للمبتدئين.. كيف تبني هرما بدون كائنات فضائية
لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا … لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ
تذكرت هذا البيت الرائع لصاحبه الشاعر المجهول وأنا أتابع تهافت شخصيات مصرية رسمية في الرد على «تويتة» الملياردير الأمريكي «إيلون ماسك» التي ذكر فيها نظرية بناء الأهرامات التي يقتنع بها ويسوق لها، والتي هي الأهيف بين كل النظريات التي تهل علينا بين الحين والآخر، وهي أن بناة الأهرام كانوا كائنات فضائية، وتعجبت من المبالغة في الدفاع المستميت الذي وصل إلى حد الحزق من أحد الشخصيات العامة التي ترتزق على كل ما هو فرعوني.
لا أعرف السر في ارتباط اسم «إيلون ماسك» بالحجارة، فعندما سمعت اسمه لأول مرة؛ كان ذلك عندما انتشر الفيديو الذي اعتبره جميع سكان الكوكب فضيحة كبرى، وذلك عندما عرض «إيلون ماسك» باكورة إنتاج شركة «تسلا» السيارة العجيبة Cybertruck، والتي أصر «إيلون ماسك» على أن يقوم أحد الحاضرين بضرب زجاجها بالحجارة مؤكداً استحالة كسر الزجاج، وعندما تبرع أحد الحضور ووقف شامخاً أمام زجاج السيارة وألقمه حجراً، انهار الزجاج وكأنه كان مصنوعاً من الجلاش، وكانت فضيحة كبرى توقع العالم بعدها أن تنتهي شركة «تسلا» وتتلاشى عن الأنظار، وقد حدث العكس.
ثم يأتي الآن ويكتب «تويتة» يتحدث فيها عن حجارة الأهرام، ويقول بأن بناة الأهرامات هم كائنات فضائية قام بتحضيرها المصريون، مثيراً موجة عارمة من السخرية والشهرة المجانية، مؤكداً لكل من يعقل أو يفهم على أنه يستمد انتشار اسمه وزيادة ملياراته من خلال فرقعة الأخبار التي تثير الجدل وتجعل اسمه واسم شركاته ينتشر بطريقة سرطانية لم تكلفه سوى كتابة «تويتة» ربما كتبها وهو جالس على الكبانيه.
الغريب في الأمر هو أن العالم كله ـ رغم رفضه لفكرة الكائنات الفضائية وسخريته منها ـ ما زال مقتنعاً بنفس النظرية الأساسية في بناء الأهرامات، والتي طرحها مجهولون منذ قرون كثيرة كأمر واقع حتمي لا جدال فيه، وهي أن الأهرامات قد تم بناؤها من أحجار بركانية جرانيتية، واقترنت هذه الفكرة الأساسية بسؤال أزلي هو : كيف قام المصريون بإحضار تلك الأحجار من مكانها الأصلي ؟ وكيف قاموا برفعها وصفِّها في طبقات حتى وصلوا لآخر حجر فوق قمة هرم خوفو ؟ .. هذا السؤال الذي لا توجد له إجابة محددة ومتفق عليها حتى الآن، وهذا السؤال بالتحديد هو الذي فتح المجال لوضع العشرات من النظريات لطريقة إحضار ورفع الأحجار، ومن هذه النظريات بالطبع نظرية الاستعانة بكائنات فضائية.
في عام 2002، ظهر اسم أحد العلماء وهو غير متخصص أصلاً في علوم المصريات، بل كان عالماً في الكيمياء وتخصص في فرع الـ«جيوبوليمر Geopolymer»، وهو علم يبحث في المواد التي يمكن الحصول عليها بطرق صناعية كيميائية مماثلة لتلك التي تحدث في الطبيعة، مثل القيام بصناعة صخور «بركانية» عبر التفاعلات الكيميائية مطابقة لتلك الصخور التي يمكن العثور عليها في الطبيعة والتي يستغرق تكوينها ملايين السنين، هذا العالم هو العالم الفرنسي «جوزيف دافيدوفيتس Joseph Davidovits»، والذي وضع نظرية جديدة تماماً على العالم في طريقة بناء الأهرامات، وهي نظرية «الطين المحترق»، والتي بنيت على أساس مختلف لكل النظريات السابقة، حيث افترضت جميع النظريات مبدئياً أن الأهرامات قد تم بناؤها من الحجارة، ثم اختلفوا في تفسير طريقة نقل ورفع تلك الحجارة.
