دول على النهر
تقدمت مصر في الجمعة الماضية بشكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مطالبةً فيها تدخل المجلس لحل نزاع سد النهضة الإثيوبي، وهو مايشير إلى فشل المفاوضات وجميع جهود الحل السلمي السابقة، بما في ذلك الاتفاق التمهيدي الثلاثي في يناير 2020، والذي تم تحت إشراف ووساطة الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي.
ومن المتوقع أن يؤثر هذا المشروع الضخم والمقرر تشغيله في يوليو المقبل على أمن مصر المائي، فسيؤثر بشكل كبير على مقدار حصتها السنوية من المياه، وذلك بسبب سرعة ملء خزان السد الذي يوازي حجم مدينة لندن.
يمثل نهر النيل بالنسبة إلى مصر شريان الحياة، وذلك لأنه يمثل أكثر من 95 % من حصة مصر من المياه العذبة، ومن ثم فإن تشغيل السد يشكل خطراً كبيراً على وجود مصر والتي كانت بالفعل تحت عتبة الأمم المتحدة للمياه والفقر.
أبدت مصر تخوفاتها بشأن تأثير السد على إمدادات المياه إليها منذ بداية إنشاء السد عام 2011، ورحبت بالمفاوضات وظهرت حسن نيتها من استعدادها لأن تقدم تنازلات مقابل الوصول إلى صفقات عادلة للأطراف رغم موقفها القوي وفقاً لمبادئ القانون الدولي.
على النقيض الآخر نجد أن إثيوبيا في كل المفاوضات السابقة كانت مصرة على بناء السد، بل شرعت في ملء السد وتشغيله فعلياً بغض النظر عن التوصل إلى اتفاقات أم لا.
فمن ملاحظة التاريخ المشبوه لبناء السد نجد أنه قد بدأ أثناء الفترة الانتقالية والثورات التي شهدتها مصر، وهو ما يوضح كيف استغلت إثيوبيا هذه الفترة لصالحها، بالإضافة إلى عدم احترامها الكامل والمستمر لمعاهدات النهر التي تضمن حق مصر في استخدام حق الرفض (الفيتو) للمشاريع التي تؤثر على منسوب المياه، مثل اتفاقية مياه النيل 1929، وإطار تعاون القاهرة عام 1993 ، بالإضافة إلى عدم استعدادها للالتزام بجهود ومفاوضات ما بعد عام 2011 لحل النزاع، مثل اتفاقية إعلان المبادئ عام 2015 ووساطة الولايات المتحدة عام 2020 لحل النزاع. الأساس المنطقي للوضع الراهن والسبب الحقيقي لما وصلنا إليه هو سياسة الأمر الواقع التي انتهجتها أثيوبيا.
في الواقع، لا بد أن نعي جيداً أنه وحتى في خِضم المفاوضات لم يكن المسؤولون الإثيوبيون مترددين مطلقاً في إعلان نيتهم الصريحة في بناء السد وملئه، بغض النظر عن عواقب أو نتائج المفاوضات التي لازالت تتم ، وهو ماعبر عنه مؤخراً وزير خارجية أثيوبيا لوكالة أسوشيتد برس (the Associated Press) في شهر يونيو .
ومن قراءة هذه المواقف العنيدة والرافضة تماماً لكل حلول التفاوض، مع عدم احترام القوانين والاتفاقيات، يتضح لنا جلياً سبب الوضع الحالي الذي وصلت إليه المفاوضات، وهو فشل أثيوبيا في تقديم التزام واحد لمصر رغم كل هذه المفاوضات والاجتماعات.
لا خلاف على أن لإثيوبيا الحق في التنمية، وأن بناء هذا المشروع له ما يبرره بموجب هذا الحق، وأنه سيقوم بإنتاج طاقة كهرومائية تمكنها من تحقيق ذلك، لكن من غير المبرر أن يأتي هذا الحق على حساب الدول الأخرى، فتسعى إثيوبيا إلى تحقيق مصلحتها وسط تجاهل تام ودون الاعتداد بمصالح الدول الأخرى.
لذا وبعد ماذكرت، أود الإشارة أنه لازل باب الحلول العادلة مفتوحا، ولم يفت الأوان للعمل مع إثيوبيا للبحث عن حل بديل يوفر لهم الطاقة الكهربائية بسرعة، وفي المقابل أيضاً تمديد الإطار الزمني لملء الخزان. وهنا يتم مراعاة حقوق كلا الطرفين، حق إثيوبيا في الحصول على الكهرباء اللازم للتنمية في أسرع وقت وحق الدول الأخرى في عدم الاعتداء على حصتها من المياه. ربما يكمن الحل في تقديم حزمة تمويلات لإنشاء محطات للطاقة في إثيوبيا.
وأخيراً فإن مناشدة مصر لمجلس الأمن في ظل فشل كافة سبل التفاوض، يشير إلى أنه لا زالت هناك فرصة للمجتمع الدولي لمنع أي توتر إقليمي قد يحدث، وبما أن الجانب الإثيوبي يرغب في ربط جذور المشكلة بمعاهدات النيل في الحقبة الاستعمارية، فأنا أتفق معها، وبالتالي لا بد من أن يأخذ المجتمع الدولي على عاتقه مسؤولية إحضار جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات والبدء من جديد بحسن نية.
إن محاولة كسر الجمود الحالي وإعادة تنشيطه لن تعمل فقط كآلية لتسوية النزاعات بل كخطوة نحو المزيد من التعاون بين شمال شرق أفريقيا، لذا يجب صياغة اتفاقية ملزمة تعترف بحق إثيوبيا في التنمية وتحقيقها لذلك في إطار زمني عادل لا يعوق حقوق المصريين في مياه النيل.
لذا وبناء عليه، فإن الدول الخمس في مجلس الأمن ستتحمل هذه المسؤولية لتهدئة الوضع في إفريقيا، وإذا لم يكن ذلك من أجل القانون والحقوق ، فيجب أن يكون من أجل التوازن السياسي وتوفير تكاليف الحروب والتوترات في منطقة مضطربة بالفعل.
ترجمة مقال: States of the Nile
المنشور في موقع:
Modern Diplomacy
بقلم محمد فؤاد وأحمد البسيوني