الحكومة: تم توجيه المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي في تقدير أسعار التصالح
عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مؤتمرا صحفيا، اليوم، بمقر رئاسة مجلس الوزراء، بحضور كل من اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، والدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وأسامة هيكل، وزير الدولة للإعلام، والسيد القصير، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي؛ وذلك لتوضيح أبعاد قضية البناء العشوائي المخالف في المدن والقرى أمام المواطنين، وما يخص تطبيق قانون التصالح في بعض مخالفات البناء.
وبدأ رئيس مجلس الوزراء المؤتمر الصحفي، بالإشارة إلى أن عقد هذا المؤتمر يأتي في إطار التحاور مع مواطنينا وأهالينا في كافة ربوع مصر حول قضية من القضايا التي شغلت الرأي العام خلال الفترة الماضية وهي التصالح مع مخالفات البناء سواء في المدن أو القرى، مؤكداً أن هذا التحاور يأتي في إطار توجه الدولة والحكومة بضرورة مناقشة واستعراض القضايا التي تهم المواطنين بكل شفافية ووضوح، وهو ما شهدناه في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد والإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الصدد، لتوضيح كافة الأمور المتعلقة بتلك القضايا، وشرح توجهات الدولة والتحديات التي تواجهنا في التعامل مع مثل هذه القضايا، قائلاً: من هذا المنطلق وتعاملاً مع ما يثار في مختلف وسائل الإعلام، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي حول ملف التصالح مع مخالفات البناء، وجدنا أنه من المناسب أهمية التواصل لعرض كافة أبعاد القضية، والتحديات التي تواجهها الدولة في هذا الشأن، وأيضا توضيح الخطوات والجهود التي تقوم بها الدولة؛ سواء حالياً أو مستقبلياً للتعامل مع هذه الظاهرة.
وفي هذا الصدد، أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن ظاهرة البناء غير المخطط، بدأت في مصر منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، وكانت نتيجة لتزايد النمو السكاني الكبير، وعدم القدرة الاقتصادية للدولة خلال هذه الفترة على توفير البديل المناسب من السكن والأراضي للمواطنين، وهو ما دعا المواطنين في هذه المرحلة إلى البناء بشكل عشوائي وغير المخطط من قبل الدولة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي: أغلب هذا البناء تم على الأراضي الزراعية التي كانت تحيط بالمدن القائمة، أو موجودة داخل القرى المصرية، منوهاً إلى أن الظروف الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد في هذه المرحلة دعت الدولة تغض الطرف عن هذه التصرفات التي تحدث من قبل المواطنين وقيامهم بالتعدي على أراض زراعية والقيام بالبناء العشوائي عليها، مضيفاً أن هذه الفترة شهدت كذلك صدور عدد من القرارات والإجراءات لتوصيل المرافق لهذه المباني المقامة بالمخالفة للقوانين، والتعامل مع المواطنين بطريقة ميسرة، وهو ما أوجد اتجاها لدى العديد من المصريين أن البناء بهذه الطريقة هو النمط الغالب الموجود على أرض مصر.
وكشف رئيس الوزراء عن أن البناء العشوائي أو غير المخطط يمثل نحو 50% من الكتلة العمرانية لكل المدن والقرى المصرية، لافتا إلى أنه اعتباراً من منتصف الثمانينيات حتى عام 2015، وصلت نسبة النمو العشوائي في بعض الأحيان إلى أكثر من 70% من حجم البناء الذي يتم، وهو الوضع الذي أدى إلى ظهور حجم هائل من المشكلات والتحديات، التي نلمسها على أرض الواقع كدولة ومواطنين.
