن اللقطة لاستخدامها إما لغسيل سيرة أو كسب سياسي، كما تقول الاستنتاجات بأن فلول حزب يستخدم الدين في الترويج لنفسه، كسبًا لشعبية حتى وإن كانت على أشلاء الفقراء الذين ينتظرون لقمة تسد رمقهم، ولكن اللقمة مسمومة بالرياء قبل تحلل الطعام، مازال هناك فقراء يتنظرون العطاء، ومازال هناك دقاهنة يتاجرون في آلامهم وفقرهم، هم يفكروا فيهم كعدد لا قيمه أخلاقية، ولكن كانت نهاية الرواية موت كل هؤلاء الذين اجتمعوا على خداع السذج، فالكل كان متهما سيلقى عقابه، لكن السخط يأخذ بين طياته أناسًا كان أقصى طموحاتهم لقمة هنية، ولكن للأسف أصحاب وجبات سوهاج سوف يجدون ألف ألف سبب وسبب، يفرون به من العقاب، وسوف يظل الفقراء يحلمون باللقمة الهنية، وستكون مسمومة مرةً أخرى.