“أحضان بديلة”.. العنف الأسري يدفع الفتيات للبحث عن ملاذ آمن خارج الأسرة (تفاصيل)
يتسبب العنف الأسري، في خلق مأساة كبيرة داخل الأسرة، خصوصا بعد تعرض الأطفال بمختلف أعمارهم للتعنيف سواء كان بالضرب أو بالتوبيخ، وقد ينتج عن ذلك ميلاد فكرة الهروب من رعب العقاب داخل المنزل والبحث عن بيئة أكثر أمان خالية من العقاب.
ولعل واقعة اختفاء الإسكندرية، كانت أكبر دليل على مخلفات العنف الأسري، فقد تم تداول قصة هروب الفتاة بمختلف المواقع الإلكترونية، بعد كشف تعرض الفتاة للضرب من قبل والدها بقطعة من الخشب، ما جعلها تفر هاربة من منزلها دون أن تفكر في أي شيء سوى النجاة من جحيم الأب.
عقبت الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع، على “هروب الفتيات من المنزل”، رافضة تسمية ما حدث مؤخرا بالظاهرة، لأنه كان موجودا، ولكن الإعلام عل اختلاف وسائله جعل الناس تعتقد أنها ظاهرة.
في تصريح سابق للمجلس القومي للطفولة والأمومة، فإن أبرز أشكال العنف شيوعا في مصر هو ذلك الموجه من الآباء والأمهات تجاه أبنائهم وبناتهم، فقد تلقى خط نجدة الطفل خلال الثلاث سنوات الماضية بلاغات تعذيب أطفال عديدة، ففي عام 2017 قد رصد “نجدة الطفل” 1959 بلاغا، أما في عام 2018 فقد رصد الخط 8000 بلاغا، وفي عام 2019 رصد الخط 11924 بلاغا، كانت محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية في المقدمة.
وأوضحت لـ”القاهرة 24″ أسباب الهروب وهي تعرض الفتاة للعنف والضرب من الأهالي، أو اغتصابها على الزواج من شخص لا تريده، أو الرغبة في تكملة تعليمها، مع الحرية الموجودة ومع العولمة ومع حقها في أن تعيش كما تريد، واعتقاد الأهل أن الابن أو الابنة مجرد سلعة، مشيرة إلى أن هروب الفتيات من المنزل موجود في كل العالم، ويوجد في إيطاليا وإسبانيا، ولكن لأن الإعلام أصبح يلقي الضوء على الأمر مؤخرا فظن الناس أنه أمر جديد.
العنف الأسري
وتابعت: “في ناس بتهرب من كل حتة من البيت ومن الملجأ ومن المدرسة، كل أفلام زمان كانت تعرض هروب الفتيات من المنزل يوم الفرح، إننا ننادي بأن الآباء لا يعتبرون الأبناء سلعة، لديهم حق الاختيار وحق الرفض وحق الحياة، ليس من حقك غصب البنت على شيء، الهروب ليس إيجابي للأسرة ولا البنت، عاوزين تقارب بين الأهل والبنات، الخطأ من الأهل أنفسهم أي كانوا هم مين، لا يتلخص في هروب البنات فقط”.
إنجي جمال فين؟.. تريند “بنت قويسنا” يتصدر تويتر بعد اختفاء فتاة المنوفية
وأكد الدكتور وليد هندي، طبيب نفسي، إن هروب الفتيات من المنزل أصبح ظاهرا جليا في شكل حوادث متكررة، كان موجودا وقاصرا على بعض البيئات التي لديها مستوى اقتصادي منخفض، وبالتالي خروج الفتاة من قريتها مثلا ورغبتها في التغيير، أو هروبها نتيجة مشاكل في التواصل الإنساني والاجتماعي مع الأم والأب حتى يحدث عامل مفجر يدفعها لذلك، فقرار الهروب تراكمات وليس وليد اللحظة، العامل المفجر يؤخذ به القرار ويكون نتيجة موقف معين أو مرحلة عمرية معينة وهي المراهقة.
وأضاف لـ”القاهرة 24″ أن الأسباب التي تدفع الفتاة للهروب من منزلها هي العنف بين الأهل والفتاة وكذلك عدم الرقابة على الأبناء، فالأباء أصبحت تعمل كمنتجين وليس كآباء، نحن نترك الأولاد تنمو وليس تكبر.
وأردف: “الأب مبيكنش عارف هي بتكلم مين، ففي الماضي كان من يدخل البيت يدخله من الباب، أما حاليا فأصبحنا بلا أبواب ولا جدران، والنت جمع الناس، وإهمال الأهل يجعل الفتاة من السهل عليها أخذ قرار الهروب، فليس هناك متابع لها، وما يعززها الإعلام، فهو يعطي صورة جاذبة للفتاة التي تهرب وتشرب السجائر وتنطلق وتسافر وتستقل، والإنترنت الذي يعطي مجتمع افتراضي مفتوح بلا قيود، مع شعور الفتاة أنها تهرب من أمور معينة يحفز لديها الرغبة في الهروب والانطلاق”.
وتابع الطبيب النفسي أن اهتزاز الصورة الذهنية للأب والأم من أهم أسباب الهروب، فالفتاة من الممكن أن ترى والدتها تشرب السجائر أو تتحدث على الإنترنت أو الأب معتاد الخيانة الزوجية، وبالتالي تهرب لتخفيف حدة الأثر النفسي من باب “أنت بتعمل وأنا بعمل” وبالتالي تتجرأ في إنها تأخذ القرار وتهرب.