محافظة القاهرة توافق على تخفيض أسعار التصالح في مخالفات البناء بحدائق القبة بنسبة 40% (مستند)
وتطرق رئيس الوزراء، خلال حديثه، لما حدث في قرى وريف مصر، موضحاً أن القرى عبارة عن تجمعات سكنية صغيرة تخدم الرقعة الزراعية الكبيرة التي كانت تتمتع بها مصر، لتأمين مصادر الغذاء لكل المصريين، مضيفاً أن هذه الرقعة الزراعية شهدت زحفا عمرانيا بشكل عشوائي غير مخطط على الإطلاق، ويتميز بأنه نمط غير متدرج للبناء أي نمو متبعثر، فضلا عن انتشار “العِزب” والتوابع للقرى غير المرتبطة بالكتلة السكنية، وهو ما مثل ضغطا كبيرا على الدولة، مشيراً في هذا الصدد إلى أنه اعتباراً من عام 1980 حتى الآن فقدنا 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية، 90 ألف منها خلال الفترة من 2011 حتى الآن، وهو ما يُعد كارثة حقيقية، لأنه نتج عن ذلك فقدان مصدر من مصادر الغذاء للمصريين، إلى جانب فقدان العديد من فرص العمل التي كانت مرتبطة بالنشاط الزراعي، وهو ما ألقى عبئا كبيرا على الدولة تمثل في الاضطرار إلى استصلاح مساحات مماثلة في الصحراء لتعويض هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية.
وقال رئيس مجلس الوزراء: تتكلف الدولة ما يتراوح بين 150 إلى 200 ألف جنيه لاستصلاح مساحة فدان في الأرض الصحراوية، أي أنه لا بد من إنفاق نحو 18 مليار جنيه لتعويض الـ 90 ألف فدان المهدرة من الأراضي الزراعية، مع الأخذ في الاعتبار أنه لن يتم تعويض هذه الآلاف من الفدادين، التي فقدناها، بين عشية وضحاها، إذ أن هذا الأمر يتطلب فترات طويلة للغاية حتى ننتهي من عمليات الاستصلاح ونستطيع تعويضها، وما يتضمنه ذلك من مد شبكات ري، وخطوط كهرباء، وأماكن للسكن للمواطنين الذين سيستقرون بها.
وأضاف رئيس الوزراء : الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فيما يتعلق بفقدان الرقعة الزراعية والبناء عليها بشكل عشوائي؛ فبمجرد تواجد الأهالي في هذه التجمعات غير المخططة والعشوائية يقومون بطلب مد المرافق من شبكات صرف صحي وخدمات أساسية، ومدارس، ووحدات صحية وغيرها؛ فأصبحت الدولة تلهث وراء هذه الأماكن العشوائية لتوفير كافة المرافق والخدمات لها، مشيرا إلى أن ذلك يؤدي إلى انتزاع ملكية أراض زراعية أخرى لإقامة محطة للصرف الصحي، أو مياه الشرب، أو إنشاء مدارس لتعليم أبنائهم.
ولحرص الدولة على توفير هذه المرافق لأهالينا في القرى، نضطر لنزع ملكية أراض أخرى، وتعويض أصحاب هذه الأراضي، وهو ما يكلف الدولة الكثير، إضافة لتكلفة مد شبكات المرافق بأطوال أكبر ومحطات أكبر؛ للوصول إلى هذه التجمعات العشوائية داخل الأراضي الزراعية، وكان من الممكن أن تكون تكلفة توصيل هذه المرافق أقل بكثير للغاية، إذا ما كان نمو المباني يسير بشكل مخطط.
ولتوضيح حجم مشكلة المباني المخالفة، ضرب رئيس الوزراء مثالا بالريف المصري، لافتا إلى أنه في عام 2014 ، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بالبدء في تنفيذ مشروع كبير يتمثل في توصيل الصرف الصحي لكل القرى، مشيرا إلى أنه كان مسئولا عن هذا الملف آنذاك حينما كان يتولى وزارة الإسكان والمرافق، وقال إن حجم تغطية الريف المصري من الصرف الصحي كان لا يتجاوز 12% من الريف، ولم تكن تكلفة إجمالي المشروعات تتجاوز 180 مليار جنيه لخدمة باقي الريف، وأصبح حجم التغطية الآن نحو 40% من الريف المصري، ومع استمرار النمو العشوائي والعزب وتوابعها، فأصبحت تكلفة التغطية تتضاعف، الأمر الذي جعل الحكومة بحاجة إلى ضخ أكثر من 300 مليار جنيه في هذا الأمر، وإذا ما أخذنا في الاعتبار استمرار الوضع الحالي كما هو دون تغيير عشوائي إضافي، فنحن نحتاج لوقت وجهد كبير ومستلزمات ومعدات تصنع خصيصا لهذا الغرض، وهو ما يستلزم فترات زمنية أطول يمكن أن تمتد إلى 10 سنوات حتى ننتهي من تغطية الريف بشبكات الصرف الصحي، مع استمرار هذا النمو العشوائي، وكأننا نسير إلى سراب لن يتحقق، أو في حلقة مفرغة لن نستطيع الخروج منها بهذا الوضع.
