أمير الأراضي البور
الرقَّاص!!! قد تجد الرقَّاص هذا في كل مجال من مجالات الحياة، وهو الشخص محدود الموهبة، شديد الانتهازية، منفر الأسلوب، لا يستطيع أن يحقق نجاحًا؛ فيضطر للقفز بين اليمين واليسار، وينقلب على كل من أحسنوا إليه يومًا. عادةً ما يحقق الرقاص قسطًا ضئيلًا من النجاح أو الشهرة، ثم يخبو نجمه ويصبح مطاردًا باللعنات، ودعني عزيزي القارئ أفرد لك مثالا واقعيًّا، هو قصة نموذج لأحد الأشخاص الذين امتهنوا الكتابة، و”امتهن” هنا أعني بها المعنيين بالاشتغال والابتذال. وذلك الشخص الذي لا يملك من الموهبة سوى شذرات، سخَّر قلمه بالتزلف حينًا والتطاول أحيانًا أخرى، فصار هو المعنى النموذجي للرقاص، فالرجل يتحرك كالبندول يمينًا ويسارًا، فالذي كان يشيد بحنكة مبارك قبل يناير 2011، انقلب بعدها ليصف مبارك بالبليد سياسيًّا، والذي دافع عن جمال مبارك في نهايات 2010، انهال عليه سُبابًا بعد الثورة . وبالحديث عن الثورة، فالرقاص الذي سار في ركب الثوار الأحرار الأطهار، شحذ القلم ضد الحزب الوطني ورجاله من “الفلول”، وأشاد بحمزة نمرة وباسم يوسف، وأسبغ عليهم صفات الإبداع والتميز، ومع صعود موجة التيار الإسلامي نجده يكتب مشيدًا بأحد رجال السلفية، ويصفه بلحظة عقل في عين العاصفة وعنوان لوطن قادم من رحم 25 يناير، وفي معرض الحديث يبشرنا بتجارب الإسلاميين في الحكم مثل رجب طيب أردوغان، ويختتم المقال بقوله: أنا سلفي. ويستمر في محاولات التزلف للإسلاميين؛ فيشيد بأبو العلا ماضي، وينضم للحملة الانتخابية لأبو الفتوح الذي قال إنه مرادف لمعنى الأصالة والحداثة، ثم عاد بعد سنتين ليصف أبو الفتوح الإرهابي والكاذب ويصفه بأفظع الألفاظ. فهذه طباع صاحبنا الرقاص، فهو الذي عمل مع أحد رجال الأعمال والذي كان سببًا في فتح نافذة إعلامية مرئية له؛ رغم سماجته وأسلوبه المنفر، بالإضافة لمحدودية الموهبة، وهي كلها مقدمات قادت لفشل برنامجه ليخرج الرقاص ويتهم الرجل الذي ظل يعمل معه شهورًا عدة ويتكسب من أمواله بأنه إخوانجي وممول للجماعة الإرهابية!!! وفي وسط حملته ضد رجل الأعمال هذا، لم يجبنا، لماذا كان يقبض راتبه من ممول للإرهاب، حدث هذا بالتزامن مع انتفاضة الأمة ضد الإخوان وحلفائهم، وخرج الشعب في ثورة 30 يونيو ليلفظ الإخوان ويخلع مرسي، فيخلع صاحبنا هذا تأييده المسبق لأبو الفتوح والإسلاميين المودرن من عينة أبو العلا ماضي، ليبدأ مرحلة جديدة فيشيد برجل أعمال آخر يمتلك قناة تلفزيونية ومؤسس لأحد الأحزاب “الليبرالية”، وكعادة الرقاص أطال المديح لرجل الأعمال هذا مستشهدًا بوطنيته وعبقريته وعفويته، ليدخل حزبَ رجل الأعمال والذي يترأس الحزب أيضا أحد رجال الأعمال، إلا إن رئيس الحزب هذا لا يمتلك خبرة سياسية أو معرفية تؤهله لإدارة الحزب بصورة فعالة، فوجد الرقاص ضالته فيه ليقدم نفسه له على أنه المستشار والناصح الأمين الملم بخزائن أسرار وحكايات العصور السالفة واستشراف الأزمنة الآتية. وللرقاص تاريخ سياسي مثل تاريخه المهني، فهو يدعي أنه ناصري و ابن بارّ لتجربة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لكن حين قرر أن ينضم لحزب سياسي ذهب لحزب العمل، وقصة حزب