ضحايا العنف الأسري
وأوضح: “كان هناك دراسة قديمة تؤكد أن 60% من الفتيات تهرب بسبب العلاقات الغرامية، هي تحبه إنما هو يستقطبها وبالتالي فإن الفتاة لديها عدم شعور بالأمن العاطفي والأمن النفسي، وبالتالي يتكون لديها علاقة بين وجوده وبين الإحساس باللذة وتفريغ الطاقات وسد الاحتياجات، ونفس الدراسة أوضحت أن 25% من الفتيات تهرب نتيجة القسوة من الوالدين والإهمال العاطفي، و10% يهربون حتى يحققوا الشهرة والبحث عن المال، تأتي الفتاة من القرى ومن النجوع وتكون النداهة ندهتها وبهرتها أضواء المدينة، وكذلك من ضمن الأسباب هو المحاكاة والتقليد لغيرها”.
التحقيقات تكشف حقيقة اختفاء فتاة بالإسكندرية: تركت المنزل بسبب شقيقها المصاب بالتوحد
وأكد الدكتور أن المرحلة العمرية التي تمر بها الفتاة عليها عامل كبير في أخذ قرار الهروب من المنزل، ففي سن المراهقة، إن لم تجد الفتاة الدفء في المنزل تبحث عنه خارجيا، ومع العنف المادي والمعنوي والتنكيل العاطفي بالفتاة يجعلها تأخذ قرار الهروب، وكذلك عدم وجود لغة حوار مشتركة بين الفتاة والأم يكون دافعا للهروب.
وبيّن الطبيب سمات مرحلة المراهقة لدى الفتاة، فيكون للفتاة نزعة استقلالية ورغبة في إثبات الذات، ونزعة للميل العاطفي تجاه الأصدقاء، تشعر بالتمرد وهذه طبيعة مرحلة، ولو لم يحتوى الأهل ذلك فإنه يؤدي للهروب ولاسيما في غياب الرقابة مع حدوث الإهانة والفجوة بين الأم والفتاة، كل ذلك مع التصدع الأسري، فتوجد علاقة بين الأسرة المفككة وبين هروب الفتاة خارج المنزل سواء مفككة نتيجة الطلاق أو الهجر أو السفر للخارج دون متابعة أو مفككة وظيفيا بدون متابعة للأبناء.
ويطرح هندي الحلول للتصدي لهروب الفتيات من المنزل موضحا أن الحل يكون بأن نستغل حوادث الهروب ونحاول مناقشتها أمام الأبناء، وماهية المخاطر التي تحيط بالفتاة التي تهرب، وتوضيح سلبيات ذلك ومناقشته كأن تكون الفتاة ضحية للاستغلال الجنسي الواضح، أو الجريمة ومشاكل صحية وقانونية عديدة، المناخ الموجود يجبر على تعاطي المخدرات والكحوليات.
علاج العنف الأسري
وأردف: “الوقاية خير من العلاج، نعكس كل الأسباب التي ذكرناها ونصاحب الفتاة وننمي لديها النزعة الأخلاقية والدينية ويكون هناك لغة حوار مشتركة مع الحنية والعطاء والعطف وإشباع الجانب الروحي وإحساسها بذاتها وتعززيها بالرسائل الإيجابية، كما أن الدولة عليها أن تكثف من الإعلانات عن الخط الساخن للطفل، والإعلام يجب أن يعطي صورة ذهنية إيجابية للفتاة التي لا تهرب خارج الأسرة، ولابد أن يلاحظ الأهل العلامات التي تظهر على الفتاة قبل مرحلة الهروب”.
وذكر هندي أن الفتاة قبل القرار تختلق بعض المواقف التافهة وتغيب بالساعات خارج المنزل، وتصرفاتها ربما تكون غريبة فمثلا وضع مكياج بشكل فج وغيره، كما أنها قبل الهروب توجه أسئلة غريبة للمقربين منها “أنا لو مشيت تدوروا عليا؟”، “لو غبت عنكم وحشتكوا هتعملوا ايه؟” هذه الأسئلة الغريبة تحوم حول الفتاة وأهلها وتمثل دلالة ومؤشرا واضحا.
وأسهب وليد هندي في ذكر العلامات التي تظهر على الفتاة قبل اتخاذ قرار الهروب، فهي تلجأ لمحاولة الانتحار أو الهروب للخارج للفت الانتباه، فهي تقول بذلك “أنا في مرحلة خطر أنا ممكن أضيع منكم”، فهي رسالة موجهة منها للوالدين، ومحاولتها للانتحار لا يكون انحرافا سلوكيا إنما للفت الانتباه.
وعن العنف الأسري أشار هندي إلى أن الفتاة التي تهرب من المنزل بعد عودتها تعاني من الوصمة الاجتماعية، فتكون عارا على العائلة، تفتقد الأصدقاء والسند الاجتماعي ومن الممكن الزواج وعدم تكملة مراحل التعليم، تكون منتقصة الأهلية والقانونية، ومن الممكن أن يحدث لها إثبات نسب حينما تتزوج وليس هناك التحاق بوظيفة جيدة حينما تعمل، وبالتالي فإن من المهم الإشارة لهذه المخاطر التي تلحق بالفتاة، فالتلويح بالعقاب أهم من العقاب نفسه.