«الجزر النيلية» قطع ألماس تنتظر التنمية لتزيل سرطان العشوائيات
وهب الله النيل لمصر ليكون شريان الحياة ومصدر التنمية والنهضة ورافدًا أساسيًّا في بناء الحضارة، وقد قال عنه المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت: “مصر هبة النيل”، فقد منح هذا النهر العتيق مصر مناجم ذهب على طول امتداده من أسوان جنوبا حتى البحر المتوسط شمالا، يطلق عليها “الجزر النيلية”.
وتحتل تلك الجزر مساحة كبيرة وسط نهر النيل، فمصر تمتلك 144 جزيرة كمحميات طبيعية وفقا لقرار رئيس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998، منها 19 جزيرة بفرع دمياط و 95 جزيرة بالوجه القبلي و30 جزيرة بفرع رشيد، وتقع تلك الجزر بـ 14 محافظة هي: القاهرة، الجيزة، القليوبية، الدقهلية، كفر الشيخ، المنوفية، الغربية، دمياط، بني سويف،المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، وأسوان.
ورغم ذلك فإن مصر لم تستفد على مر العصور من الأهمية الكبيرة لتلك الجزر التي تقع في مناطق فريدة من نوعها، بل تركتها فريسة لقطار العشوائيات الذي لا يقف على محطات، ولكن في الفترة الأخيرة التفت الدولة إلى أهمية تلك الجزر وبدأت في عمليات تطوير وإزالة العشوائيات ووقف البناء المخالف علي تلك الجواهر النيلية لتطويرها بنظام الشراكة مع مستثمري القطاع الخاص من أجل تحقيق مكسبين الأول المردود المادي والثاني القضاء علي العشوائيات في صورة استثمارية جديدة، كما قامت الحكومة بطرح جزء منها أمام المستثمرين المصرين والعرب والأجانب.
وتقع الجزر النيلية وسط النهر وتتكون كنتيجة طبيعية لترسيب مياه النهر لحمولتها من رمل وحصى وبقايا حيوية في نقطة معينة على مر الزمن، وبعض الجزر النهرية مؤقتة وتزول في حالة تغير سرعة تيار النهر بينما العديد منها تبقى وتشكل مناطق حيوية سكنية كجزيرة الزمالك في مدينة القاهرة.
وتختلف قيمة كل جزيرة عن الأخرى حسب موقعها والأمكان الحيوية المطلة عليها، فمثلا لا تقارن جزيرة بمدن صعيد مصر كمثيلتها بالقاهرة الكبرى، ولا توجد هناك احصائية دقيقة تحدد سعر كل جزيرة إلا في حالة قيام الدولة بتنميتها وبالتالي تظهر ملامح الاسثتمارات المرتقبة لها وقيمتها السوقية.
وأكدت المهندسة سلوي عبد الوهاب، نائب رئيس الهيئة للتخطيط والتنمية العمرانية التابعة لوزارة الاسكان لـ”القاهرة 24″، أنه في ظل اهتمام القيادة السياسية بتطوير المناطق العشوائية ومنع التعدي علي نهر النيل باي شكل من الأشكال، الأمر الذي دعا وزارة الاسكان بالتعاون مع باقي الأجهزة المعنية بوضع تصور ومخطط عام لبعض الجزر المهمة لبدء أعمال التطوير واعادة رسم خريطتها من جديد.
محمد الجابري في أول حوار له: “أغلب قرى الساحل الشمالي مخالفة شروط البناء ولم نصدر أي قرار إزالة للآن”
وأضافت سلوي عبد الوهاب، أنه في الوقت الراهن أصبحت 17 جزيرة فقط من إجمالي 144جزيرة تجمعات سكنية وليست محميات طبيعية، وتعتبر تلك الجزر هي البداية لعمليات التطوير التي تبنتها الدولة مؤخرا، وذلك وفقا لقرار رئيس مجلس الوزراء في يونيه 2107 باستبعاد الجزر من نطاق قرار رئيس الوزارء رقم 1969 لسنه 1998، وهم: جزيرة الوراق والذهب والقرصاية وكفر بركات والرقة وحلوان البلد والشوبك والعياط وكفر رفاعي والديسمي والكريمات.
ووفقا للمهندسة سلوي، تم تشكيل عدد من اللجان متعددة الجهات وكانت من ضمنهم الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وتم وضع المخطط العام لتلك الجزر ووضع التصور النهائي للمشروعات التي تقام عليها والمرود المادي منها لسرعة طرحها علي المستثمرين وبدء الدولة اعمال التنفيذ.
وكانت بداية عملية التطوير من خلال جزيرة الوراق التابعة لمحافظة الجيزة والتي تتميز بموقعها الفريد حيث تقع في قلب نهر النيل، ويحدها من الشمال محافظة القليوبية ومن الشرق محافظة القاهرة ومن الجنوب محافظة الجيزة، كانت تعتبر محمية طبيعية حتي خرجت من المحميات الطبيعية بقرار مجلس الوزراء.
وتبلع مساحة الجزيرة حوالي 1400 فدان تقريباً ويقطنها أكثر من 40 ألف نسمة، وقد مرت عقود وتراكم البناء فوق ظهر الجزيرة مما حولها إلى منطقة عشوائية تعاني من العزلة عما حولها حيث لا توجد وسيلة مواصلات حضارية، كما تعاني من عدم وجود بنية تحتية حديثة ومخططة أو مشروعات خدمية فباتت الجزيرة اشبه بورم في جسد القاهرة بدلا من أن تتحول إلى ايقونة ساحرة تخطف الأنظار.
