الإيغور.. ورقة أمريكا الخاسرة
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، هذا ما يؤمن به كل مسلم على وجه الأرض، وحق الإنسان في تقرير مصيره حق أصيل تنص عليه جميع الدساتير وميثاق الأمم المتحدة، وهو مبدأ يؤمن به سدنة الحرية والديمقراطية في العالم كله، وهي كلمات تتمتع بالقبول عند كل الناس.
لذلك فإن استغلال ورقة الأقليات العرقية والدينية وحقوقهم في مهاجمة أي دولة دائمًا تلقى صدى واسع النطاق وهي دائمًا ورقة رابحة، لأنها تلعب بمشاعر القوميات الدينية وطلاب الحرية.
وقد فطنت الإدارات المختلفة للولايات المتحدة لهذه الورقة ، فقامت باستدعاء السيدة/ ربيعة قدير زعيمة الانفصاليين الإيغور ومنحها حق الإقامة الدائمة في أمريكا كما منحتها أبواق الإعلام تتكلم كيفما تشاء عن أقلية الإيغور والحكم الذاتي ومهاجمة السلطات الصينية، التي تضيق على الإيغور ، وطالما استمع العالم كله لهذا الكلام وصدقة.
نأتي للقصة الحقيقية، الصين تتكون من 56 قومية، بينهم حوالي عشرة قوميات مسلمة، منهم قوميتا الهوي والإيغور كأكبر قوميتين مسلمتين في الصين، قومية الهوي تتمتع بكافة حقوقها الدينية والاجتماعية ولديهم مساجدهم وأماكن عبادتهم وينتخب منهم مفتي الصين والذي يعلن مطالع الشهور العربية ويحدد وقت الصيام والإفطار والأطعياد ، ولهم حكم ذاتي على مقاطعة نينشا والتي بها أغلبية قومية الهوي، حتى إن السلطات الصينية تعقد في عاصمة هذه المقاطعة كل سنة في شهر سبتمبر المنتدى العربي الصيني، وليس لديهم أي مشكلة مع السلطات، أما قومية الإيغور فتنشط عندهم جماعات الانفصاليين، وياليتها توقفت عند بيانات وتعليقات السيدة/ ربيعة قدير في وسائل الإعلام الأميركية والعالمية ، ولكن بدأ بعض المتشددين في القيام بعمليات إرهابية ، بلغت ذروتها في عام 2014 عندما قام ستة من الإيغور بالهجوم على محطة قطار كونمينغ بمقاطعة يونان وقتلوا بالسيوف والسكاكين 30 من الأبرياء الذين أوقعهم حظهم العاثر في المكان الخطأ، حتى إنه تم تقطيع سيدة وطفلها الذي لم يبلغ العام نصفين في مشهد لا يصدق، وهنا كان يجب على السلطات الصينية اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحفاظ على أمنها.
