أول استجواب برلماني بشأن هدم المقابر التاريخية في مصر
تقدمت النائبة داليا يوسف، عضو مجلس النواب، بأول استجواب برلماني واتهام صريح للحكومة، بشأن هدم المقابر التاريخية والاثرية التى تتم فى مصر.
وقالت النائبة داليا يوسف، إنها وجهت الاستجواب إلى وزراء الآثار والأوقاف والري والموارد المائية و التنمية المحلية والإسكان، وذلك بسبب مخالفة أحكام الدستور المصري، ومخالفة أحكام وفتاوى الشريعة الإسلامية، وانتهاك حقوق الإنسان بالمخالفة للمواثيق الولية، وانتهاك حرمة الموتي وهدم المقابر.
وأستعرض الاستجواب المخالفات المستجوب عنها وهي :
أولا: مخالفة أحكام الدستور المصري بشأن انتهاك حقوق الموتى وإهدار كرامة الإنسان حيًا أو ميتًا
ونص الدستور في المادة “2” منه على أن “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع”، كما نصت المادة 35 من الدستور على أن “الملكية الخاصة مصونة”، ونصت المادة 51 منه على أن “الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها”.
وأشارت إلى أن هذه النصوص تؤكد على أن حرمة الانسان لا تمس، وأن ملكيته الخاصة مصونة، وأن أي انتهاك يتعرض له في ملكيته الخاصة وكأنها انتهاك لنصوص الدستور، وباسقاط هذه النصوص على موضوع الاستجواب، نجد أن ما تقوم به الحكومة ممثلة في وزارة الري والأوقاف والإدارة المحلية وأيضًا الآثار، هو تجسيد حقيقي لانتهاك مواد الدستور.
ابنة محمد التابعي “أمير الصحافة” تكشف تفاصيل تعرض مقبرة والدها للهدم: “بلد العجائب”
وتابعت: “قامت هذه الوزارات بانتهاك حرمة الموتى وحرمة الملكية الخاصة وأيضًا الحقوق الإنسانية للمواطن المصرى، بارتكابها اعتداءات بالهدم للمقابر الخاصة للمواطنين، فهي ملكية خاصة لهم، ونبش القبور والعبث بالرفات، معللة ذلك تارة بتوسعة الطرق، وتارة أخرى بمحاربة العشوائيات. كما أن الحكومة خالفت نصوص الشريعة الاسلامية والشرائع الأخرى والتي رسخت على احترام الموتى وحقوقهم، وتكريم الله عز وجل للمتوفي”.
واستكملت: “نص أهل العلم على أن القبر حبس على صاحبه، لا يجوز أن يمشى عليه ولا ينبش ما دام به عظم من عظام المقبور أو شعر من شعره إلا لضرورة، وأن من كبائر الذنوب انتهاك حرمة الأموات ونبش قبورهم لغير ضرورة معتبرة شرعًا. فما بالكم بما تقوم به الحكومة من هدم بالات الحفر والاوناش ودك القبور دكًا، وهدمها رأسًا على عقب، بالمخالفة لاحكام الشريعة وللنصوص القرانية. فإن حرمة الميت كحرمة الحي، فقد أخرج أبو داود وابن ماجه وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كسر عظم المؤمن ميتًا مثل كسره حيًا”.
ثانيًا: مخالفة أحكام القانون المصري بشأن انتهاك حرمة الموتي وهدم القبور
وأوضحت المادة 160 من قانون العقوبات المصري عقوبة هدم القبور بالحبس وبالغرامة، حيث نص القانون على معاقبة كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها أو خرب أو كسر أو أتلف أو دنس مبانى معدة لإقامة شعائر دين أو رموزًا أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس.
وأركان الجريمة منها الركن المادي، وهو كل فعل مادي من شأنه الإخلال باحترام الموتى، وأن يكون الفعل معبرًا عن إرادة الجانى ورغبته، وأن يكون من شأن الفعل امتهان حرمة القبور أو تدنيسها، كهدم المقابر وإخراج الجثث أو تدنيسها. والقصد الجنائي أن يرتكب الجاني بإرادته الفعل المؤثم، ولا عبرة بالباعث.
