أثر الفيروس لا يزول.. الألم يصاحب متعافين كورونا بعد الشفاء من الوباء
“التحاليل والأشاعات سليمة” كلمات بسيطة تبعث الطمأنينة بالنفس وبمجرد تلفظ الطبيب بها للمريض تقع عليه بردًا وسلامًا، ولكن وقوعها على أمينة لم يكن كالمعتاد، فهي بمثابة العودة للصفر مرة أخرى حول السبب المجهول لآلام وأوجاع تعيش بها طوال ثلاثة أشهر ماضية، منذ تعافيها من فيروس كورونا “كوفيد-19″، ولسان حالها إلى متى سيستمر معي الوجع؟!.
أمينة ليست الوحيدة مثلها مثل الملايين في بقاع العالم يقعون تحت وطأة آلامهم إثر الجائحة المتوحشة، ففي كل بيت آلمًا خلفها كورونا، ما بين فقيد أو مصاب أو متعافٍ كُتب له النجاة من الموت ليقع ضحية لأعراض ربما ستظل برفقته وقت طويل لا يعلم أحد مداه.
بعد إجرائها المسحة الأخيرة والتأكد من التعافي من كورونا انتابت الفرحة والارتياح أمينة عثمان، ولكنها كانت فرحة مؤقتة لتبدأ بعدها بشهر تقريبًا دوامة الوقوف على سبب آلامها والبحث عن العلاج، حيث عادت إليها آلام تضرب بصدرها مرة أخرى، لم تشهدها إلا وقت الإصابة، ولكن تلك المرة أشد وجعًا وقوة مع شعورها بصداع لا يفارقها وإرهاق طوال الوقت وفقدانها لحاسة الشم، لتجد في النوم مهرب مما تعانيه، حسب قولها.
التعايش مع الوجع
” تعايشي مع المرض والوجع إحنا لسه بنكتشف كورونا وأنت مش أول حالة متعافية تيجي بنفس الأعراض “جملة صادمة هدمت آمال أمينة بالعيش حياة طبيعية دون آلام، ترددت على مسامعها من كل طبيب لجأت إليه آملًا في الوقوف على سبب طبي لأوجاعها، وبنبرة يأس يتجلى فيها الحزن تسرد السيدة الثلاثينية لـ” القاهرة 24 ” رحلتها مع الأطباء بمختلف تخصصاتهم من “قلب وأوعية دموية، جهاز هضمي، صدرية “، وتقول: ” كنت متخيلة إن هنعدي أو هنموت لكن أفضل عايشة بوجع وأعاني في آلام لا.. مرعوبة يكون دا شكل حياتي، مش ألم بسيط يخليني أعيش حياتي طبيعية، عايزه أفوق من الكابوس وأعرف المشكلة فين أنا موجوعة ومش مرتاحة.. الموضوع مجهول “.
جميعهم فشلوا في تشخيص الحالة، ولم يجدوا لها علاج سوى بعض الفيتامينات، منهم من رأى أن كل ما تعانيه بسبب حالة نفسية تمر بها، وهو ما أنكرته تمامًا، تقول مستنكرة: “ليه هرجع أفكر في مرحلة مرض مريت بيها من شهور والحمد لله تعافيت منها؟.. هبكي على اللبن المسكوب ليه؟! “.
أمنية وأسرتها كاملة وقعوا ضحايا كورونا، وبعد التعافي كلٌ منهم بحال، حيث والدتها هي الأخرى ما زالت تعاني من آلام في الجهاز الهضمي، لم تظهر إلا مع الإصابة، وتحكي: “بنجيب الدكتور للبيت كل يومين من وجع معدتها، بيبدأ معاها بإمساك ومغص، ثاني يوم بتبقي بتعيط وبتصرخ من الآلام، بالرغم من إنها بتاخد أدوية للمعدة، وبرضه مش لاقيين سبب طبي”.
55 % من مرضى كورونا لازالوا يشكون من بعض الأمراض
حسب دراسة أجرتها مجلة ” ذا لانسيت ” الطبية، أثبت خلالها أن 55 % من الأشخاص الذين أصيبوا بجائحة كورونا ” كوفيد-19 ” لازالوا يعانون من بعض أمراض الجهاز العصبي، حتى بعد انقضاء ثلاثة أشهر منذ بداية الإصابة، وتتمثل تلك الأعراض في الصداع والإرهاق والتعب الشديد وانعدام التركيز بالإضافة إلى تقلبات عنيفة في الحالة النفسية، وأيضًا فقدان حاستي التذوق والشم.
ولفتت الدراسة أن حالات التعب الشديد والمضاعفات المصاحبة لها تختلف من حالة لآخري، وأرجعت ذلك لاختلاف رد فعل الجهاز المناعي من جسم لآخر.
التعافي ظاهريًا
” أنا مش أنا “.. تجربة كورونا مريرة والنجاة من وطأتها ليست بالأمر السهل، العالم أجمع يخوض تجربة التعايش في ظلها ولكن بالتأكيد حياة ما قبل كورونا ليست كما بعدها، وكذلك حال أحمد سعد الذي نزع منه ” كوفيد-19 ” طاقته وصحته، بعد تعافيه مطلع يونيو الماضي، وهو الوصف الذي يرفضه، فحسب الإشاعات والتحاليل الطبية جسده خالي من الفيروس ولكن ما يعايشه غير ذلك.
