البانكور يهز عرش الدولار
في مؤتمر بريتون وودذ BRETON WOODS بعد الحرب العالمية الثانية، طرح العالم الاقتصادي الإنجليزي جون مينارد كينز مقترح إنشاء البانكور BANCOR، ولكن هذا الاقتراح لم يطبق، وذلك لقيام الولايات المتحدة بالسيطرة على النفوذ العالمي، بدلاً من بريطانيا، واستخدام البنك المركزي الأمريكي كبنك ومركز مالي دولي ممثلا للعالم بدلا من إنجلترا، وفكرة البانكور هو إنشاء عملة عالمية يحدد سعرها وفقًا لاستخدامها في سداد المعاملات التجارية العالمية ولا تخضع لقاعدة الذهب أي لا يتم تقيم سعرها وفقًا للمعادن النفيسة من ذهب وفضه، بشرط تعهد الدول الأعضاء في المجتمع الدولي بالحفاظ على ثبات عملاتهم المحلية وفقًا لرصيدها الذهبي، ويقوم اتحاد المقاصة العالمي كمؤسسة دولية ذات طابع مركزي عالمي وذات طبيعة فنية، بإصدار العملة وتحديد سعرها مقابل أسعار عملات الدول الأعضاء، على أن تكون هذه العملة خارج السيادة لأي من الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، ولما لم تجد فكرة ماكينزي قبولًا لدى المجتمع الدولي، قدم الاقتصاد الأمريكي “هاري وايت” مقترحًا آخر تم الموافقة عليه و دخل حيز العمل الدولي عن طريق صندوق النقد الدولي، والذي يقوم على تقيم العملات في العالم بالدولار الأمريكي والذي تحدد قيمته بالذهب بمعنى أن الدولة التي تريد تقيّم عملتها تقيمها بالدولار الأمريكي، ثم إذا أرادت استبدال هذه القيمة بالذهب تعطيها الولايات المتحدة قيمة عملتها ذهبًا بالمقدار الذي تم حسابها بها.
لم يصمد هذا النظام طويلًا، ففي منتصف الستينيات بدأ يظهر عجز هذا النظام على مواجهة المشكلات المتجددة، لظهور عجز كبير في ميزان المدفوعات الأمريكي، مما زعزع ثقة حاملي الدولارات الأمريكية، فبدأوا في استبدال ما لديهم من دولارات بالذهب، في الوقت التي كانت أمريكا ملتزمة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب كما هو اقتراح “هنري وايت” السابق.
عدم قابلية الدول المشتركة في صندوق النقد الدولي التعامل بالدولار الأمريكي سبب أزمة كبيرة وأفقدهم الثقة في الدولار، فاتجهت أنظار واضعي السياسات المالية في صندوق النقد الدولي إلى بحث عن حل لهذه المشكلة، وبحثوا عن وضع عملة عالمية غير تابعة لأي دولة، ففي عام 1969 توصلوا إلى فكرة “حقوق السحب الخاصة” (Special Drawing Rights SDR) أو “سلة العملات العالمية” و هي صدى للفكرة الأولى التي اقترحها “اللورد كينز” عملة “البانكور” كما يقرره الكثير من خبراء الاقتصاد، فقد تم إنشاء حقوق السحب الخاصة كأصل احتياطي دولي تكميلي في سياق نظام سعر الصرف الثابت بريتون وودز، لكي تلعب دورًا في توفير السيولة وتكملة الاحتياطيات الرسمية للدول الأعضاء، تعمل وحدة حقوق السحب الخاصة كوحدة حساب صندوق النقد الدولي، فهي مطالبة محتملة بالعملات التي يمكن استخدامها بحرية لأعضاء صندوق النقد الدولي، ويمكن استبدال حقوق السحب الخاصة بهذه العملات.
والذي يحدث حاليا هو شيئ مماثل من انتقال القوى بحيث تنتقل القوى من الولايات المتحدة الامريكية إلى الشرق نتيجة استنزاف السوق المالي الأمريكي ونتيجة صعود نجم الصين كقوة اقتصادية عالمية، وقد كانت كلمة رئيس بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) في العام 2009 والذي قال أثناء المؤتمر حان الوقت لظهور عملة مقابل احتياطي عالمي خارج نطاق السيادة لأي من الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، إشارة صريحة لفكرة عملة البانكور التي طرحها ماكينزي في اربعينات القرن الماضي، ويتم الآن احياء هذا المقترح بشكل فعال ليأخذ صبغة أكثر عالمية ويخرج من اطار الولايات المتحدة، فكانت البت كوينز (Bitcoin) هذه العملة الافتراضية التي بلغ سعر صرفها بالدولار لما يقارب العشرة آلاف دولار للوحدة الواحدة، تلك التي كانت قيمتها أقل من ثلاثة دولارات في العام 2013.
البت كوين هي نظام جديد للدفع ونقود إلكترونية بشكل كامل، البت كوين هو أول شبكة دفع غير مركزية تعمل بنظام الند-للند يتم إدارتها بالكامل من قبل مستخدميها بدون أي سلطة مركزية أو وسطاء. من وجهة نظر المستخدم، فالبت كوين يمكن تشبيهها إلى حد كبير بالعملة النقدية الخاصة بالإنترنت.
وللحديث بقية..