ولفتت إلى أن هذا يعني أن قانون العقوبات المصري قد جرم هدم المقابر أو تدنيس الجثث وحث على احترام الموتى، عكس ما قام به وزراء الموارد المائية والأوقاف والتنمية المحلية والإسكان فى عدم حماية المقابر وامتهانها، والعبث بالموتي.
وبينت أنه مع توافر القصد الجنائي، فتتحقق أركان الجريمة والتي يعاقب عليها القانون، وبالتالي يجب إقالة كل من تسبب في هذه المهزلة، والعبث بجثث المواطنين وعدم احترام اداميتهم.
ثالثا: مخالفة أحكام وفتاوى الشريعة الإسلامية
وبينت أن انتهاك حرمة الأموات في الإسلام من كبائر الإثم والذنوب والكبائر التي حرمها الله تعالى فجميع الموتى المسلمين وغير المسلمين لهم حرمة لا ينبغي مطلقًا الاعتداء عليها بأي حال من الأحوال وإنما يبقي الميت في مكانه لا ينبغي العدوان عليه أو فصل جزء من جسده، فكل من يعتدي على حرمة الميت خارج عن حدود الله تعالي وما أقرته الشريعة الإسلامية لأن ذلك خروج على ما أمر به الله سبحانه وتعالى.
وبينت أن هدم المقابر وهي ملك لأصحابها الأحياء الذين اشتروها من سنين طويلة ليدفنوا فيها موتاهم لا يجوز لأحد تكسيرها. ويقول الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، في احدي مقالته في جزء منها نشر في جريدة الأهرام المصرية الصباحية في عدد 2 مايو 2016 ما نصه لقد حرص دين الإسلام الحنيف على تكريم الإنسان حيا وميتا فجاء في القرآن الكريم [ولقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] سورة الإسراء الآية رقم 70. ووضع ضوابط لهذه المسألة لها باب مستقل في الفقه الإسلامي يسمى [فقه الموتى والجنائز] وقد حرم الإسلام نبش القبور أو نقل جثث الموتى من مقبرة إلى مقبرة.
أول تعليق لنجل فؤاد المهندس على خبر هدم مدفن والده بسبب محور الفردوس (فيديو)
وتوسع المدينة بصورة سريعة ليس مبررا لانتهاك حرمة الأموات؛ فبإمكان المدينة أن تتوسع إلى جهات أخرى وتبقى المقبرة في مكانها، ولذلك فإن على الأحياء أن ينظموا أمور حياتهم بما ليس فيه أذية لموتاهم.
وقد صدرت العديد من الفتاوى بشأن حكم نبش القبور القديمة بهدف توسيع الشوارع من المقبرة، في الفتاوى: 10802، 19135، 22870، 74077، كلها تؤكد على مخالفة الشريعة الإسلامية في حالة هدم القبور للتوسعة.
رابعا: انتهاك حرمة الموتى
وأوضحت البرلمانية، أن القاهرة تضم قرافتين هما “القرافة الصغرى من المقطم وحتى منطقة الإمام الشافعي، والقرافة الكبرى وهي من صلاح سالم والدراسة وباب النصر ومنه حتى أول مدينة نصر حاليًا وبها صحراء المماليك”؛ وبين القرافتين تفرع جبانتين هما “جبانة المجاورين خلف القلعة، وجبانة الغفير الشرقية تقع بين المقطم والعباسية وبها مدافن الغفير ومنشية ناصر والدويقة شمال قلعة الجبل”.
وعلى حساب مقابر الغفير تقرر إنشاء محور الفردوس بهدف توصيل ميدان الفردوس بشارع صلاح سالم، ومن الأخير إلى محور المشير طنطاوي وهذا يعني هدم مقابر بمناطق “الغفير ـ منشية ناصر ـ الدويقة”، ومع انتشار صور المقابر المهدومة ذهب كثيرون إلى أن ما يتم تسويته بالأرض آثار صحراء المماليك.