وقال الخبير والمثمن العقاري إبراهيم عارف رئيس مجلس إدارة عارف وشركاه للتثمين، لـ”القاهرة 24″، إن جزيرة الوراق تعتبر قطعة من الألماس على جبين القاهرة، ولكن قيمتها الحقيقية مهدرة بشكل مؤسف، نظرا لعدم وجود خطة لاستغلال هذه الجزيرة.
وبحسب الخبير العقاري فإن أراضي الجزيرة على وضعها الحالي تعتبر لا قيمة لها بالنسبة للمستثمرين، ولا تساوي شئ على وضعها الحالي نظرًا لأن الأرض غير خالصة ومشغولة من قبل المواطنين، وتقديريا يصل سعر المتر في جزيرة الوراق لحدود 90 ألف جنيه، وفقا لعارف، ولكن هذا السعر يمكن الوصول اليه بشرط، أن يكون هناك مخطط شامل تم إعداده بشكل تفصيلي لمساحة الجزيرة بالكامل ويتم عمل شوارع وميادين ومرافق وبنية تحتية حديثة تراعي البعد الجمالي للجزيرة، ومع وضع المخطط المناسب فإن الاسعار فيها قد تنافس اسعار الاراضي في الزمالك وربما تفوقت عليها.
وكانت الجريدة الرسمية نشرت في يونيو 2018 قرار رئيس مجلس الوزراء السابق شريف إسماعيل، بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة “الوراق” يتبع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
وفي سبتمبر 2018، ذكرت وزارة الإسكان، أن مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية وافق على مذكرة بشأن إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي جزيرة الوراق، يتبع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، تحت مسمى جهاز تنمية جزيرة الوراق الجديدة وذلك تمهيداً للبدء في تنفيذ مخطط تنمية وتطوير الجزيرة، بالتعاون بين الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
وسرعان ما كان رد فعل سكان الجزيرة بعدم قبول تهجيرهم عنوه من الأراضي التي عاشوا عليها علي مدي عصور سابقة ومن هنا بدأت الأزمات بين الدولة وسكان تلك الجزيرة والتي وصلت إلي المناوشات بين الجانبين استمرت فترات طويلة، وما زال القضاء المصري ينظر في أوراقها حتي كتابة سطور هذا التحقيق، ولكن الدولة بدأت علي الفور تقديم مقترحات للسكان كتعويض لأهالي جزيرة الوراق سواء كانوا ملاكاً أو مستأجرين أراضي أو وحدات سكنية، من خلال حصولهم علي مبالغ مالية او تقديم وحدات سكنية لمن لديهم رغبة التنازل علي منازلهم بالمدن الجديدة التابعة للدولة المصرية أو عن طريق حصولهم علي تعويضات مالية.
ووفقا لتصريحات المهندس عبدالمطلب عمارة، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لشئون تطوير وتنمية المدن الجديدة، أنه تم الحصول على ما يقرب من 120 فدانًا، ويتم العمل الآن على استرداد 300 فدان، وتم سداد ما يقرب من مليار و600 مليون جنيه لأهالي جزيرة الوراق كتعويض لهم حتي الآن.
ووفقا للمخطط الجديدة لهيئة التخطيط التابعة لوزارة الاسكان تصل التكلفة الاقتصادية للمرحلة الأولي للجزيرة حوالي 17.5 مليار جنيه، تتوزع كالتالي: 1.1 مليار جنيه للمناطق الخضراء والمفتوحة، و4 مليارات جنيه للمرافق، و400 مليون جنيه لإنشاء شبكة الطرق، و5 مليارات جنيه لإنشاء 10 آلاف وحدة سكنية لمناطق إعادة التخطيط، و7 مليارات جنيه تعويضات للأهالي ونزع الملكية، ومن المتوقع تحقيق 112.54 مليار جنيه إيرادات كلية من المشروع، إضافة إلى 20.422 مليار جنيه إيرادات سنوية لمدة 25 سنة
لم يقتصر الأمر عند تطوير جزيرة الوراق فقط بل أمتد أيضا لتخطيط جزيرة الذهب والتي تقع بين القاهرة والجيزة، وتقام علي مساحة 342 فدان وهي تتبع مركز الجيزة إداريًا، كما تسعي الدولة أيضا الي تطوير باقي الـ17 جزيرة الاخري تباعا، ولكن تنتظر لحين البت في قضية جزيرة الوراق لعدم اثارة الرأي العام من جديد.
وينتظر المستثمرون المصريون قيام الحكومة المصرية بالاعلان عن الفرص الاستثمارية المتاحة بتلك الجزر للمشاركة في عملية التنفيذ وهو ما أكده آسر حمدى، رئيس مجلس إدارة شركة الشرقيون للتنمية العمرانية لــ “القاهرة 24” أن المطورين العقاريين يهتمون بجميع أنواع الاستثمار العقارى سواء الجزء النيلية أو داخل القاهرة الخديوية، معتبرا أن المناطق التى تطورها الحكومة وتستعد لطرحها على المطورين ستلاقى إقبالا كبيراً فور طرحها على المطورين، نظرا لتمتع جزيرة الوراق بفرص استثمارية هائلة للمطورين لتنفيذ وحدات متعددة الاستخدامات ما بين سكنية وسياحية.
وهو ما أكده أيضا أيمن سامى رئيس شركة جى إل إل مصر للاستشارات، أن طرح مصر للفرص الاستثمارية بالقطاع العقاري سيساهم فى جذب صناديق الاستثمار الأجنبية والعربية للاستثمار، في البقع الأكثر إطلاله علي النيل
ويرى أن الاستثمار بجزيرة الوراق يتجه نحو الوحدات الفندقية كاملة التشطيب، كونها ستخدم شريحة كبيرة من السائحين، ورواد القاهرة الخديوية والمصريين الراغبين فى استثمار الأموال في مشروعات عالية الربحية.