يحكي الشاب الثلاثيني بلسان شاخ من ثقل الحمل لـ” القاهرة 24 “عن ما يعانيه بعد التعافي ظاهريًا من الفيروس المتوحش، ” طول الوقت عضمي مكسر، نفسي بيضيق، مشاكل في الضغط بالرغم من إني مش مريض بيه، إضطراب في الجهاز الهضمي، أرق، من أقل مجهود بتعب “، طرق أحمد كل الأبواب بحثًا عن علاج يداوي آلامه، من دكتور لآخر بمختلف التخصصات، وخضوعه لكافة الاشاعات والتحاليل، ويردف متسائلًا في حيرة: “عملت إيكو القلب وتحاليل غدة درقية عملت كل التحاليل وكل حاجة كويسة.. أنا تعبان ليه؟!”.
قبل ثلاثة أشهر كان كل ما يدور في مخيلته مرور أسبوعين الإصابة ليعود لممارسة حياته الطبيعية بعيدًا عن مشهد العزل والآلام، ولكنه صُدم باستمرار لأعراض بعد انقضاء شهور من الإصابة، مردفًا: “في البداية كنت فاكر إن كلها شهر ولا شهرين والأعراض هتنحصر وهرجع لحالتي الطبيعية، لكن كورونا بهدلتني نفسيتي تعبت ومابقتش أنا نفس الشخص اللي كان قبلها”.
الصحة: 25 % من المتعافين يعانون من متلازمة ما بعد كورونا
وزارة الصحة كشفت عن تعرض نحو 25% من المتعافين بما يسمى بـ “متلازمة ما بعد كورونا” وأرجعت سبب حدوثها نتيجة حرب الجهاز المناعي مع الفيروس، مشيرة إلى أن أهم أعراضها تتمثل في تليف رئوي بسيط يتعافى منه المريض سريعا وتدريجيًا، وهو السبب في إحساس البعض بضيق فى التنفس، وقد تسبب أيضًا آلام فى العظام، وضعفا عاما، ووهن وعرق متكرر، ويتعافى المريض تدريجيًا في مدة قد تصل إلى شهر، علاوة على تعرض بعض الحالات لـ”النسيان” وبعض الجلطات فى أماكن متفرقة.
“كنا فاكرين لو فلتنا من الموت هنرجع لحياتنا الطبيعية”
بعد انقضاء يوم طويل في محاولات التغلب على الشعور بالإرهاق والوهن للقيام بأداء المهمات المنزلية، وملاحقة أطفالها كأي أم، تذهب غادة محمد نحو سريرها في محاولة يائسة للنوم، فجفونها خاصمها النوم المتواصل إثر “النهجان” الذي يزداد مع نومها لتفوق من غفوتها وتغير من وضعيتها وتبحث من جديد عن سكينة للنوم بشق الأنفس، في مشهد متكرر منذ قرابة ثلاثة أشهر منذ تعافيها من كورونا.
تسهب السيدة ذات الـ34 ربيعًا في الحكي عن معانتها، فبعد تعافيها مباشرة ردت إليها صحتها دون أي أعراض، لم ينقضي سوى أسبوع واحد ليتبدل حالها من حال لآخر، بظهور أعراض جديدة لم تظهر عليها في فترة المرض، كسرعة في التنفس ومشاكل في الجهاز الهضمي بآلام في المعدة تشبهها بآلام الولادة في شدتها وطفح جلدي وتساقط في الشعر و”نهجان” والشعور بالإرهاق طوال الوقت وإضطراب في ضربات القلب، وضعف بحاسة الشم.
“كنا فاكرين إنه زي دور البرد، ولو فلتنا من الموت هنرجع لحياتنا الطبيعية.. ماكناش نتخيل إن هنقضي طول الفترة دي في المرض وياعالم لإمتى”.. تسرد غادة في يأس ما تعيشه هي وزوجها وطفلتها، كلٌ منهم له أعراض مصاحبة مختلفة عن الأخر، زوجها يعاني من ارتجاع في المريء وقرح بالفم وإرهاق شديد.
قلب الأم يتفتت آلمًا لما خلفه كورونا ولما تعانيه طفلتها ذات الستة سنوات، فهي الأخرى وقعت ضحية لكورونا وحرمتها من اللعب مع أقرانها، وبنبرة حزن تسرد تغير أحوالها بعد الإصابة: “بنتي نسيت اللعب من أقل مجهود بتترمي على الأرض وبتقولي أنا دوخت، طول الوقت نايمة مع إنها كانت نشيطة وشقية جدًا”.
ترى الدكتورة عفاف الحسيني، أنه من الطبيعي بعد تعافي مريض “كوفيد-19″ ألا يعود لحالته الطبيعية، معللة ذلك بأن معظم إصابات الرئة تنتهي بتليف في الرئة، وكورونا أغلب حالتها التهاب رئوي، كما أنها رجحت أن تكون مادة الكورتيزون التي يستخدمها بعض الأطباء لها يد، مردفة لـ”القاهرة 24”: “للأسف هناك أطباء كثيرون يعالجون كورونا بأدوية تحتوي على مادة كورتيزون، ولها أثار جانبية متعددة تظهر بعد ذلك ومن الممكن أن تكون لها دور في معاناة المتعافين”.
أما عن مدة المرض فتقول استشاري الأمراض المعدية بحميات إمبابة، إنها تختلف من مريض لآخر حسب الحالة الصحية ووضع الجهاز المناعي.