أبرز تصريحات رئيس الوزراء عن قانون التصالح الخاص بمخالفات البناء
وخلال المؤتمر الصحفي، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن عدد الطلبات التي تم تقديمها للتصالح ليس متوافقا مع أعداد المخالفات الموجودة؛ لأننا نعلم جيدا أن المخالفات الموجودة على الأرض بالطبع تفوق ما تم تقديمه من طلبات، وهو ما دعا الدولة لبحث وجود مشكلات تطبيقية في القانون.
وأضاف رئيس الوزراء: طلب مجلس النواب إدخال بعض التيسيرات على القانون نتيجة ظهور عدد من التحديات عند التطبيق، وبدأ أيضا طرح التساؤل حول كيفية التعامل مع المباني المخالفة قبل عام 2008، خاصة أن القانون يحصر أعمال الإزالة على تلك التي تم بناؤها منذ عام 2008 حتى الان، وهو ما دعانا جميعا بعد محاولات التفعيل منذ إبريل 2019 حتى بداية عام 2020، ونحن غير قادرين على عدم الاستفادة من هذا القانون الذي كان هدفه هو إيقاف نزيف البناء المخالف، لذا وجدنا معا، الحكومة مع مجلس النواب، أننا بحاجة لتعديل هذا القانون، وبناءً عليه صدر التعديل بالقانون رقم 1 لسنة 2020 لتبسيط إجراءات التصالح.
وفيما يتعلق بقانون 1 لعام 2020، قال الدكتور مصطفى مدبولي إن هذا القانون فتح المجال لضم جميع المخالفات حتى التي تم بناؤها قبل عام 2008، ونص صراحة على سداد قيمة التصالح على أقساط ولمدة ثلاث سنوات وبدون فوائد، وكان القانون قبل تعديله يلزم بسداد قيمة التصالح بصورة فورية، كما سمح القانون 1 لسنة 2020 للمواطن أن يتظلم من عدم قبول طلب التصالح ومن قيمة التصالح نفسها، وهو ما لم يكن منصوصا عليه في القانون القديم.
وأضاف رئيس الوزراء أن القانون الجديد يسّر على المواطن تقديم كل المستندات التي تدل على المخالفة، وأن أي مستندات ستقدم سيتم النظر إليها، وفي الوقت الذي كان القانون القديم يتضمن أنه لابد أن يقوم مكتب استشاري هندسي بتقديم شهادة بالسلامة الإنشائية للمبنى، وهو ما رافقه شكاوى من المواطنين من استغلال هذه المكاتب والمغالاة عند استخراج هذه الشهادات، فإن التعديل على القانون اشترط أن تكون الشهادة من مهندس نقابي وليس مكتبا هندسيا أو استشاريا، حتى مع عدم العودة للنقابة وذلك تيسيرا للمواطنين، طالما أن المهندس عضو بالنقابة.
وتابع الدكتور مصطفى مدبولي: قانون التصالح ليس إجراء عقابيا، ولكن بالعكس تماما يخدم المواطنين الذين استثمروا جزءا من أموالهم وثرواتهم في إنشاء عقارات على الأراضي، لافتا إلى أن التصالح له فوائد كثيرة مهمة للغاية تعود على المواطن، فالعقار بمجرد التصالح عليه يأخذ صفة الرسمية، وبالتالي أصبح حقا على الدولة أن تقوم بإدخال المرافق له بصورة رسمية وغير ملتوية، خاصة مع علمنا جميعا بما كان يحدث عند الرغبة في توصيل المرافق للمباني المخالفة فيما يتعلق بسرقات الكهرباء وتوصيل المياه بصورة غير رسمية.