الموضوع لا علاقة له بالدين، جماعات انفصالية خرج منها فصائل إرهابية وقامت بالقتل والترويع، والطرف الآخر دولة لها قانون ومطالبة بالحفاظ على أرواح مواطنيها، ولكن الإعلام الغربي وجدها فرصة أن أحد طرفي الخصومة مسلم، وضرب عدة عصافير بحجر واحد ، هاجم الصين بضراوة لكي يشغلها عن قضية التنمية، ولعب على مشاعر المسلمين فحرك الرأي العام العربي والمسلم ضد الصين ، ووضع الصين بين أمرين أحلاهما مر ، إما التعامل بحزم مع الإرهابيين فيصورها الإعلام الغربي أنها ضد الإسلام ، وإما غض الطرف عن أفعال الإرهاب مقابل الحفاظ على مصالحها مع الدول العربية والإسلامية، على ما فيه من إهدار لأمن مواطنيها الآن استدعت أمريكا القضية مرة أخرى، بعد أن وقعت على قانون السياسة في مجال حقوق الإنسان والخاص بالإيغور في 17 يونيو وكما أشرنا من قبل إلى أن القضية المتعلقة بشينجيانغ ليست مسألة حقوق إنسان، أو عرق، أو تعصب ضد الدين الإسلامي كما تدعي الولايات المتحدة، وإنما قضية مكافحة الإرهاب ومكافحة الانفصال. منذ تسعينيات القرن الماضي، قامت “القوى الثلاث” بما في ذلك القوى الانفصالية القومية والقوى الدينية المتطرفة والقوى الإرهابية العنيفة بالعديد من الحوادث الإرهابية العنيفة في الصين، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، ووضع الصين كوضع الكثير من الدول العربية بما فيها السعودية ومصر، هي تقف ضد الإرهاب وليس ضد الدين. عندنا المنسي وبحق بطل قومي لوقوفه في وجه الإرهاب الذي يرتدي عباءة الدين، فلماذا لا يكون الضابط الصيني (لي) أو (تشين) أيضًا بطلًا قوميًا لوقوفه في وجه نفس الإرهاب؟
هل تعلم أن عدد الإيغور في إقليم شينجيانغ يصل لحوالي 12 مليون نسمة وأن عدد المساجد فيها هو 24000 مسجد، بمعدل مسجد واحد لكل 530 فردا تقريبًا وهو معدل جيد جدًا، وهل تعلم أن نسبة التنمية في الإقليم وصلت إلى 6.2% وهو معدل عال جدًا وأن الحكومة لديها خطط لمحاربة الفقر، وهل تعلم أن هذا الإقليم رغم الصورة القاتمة التي يرسمها له الإعلام الغربي استقبل في عام 2019 عدد 200 مليون سائح من كل أنحاء العالم، الصورة ليس كما يصورها الإعلام الغربي، فلو تابعت هذا الإعلام عن مصر مثلًا سوف تظن أن المصريين يقتلون في الشوارع رغم ما ننعم به من أمن واستقرار، إنه إعلام مغرض تمامًا، والحقيقة أن أمريكا تستخدم هذه القضية عفريت علبة تستخرجها فزاعة في وجه الصين، وهي الآن تحضر كروتها ضد الصين استعدادًا لما بعد كورونا.
أمريكا لديها عدة معايير ومكاييل تتعامل بها في المسألة الواحدة ، فمثلًا طبقًا لبيانات الاستطلاع الأمريكية فإن 75 ٪ من المسلمين الأمريكيين البالغين يقولون إن هناك قدرًا كبيرًا من التمييز ضد المسلمين في المجتمع الأمريكي ، و69 ٪ من عامة الناس الأمريكيين لديهم نفس الرأي ، ويعتقد 50 ٪ من المسلمين الأمريكيين أنه في السنوات الأخيرة أصبحت حياة المسلمين في أمريكا أصعب من الماضي، فكان من الواجب على الإدارة الأمريكية أن تفكر في أوضاع حقوق الإنسان المسلم لديها، بدلا من مهزلة الدفاع عن المسلمين في دولة أخرى، وشهادة أقدمها لوجه الله، لقد أقمت في الصين لأكثر من عقدين كنت أصلي في المساجد المفتوحة للصلوات، وكان يتم النداء للجمعة وتصرف الصين على المساجد والأئمة، وكنا نصلي العيد في الساحات وكان يحضر مندوب الحكومة الصيني للصلاة معنا، وكانت تسمح لنا الحكومة بأداء كل شعائرنا حتى ذبح الأضحية وتوزيعها، وكل من زار الصين أو أقام فيها يعلم هذا جيدًا .
وأخيرًا فإن الأمريكيين لا يدافعون عن الإيغور ولا يقررون قوانين معاقبة الصين إلا بدافع المصلحة السياسية الذاتية ونكاية في الصين، هذا ليس دفاعًا عن حقوق الإنسان ولكنه تهريج سياسي واستعداد المقامر بجواكر ورق اللعب .