وتضم صحراء المماليك المترامية 36 أثر مسجلين وهم عبارة عن خانقوات وقباب وأسبلة وهؤلاء لم يتم مسهم بالهدم وإنما ما تم هدمهم (مقابر حديثة ـ بحسب وصف وزارة الآثار) التي خرجت في بيان رسمي وقالت أن المقابر التي تم هدمها لم يتم تسجيلها كأثر، وإنه على الرغم من أن هذه المقابر غير مسجلة كأثر، فإن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وجه بتشكيل لجنة علمية فنية لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية ليتم دراستها وبحث إمكانية عرضها جزء منها ببعض المتاحف كجزء من تراث مصر المتميز.
وردت البرلمانية على وزارة الآثار، أنه على فرض أن المدافن الموجودة لم يتم تسجيلها كـأثر، لكنها جزء لا يتجزأ من قوة مصر الناعمة لسببين: أولهما يتعلق بالطراز المعماري إذ أن المقابر التي تصفها الوزارة بالحديثة بنيت قبل 100 سنة وأكثر وكلها مبنية على طرز إسلامي يستحق الحماية الأثرية من باب أنه نسيج فني وعمراني للمنطقة، فالأزمة ليست في أنها غير مسجلة وإنما الكارثة أنها لم تسجل أصلاً.ومما لا تعلمه وزارة الآثار أنه جرت العادة عند أهل أموات مصر زمان من علية القوم أو حتى ميسوري الحالي هو بناء تربة عائلية أو مدفن كبير على طراز إسلامي وتلك عادة لم تنقطع حتى آخر 70 سنة مثل محمد محمود باشا وزير الداخلية الذي بنى فوق قبره قبة بمنطقة مدافن الإمام.
أما ثاني الأسباب أن أغلب الموتى المدفونين في تلك المقابر لهم ارتباط وثيق بالتاريخ المصري الإسلامي والمعاصر مثل الشيخ بكري الصدفي، مفتي الديار المصرية، الذي رفض التصديق على إعدام قاتل بطرس غالي وغيرهم مثل عبود باشا صانع الاقتصاد المصري، وشخصيات أخرى، كان لها تأثير في تاريخ مصر الحديث، ومسألة عدم أثرية هذه المقابر لا تعني هدمها.
الآثار تنفي هدم مقابر وآثار بـ”جبانة المماليك”.. وتؤكد: الصور خاصة بمقابر حديثة لأفراد
واستكملت: “لوزارة الآثار في مصر سجل أسود في التعامل مع ما تسميه (مقابر حديثة) فحين قررت محافظة القاهرة تطوير منطقة باب النصر تقرر هدم عددًا من القبور بحجة أنها غير أثرية لتظهر بعد سنوات فضيحة ثقافية تمثلت في أن من ضمن الشخصيات التي سويت قبرها بالأرض المؤرخ تقي الدين المقريزي والعالم الإسلامي الكبير عبد الرحمن بن خلدون. بالتالي فإن تكرار فضيحة قبر بن خلدون قابلة للحدوث وهذا ما حدث في مقابر الغفير حيث تم التعرض بالهدم لمدفن احسان عبد القدوس والإعلامي الإسلامي أحمد فراج”.
وأوضحت أنها تجد الخطورة الحقيقية من جراء ما قامت به الحكومة من هدم المقابر، هو صورة مصر الخارجية، فهناك صدى دولي مؤثر يرسم صورة ذهنية أن مصر تنتهك حرمات المقابر لاسيما الاثرية. فوسائل الأنباء الدولية تناقلت هذه الامور بطريقة سلبية تؤثر علي صورة مصر الخارجية في الحفاظ علي تراثها والحفاظ علي الكرامة الإنسانية، متسائلة: “لماذا تصر الحكومة على تشويه ما يقوم فخامة الرئيس ببنائه يوما بعد يوم من تصحيح الصورة الذهنية وتثبيت أركان الدولة؟ وبناءا عليه نتقدم بهذا الاستجواب طبقا للحقوق الدستورية المنصوص عليها بالمواد (101، 130) من الدستور، لمحاسبةالسادة الوزراء: الري والموارد المائية، والأوقاف، الآثار، والتنمية المحلية، على هذه المخالفات الجسيمة”.