ولكن النظرية الجديدة هدمت من الأساس فكرة أن تكون الأهرام مبنية من الحجارة، وافترضت أن هذه الأحجار ما هي إلا طين وتراب قد تم خلطه بالماء والألياف وبعض المواد الكيميائية، وتم صب هذه الخلطة في قوالب حجرية في نفس مكان كل حجر، ثم تعريض تلك القوالب بما تحتويه من خلطة لدرجة حرارة تصل إلى 900 درجة مئوية، بعدها تتحول هذه الخلطة إلى حجر يشبه تماماً حجر «الجرانيت» البركاني في شكله ولونه وصلابته، وهذه النظرية تقدم حلاً للغز التاريخي ورداً على السؤال الأزلي : كيف قام بناة الأهرامات برفع الأحجار؟، فالإجابة بكل بساطة : لم يرفع أحد أي حجر، بل قاموا برفع التراب في شكارة أو غَلَق أو قصعة أو بأي طريقة معروفة، ثم تم صب الخليط في القوالب الموجودة أصلاً في مكان الأحجار بالهرم، ثم تم فك القوالب بعد تبريدها، ثم تحريك القوالب نفسها لمكان الحجر التالي .. وهكذا صعوداً حتى القمة، ويتم الرفع عن طريق إنشاء ممرات ترابية حلزونية تبدأ من قاعدة الهرم صاعدة في اتجاه القمة، يتم من خلالها انتقال العمال لبناء كل طبقة، ثم الانتقال للطبقة التالية حتى الانتهاء من صب آخر حجر، ثم يتم إزالة الممرات الحلزونية بكل سهولة، فيظهر بعدها الهرم في شكله النهائي بدون الاستعانة بالكائنات الفضائية باهظة التكلفة.
هذه النظرية التي هي الأقرب إلى العقل والمنطق والعلم؛ واجهت حرباً شرسة من رواد مدرسة «الفراعنة الخارقون» في جميع أرجاء العالم، لأنها قدمت بكل بساطة رداً على جميع الأسئلة التي يرتزق من خلالها كل من يطلقون على أنفسهم «علماء المصريات»، وأثبتت أن الفراعنة لم يكونوا خارقين، بل كانوا فقط أذكياء لدرجة كبيرة بتوظيف تلك الفكرة التافهة لإنشاء أعظم بناء بشري على وجه الأرض، وبالطبع وجدت تلك النظرية رفضاً قاطعاً من المسؤولين المصريين الذين يستمدون وجودهم من خلال فكرة «الفراعنة الخارقون».
إذا كنت عزيز القارئ قد تفاجأت من بساطة الفكرة، وشعرت بالصدمة من الكلام السابق، فأنا أطلب منك أن تنتبه جيداً، لأن الصدمة الحقيقية في الكلام التالي.
يقول المولى جل وعلا في كتابه العزيز في سورة القصص : (وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ)
القرآن الكريم يخبرنا بطريقة بناء الأهرامات منذ أكثر من 1400 عام، وهي طريقة «الطين المحترق» التي كشف عنها العالم الفرنسي «جوزيف دافيدوفيتس Joseph Davidovits» سنة 2002 فقط، وما زال البعض لا ينتبه لذلك ويفند نظريات الفضائيين والكارتونيين.
والمفاجأة الكبرى يقول المولى جل وعلا في كتابه العزيز في سورة الأعراف : (وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ)
يقول أهل اللغة أن معنى (يعرِش) أي يزرع، وتأتي كلمة (عِرش) خاصة في زراعة العنب، وبالبحث في معجم المعاني، وجدت المعنى كما يلي : عَرُشَ الْكَرْمَ : رَفَعَ أَغْصَانَهُ عَلَى الْخَشَبِ، والمعروف أن زراعة العنب تبدأ من الأسفل حول العِرش ثم ينمو النبات صاعداً بطريقة حلزونية، وهي نفس الطريقة التي وصف بها الله سبحانه وتعالى ما كان يصنع فرعون وقومه « وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ».
أي أن القرآن الكريم كان قد أخبرنا بطريقة إنشاء الحجارة وبطريقة البناء أيضاً، ولكننا كنا نستسهل ونعتمد على تأويل المفسرين القدماء ولم نكتشف المعنى الحقيقي لتلك الآيات إلا بعد ظهور نظرية «الطين المحترق» سنة 2002، وأعتقد أن هذه المعلومات جديدة تماماً على أغلب من يقرأ هذا المقال رغم ظهور ما أسرده هنا قبل 18 سنة، ولكن كما قلت فإن المرتزقين من فكرة «الفراعنة الخارقون» لن يسمحوا أبداً بنشر تلك النظرية التي تتطابق تماماً مع ما أخبرنا به القرآن الكريم، لأن ذلك ببساطة سيقطع عيشهم، ويكفيني أن يطّلع قرائي الأعزاء على هذا المقال الذي يؤكد على الأقل أنه لم يتم الاستعانة بالفضائيين لبناء الأهرامات.
المفاجأة الأخيرة
قام العالم «جوزيف دافيدوفيتس Joseph Davidovits» ببناء هرم صغير في حديقة منزله ليثبت صدق نظريته ويقوم بإسكات كل من يطعن في صحة ما توصل إليه، وقام بتصوير جميع مراحل بناء الميني هرم في هذا الفيديو https://www.youtube.com/watch?v=znQk_yBHre4
يا ريت حد يعمل منشن لإيلون ماسك