شعارنا “السعي والعمل”
نقرأ في سفر الأمثال: “لا تُحِبّ النومَ لئلّا تفتقر، افتح عَينيكَ تَشبَعْ خُبزَاً” (20: 13). إن الحياة التي وهبنا إياها الله رسالة يجب القيام بها بإخلاصٍ وتفانٍ، كما يجب على كل واحدٍ منّا أن يترك أثراً حسناً وبصمة مضيئة في هذه الحياة. لذا يجب أن نفرّق بين الاتكال على الله والتواكل، ونستشف ذلك من القصة التي تروي عن أحد المعلّمين كان في سفرٍ مع تلميذه بصحبة الجمل الخاص بهما، وعندما وصلا إلى الخيمة كان التلميذ مرهقاً جداً حتى أنه تكاسل عن ربط الجمل، فصلى هكذا: “يا الله، أنا الآن ذاهبٌ للنوم، فأرجوك أن تحرس هذا الجمل، سأتركه في يدٍ أمينة”.وعندما استيقظ في صباح الغد، اكتشف اختفاء الجمل فأخبرَ المُعلّم بالواقعة، فسأله: “أين اختفى الجمل؟” – فأجابه التلميذ: “لا أدري شيئاً، يجب أن تسأل الله عنه، لأنني بالأمس كنتُ تعباً جداً، فتركته في رعاية الله، إذاً ليس لي أي ذنب في اختفائه أو سرقته. وكما علَّمتنا دائماً أن نضع ثقتنا في الله”. – فأجابه المعلّم: “مما لا شك فيه أن تضع ثقتك في الله؛ ولكن كان يجب عليك أن تربط الجمل أولاً، لأن الله ليس لديه أيادي أخرى سوى يديك”. إذاً يجب أن نتعلّم جيداً بأن الله وحده يمنحنا الإيمان؛ ولكن يجب علينا أن نظهره بشهادتنا وأعمالنا الصالحة، الله يعطينا الرجاء؛ ولكن يجب على كل واحدٍ منّا أن ينشر هذا الرجاء بين الناس، الله وحده واهب المحبة للعالم أجمع؛ ولكن يجب علينا أن نحياها ونساعد الآخرين في أن يحب بعضهم البعض. الله وحده واهب السلام للجميع؛ إذاً يجب علينا أن نزرع الاتحاد والوئام بين البشر، الله وحده مانح القوة، لذا يجب على كل واحدٍ منّا أن يعضد الخائفين والضعفاء. الله وحده واهب الطريق؛ لذا يجب علينا أن نكون الخريطة التي تدلّهم إليه، الله وحده نور العالم؛ ولكن يجب على كل واحدٍ منّا أن ينشر هذا النور ليشع في عيون الجميع، الله وحده واهب الحياة؛ لذا يجب على كل واحدٍ منّا أن يجعلها تولد من جديد في قلوب الآخرين، كما أن الله الوحيد الذي يقوم بما هو مستحيل؛ لكن يجب علينا أن نفعل ما في استطاعتنا من أجل خير الجميع. نستخلص من هذا كله أن الله يضع ثقته في كل واحدٍ منّا ليقوم بمهمته سواء كانت كبيرة أو صغيرة. مما لا شك فيه أن الله يعتني بطيور السماء فيهب كل واحدٍ منها رزقه، ولكنه لا يضع له الرزق والطعام في عشّه، بل يدفعه بالغريزة للبحث عنه، فهل يُعقل أن الإنسان الشريف الناضج والعاقل يحمل منّة الغير ويعيش عالةً على غيره؟ إن النفس شريفة إذا أعانت وأطعمت وساعدت محتاجاً بسبب عجزه؛ لكنها دنيئة إن تركت السعي والكد وتكاسلت لتعيش على حساب الغير أيّا كان. فالإنسان الاتكالي الذي يرفض العمل والقيام بواجبه هو عالة يعيش من تعب الغير، ويطلق القديس فرنسيس الأسيزي على أمثاله: ” ذبابة تعتاش من قذارة الغير”. لذلك يجب أن نقوم بواجباتنا المفروضة علينا بكل أمانةٍ وإخلاصٍ وحُب، فالواجب يشحذ همتنا ويُحيي وجداننا ويرهف شعورنا، كما يجب على كل واحد منّا أن يضع شعاراً لحياته: “السعي والعمل!” ويعمل حسب ما تمليه عليه طبيعته وإمكانياته. فإذا كان نوراً فليضيء أو ناراً فليدفئ، أو ماءً فلينعش، وإذا كان ملحاً فيطهّر النفوس ويقوّيها ويحفظها. فالواجب الذي نقوم به نحو الآخرين بحُبٍ وأمانةٍ يفجّر السعادة في الحياة، ويضمن لنا رضا الله عنّا واحترام الناس لنا، فالسعادة الحقيقية لن نحصل عليها من تحقيق رغباتنا؛ بل من تتميم واجباتنا. علاوة على ذلك، فالقيام بالواجب يمنحنا راحة البال ونشوة السكينة بعد الجهد المبذول، ولا توجد تعزية أكبر من إتمام الواجب، وبذلك نستطيع أن نردد مع ويلسون الشهير وهو على فراش الموت: “الشكر لله! لقد قمت بواجبي!”. إذاً يجب أن نكون أداةً صالحة في المجتمع الذي نعيش فيه وأن نُحب ما نعمل، لا أن نعمل ما نُحب، وأن نخلص في واجباتنا اليومية حتى ننال البركة من الله طوال حياتنا، وأن نظهر محبتنا لله وللجميع من خلال تضحياتنا في سبيل الناس، ونعيد الأمل لمن فقده، والرجاء لمن ليس له رجاء. ونختم بالقول المأثور: “اعمل لدنياك كما لو كنتَ تعيش مخلداً؛ واعمل لآخرتك كما لو كنت تموت غداً”.