العمل هذا تكاد تتطابق مع قصة صاحبنا الرقاص، فالحزب كان امتدادًا لجمعية مصر الفتاة، والتي تأسست في الثلاثينيات من القرن العشرين، وتحولت لحزب في الأربعينيات، هذه الجمعية أنشئت على غرار الحزب الفاشيستي الإيطالي وتجربة موسوليني، وحين تم عودة الأحزاب في عهد الرئيس السادات؛ تأسس حزب العمل الاشتراكي بقيادة المرحوم إبراهيم شكري، نائب رئيس حزب مصر الفتاة القديم، ولم تمض سنوات كثيرة ليصبح الحزب هو حزب العمل الإسلامي، وذلك في نهاية الثمانينيات، ويتولى رئاسته ابن رئيس ومؤسس حزب مصر الفتاة القديم، ويدخل في تحالف الأمة سنة 2013 مع 6 أحزاب إسلامية متطرفة. وتحول الرقاص الناصري، صاحب التجربة السياسية في حزب العمل الاشتراكي/الإسلامي، لقيادي في الحزب الليبرالي، ومقدم لبرنامج في قناة رجل الأعمال الكبير، في هذا الوقت لاحت في الأفق انتخابات البرلمان، ليتحول الرقاص لسمسار انتخابات يطوف مصر شمالا وجنوبا لعقد التربيطات مع مرشحين مضمون نجاحهم، ولسخرية القدر هم أنفسهم أعضاء الحزب الوطني “المنحل” الذين هاجمهم وقدح فيهم وكتب عن فساد حزبهم. وعلى الصعيد الإعلامي، نفس الأسباب التي أدت إلى فشل برنامجه السابق؛ هي التي أدت إلى فشل برنامجه اللاحق، فيهاجم رجل الأعمال، الذي وصفه بالعبقرية والوطني سابقا، ليصبح عميلًا ومتخابرًا مع العدو، ومع ذلك أيضا قَبِلَ أن يعمل معه، بل كان يسعى سعيا محموما لإعادة برنامجه على قناة رجل الأعمال هذا بأي شكل وتحت أي شروط، ولكن مع إصرار رجل الأعمال على رفض عودته، عمل الرقاص على إزاحته عن الحزب الذي أسسه، وهندس انقلابًا فكريًّا وقياديًّا في الحزب. وتزامنًا مع هذا، ولنفس الأسباب التي أدت إلى فشله تلفزيونيًّا، طُرد الرقاص من عدة صحف قومية وحزبية وخاصة. وقد أدرك الرقاص أنه لا توجد لديه أي مساحة للتواجد أو التكسب اللهم إلا من خلال الحزب، فعمل على جذب الأقارب والأحباب والمعارف والبلديات، وفرَضهم وتوطينَهم داخل الحزب، ليصبح هو الرجل الثاني في الحزب ومحتكر أذن وعقل رئيسه. ومع مرور الوقت استشعر رئيس الحزب الخطر، فأقال صاحبَنا الرقاص، ليخرج من الحزب كما خرج من القنوات ومن الصحف غير مأسوف عليه، ولا يملك سوى وسائل التواصل الاجتماعي يبث منها ضلالاته حينا وبذاءاته أحيانًا أخرى. ويطل علينا الآن مع انتخابات مجلس الشيوخ، ليتبنَّى خطاب الجماعات الإرهابية وعملاء الأناضول، ليشكك في المجلس، ويكيل الاتهامات والبذاءات للمرشحين وأحزابهم؛ فيسيء لأحد رؤساء الأحزاب العريقة، والتي كتب في جريدتها فترة بعد ثورة يناير، ويسيء لتاريخ رجل وطني رفيع الطراز وأحد القادة الكبار السابقين بمؤسسة وطنية، بينما كان الرقاص يهرول إليه هرولة، ويسعى إليه سعيًا، ويشيد ببطولاته محاولًا التقرب منه. إجمالًا مسيرة الرقاص هذا ينطبق عليها ما قاله أحمد فؤاد نجم: يا واد يا يويو يا مبرراتي يا جبنة حادقة على فول حراتي أستك لسانك فارد ولامم حسب الأُبيج يا مهلباتي يا واد يا يويو يا مهلبية فوق الصواني سايحة وطرية فى كل جلسة تلبس قضية وتْخِيل عليها يا مشخصاتي حسب الوظيفة وانت وشطارتك تظهر حلاوتك تظهر مرارتك لو خفّضوك ترفع حرارتك لو صعّدوك تقلب جيلاتي.