هدى زكي تكتب: الحنين للحرملك.. رايات سود
يقول ابن رشد “إذا أردت أن تتحكم فى جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف دينى”، أوجزت تلك المقولة الشهيرة كل ما أثير في الأيام الماضية من ضجيج مسموم يدفع المرأة عمدا للرقص على نصل سكين، بدم بارد ، أن تنزف في صمت بلا قطرة دم واحدة، أن ترتجف حد تكسير العظام، وتختنق والهواء ملئ رئتيها، وتنتهك أنوثتها قربانا لأوهام معتقة بالذل والحرمان.
تحت شعار “الشرع محلل أربعة، وخديه متجوز واصرفي عليه، والمشروب السحري للقضاء على العنوسة والتحرش والاغتصاب وجلب الحبيب!”، سادت حالة من الجدل الزائف لملء ساعات من فراغ برامج التوك شو واللهث المحموم لتصدر التريند، فالأفكار الشاذة دائما تجد طريقها سريعا إلى السوشيال ميديا كفقاعات الهواء يغريها الارتفاع عاليا ليقتلها الاضمحلال.
صار الحنين لأغلال الحرملك طريقا سريعا للشهرة وتصدر المشهد، رايات سود تلوح بها بضعة نساء بالمدينة ألبسوا صخبهم وتطرفهم الفكري لباس الدين والوعظ والإرشاد وجعلوا من تجاربهم الشخصية نبراسا لهداية بني البشر، أساليب مضللة ليست بالجديدة، حق يراد به باطل، يعتمد على قلب الحقائق وتجزئتها ووهم الناس بأنها الحقيقة كاملة، ولكن كعادة أزلية فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.
لا أعرف السبب الحقيقي لنفث هذا السم في أعين المجتمع في هذا التوقيت؟!، أبواق نسائية تتعمد تصدير صورة نمطية كاذبة للرجل المصري كمغلوب على أمره، محروم كل الحرمان من كافة حقوقه، عاجز عن التكفل باحتياجاته ومتطلبات أسرته!، مطالبة الزوجة بإعالة زوجها ماليا ومباركة زواجه مثنى وثلاث ورباع كعلاج مؤكد لكافة مشاكل المجتمع المصري من العنوسة إلى الشذوذ والطلاق والاغتصاب، ناصحة الأزواج بمساومة زوجاتهن على الزواج من أخرى كي تظل الزوجة خاضعة ذليلة.
تأتي دعوات تعدد الزوجات لتطفو على السطح مجددا كزبد البحر، في الوقت الذي يشهد كفاح المرأة المصرية لنيل حقوقها التي كفلها الشرع والقانون، وسعى القيادة السياسية الدؤوب لتمكينها من مكتسباتها وإقرار العديد من القوانين مثل تغليظ عقوبة التحرش، وتجريم الحرمان من الميراث، إلى جانب قانون الخدمة المدنية، وقانون مكافحة الجرائم الالكترونية ومن بينها التحرش، وقانون الاستثمار الذي يقر تكافؤ الفرص بين الجنسين.
لقد جاء الدين الإسلامي الحنيف ليحرر المرأة من أغلال الجاهلية ، ليصون لها كرامتها فلا تهان، محافظا على صحتها النفسية والجسدية مترفقا بها في كل أمر، لا يحملها ما لا تطيق، وقد أجمع كبار العلماء والفقهاء على أن الأصل في الدين الإسلامي هو الزواج بزوجة واحدة وأن تشريع التعدد مشروط ومقيد، وقد أوضح شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب في مارس 2019 مفهوم التعدد قائلا: “أن من يقولون إن الأصل في الزواج هو التعدد مخطئون، فإن الأصل في القرآن هو “فإن خِفتُم ألا تعدلوا فواحدة”.
وتابع “علينا أن نقرأ الآية التي وردت فيها مسألة تعدد الزوجات بشكل كامل، فالبعض يقرأ مثنى وثلاث ورباع، وهذا جزء من الآية، وليس الآية كاملة، فهناك ما قبلها وما بعدها”.
ولنا في رسول الله قدوة حسنة وهو الذي لم يشرك السيدة خديجة بأي زوجة حتى وفاتها، ولم يعدد الزوجات إلا وعمره 53 عاما ولم يكن المقصود بهذا الشهوة الجنسية مطلقا، كما رفض النبي زواج علي ابن أبي طالب على فاطمة، لذلك فإن الأصل عند الشافعية والحنابلة عدم التعدد في الزوجات.
إن قوامة الرجل على المرأة هو من أهم الحقوق التي أعطاها الله للرجل بمقتضى قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ “البقرة: 228″، وقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ “النساء: 34″، والمراد بالقوامة هنا القيام على أمر النساء بالحماية والرعاية وتلبية مطالب الحياة، وليس القهر والاستبداد بالرأي، وليس مساومة الزوجة على أمانها واستنزافها ماديا ونفسيا، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء”.
إن للزوجة حقوقا وواجبات أقرها الشرع والقانون، بما يكفل الحياة السعيدة للرجل والمرأة لا تقبل المساومة أو التهديد والترهيب، وزواج الأنثى ليس بالجائزة الكبرى التي يجب أن تموت في سبيل الحصول عليها، أما العنوسة فهي فنكوش بشري، دأب على ترويجه الجُهال للحط من قدر المرأة وقصر دورها في الحياة على كونها وعاء للمتعة وتفريغ الأطفال، وإن لم يكن الزواج بالمرسى الآمن لكل امرأة من توحش هذا العالم فلا أهلا ولا مرحبا به.