رئيس الوزراء: قانون التصالح سمح لشاغلي العقار التقدم بطلب للتصالح حال عدم وجود المالك
ولفت رئيس الوزراء إلى أنه بمجرد أن تتم عملية التصالح فإن القيمة العقارية للمبنى تتضاعف عدة مرات، والأهم أنه بمجرد الحصول على المستندات التي تثبت الوضع القانوني للعقار سيكون باستطاعة مالكه التعامل في النور في عمليات البيع والشراء والاستفادة من الأصل في التعامل مع البنوك، لأن الأصل أصبحت تقره الدولة وتعترف به، وبالتالي سيتم تداوله بالقيمة الحقيقية والسوقية له ووفقا لحركة السوق.
وأوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة تسعى لوقف المزيد من النمو العشوائي ونغلق ملف التصالح وتقنين الأوضاع، ومن أجل ذلك نص القانون صراحة على تحديد 6 شهور من أجل إنهاء هذا الجدل، يقوم خلالها المواطنون بالإسراع في تقديم طلبات التصالح، مجددا الطلب للمواطنين بالإسراع في تقديم الطلبات حتى نغلق جميعا دولة ومواطنين هذا الملف الذي تعاني منه مصر من أكثر من 40 عاما.
وتطرق رئيس الوزراء إلى شكاوى المواطنين التي تصل للحكومة عبر منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، وأيضا الشكاوى التي نلمسها من واقع الجولات التي نقوم بها، ومن اجتماعاتنا مع المحافظين، والتي تتمثل في شكاوى بعض المواطنين من تعدد المستندات المطلوبة وعدم قدرتهم على استيفائها جميعا، مع رفض الجهات التنفيذية هذه المستندات في حالة عدم اكتمالها.
الشكوى الثانية التي أشار إليها الدكتور مصطفى مدبولي هي ارتفاع القيمة المقررة كرسم للتصالح على المتر في عدد من المناطق، إذ يرى أصحاب هذه الشكاوى أن تلك الأسعار مبالغ فيها، مطالين الدولة بالتدخل لإيجاد حل لمسألة ارتفاع قيم التصالح.
أحمد موسى: بقول على الهواء وأمام ربنا مفيش مواطن راضي عن أسعار التصالح (فيديو)
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس الوزراء أن المحافظات لم تحدد الأسعار بطريقة جزافية، لكنه طبقا للقانون يوجد لجنة مُشكلة، يشارك فيها العديد من الجهات في الدولة وتضم أيضا خبراء تقييم تضع هذه الأسعار، ورغم ذلك، وفي ضوء تكرار هذه الشكاوى تم توجيه المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي وأن نراجع بأنفسنا تقديرات الأسعار الأولية التي تخرج عن هذه اللجان، مشيرا إلى أنه من الوارد وجود مناطق شديدة التميز من الناحية الجغرافية ولكن أوضاع أهالينا من القاطنين بها هي أوضاع بسيطة وربما لن يستطيعوا دفع القيم الأولية للتصالح، ومن أجل ذلك “أكرر مرة ثانية كان التوجيه للسادة المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي”، ونتيجة لذلك، حدث تخفيض للقيم في العديد من المحافظات بنسب تتراوح من 10-55% من القيم التي كانت اللجان حددتها في السابق.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي أنه في إطار السعي نحو تطبيق القانون ووقف نزيف مخالفات البناء العشوائي تم توجيه كل الإدارات المحلية وأجهزة المدن الجديدة باستلام كافة الطلبات التي يتقدم بها المواطن بغض النظر عما إذا كانت المستندات مكتملة أم لا، فبمجرد تقديم الطلب سيتسلم المواطن “نموذج 3” والذي يرجع أهميته إلى أنه بمجرد حصول المواطن عليه، سيتم وقف جميع الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد المخالفة من إجراءات هدم، وحتى الأحكام سيتم تجميدها لحين إجراءات التصالح، مع إعطاء المواطن فترة بعدها لمدة شهرين لاستكمال أوراقه.