الأحد 17 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

“سنجل مازر”.. قصص أمهات أنْجَبْنَ بـ”الكفالة” أطفالًا بلا حَبَل (صور وفيديو)

القاهرة 24
تقارير وتحقيقات
الأحد 18/أكتوبر/2020 - 08:37 م

تظل غريزة الأمومة تلاحق كل أنثى حتى بعد بلوغها، فلا شيء في الحياة يضاهي شعورها بإنجاب طفل ورؤيته يكبر يومًا بعد يوم ويرافقها رحلة الحياة، مسئولية ليست بالسهلة، ووجودُ شريكٍ لا شك أنه يُخففُ من وطأتها، ولكن هناك بطلات يلعبن دور الأم والأب لأجل حياة كريمة ودافئة لأطفال كريمي النسب، بعد حرمانهم منها.

“عايزة أنقذ ولو طفل من حياة الملاجئ الباردة ومأساتها”.. قبل 25 عامًا قررت ياسمينة الحبال، البالغة من العمر 15 عامًا حينها، أن تكفل طفلًا مستقبلًا أيًّا كانت حالتها الاجتماعية، وبعد التخرج من الجامعة تكفلت بـ8 أطفال بدار أيتام، إذ حينها لم يتح القانون حق الكفالة للآنسات، حتى أعطتها التضامن قبلة الحياة بإتاحة الكفالة لمن تخطت أعمارُهنّ الثلاثين عامًا، لتأخذ الخطوة التي طالما ما حلمت بها.

كغيرها من صاحبات جنسها كانت غريزة الأمومة محركها الأول، ولم تستطع التغافل عنها منذ نعومة أظافرها، تسرد الفتاة الأربعينية، “في طفولتي لما كان حد بيسألني نفسك تبقي إيه لما تكبري كان ردي إني عايزة أبقى أم لـ5 أطفال.. بعد ما تكفلت بالأطفال ووصلوا لسن الـ20 سنة، اتناسيت وبقيت على تواصل ببنتين فقط، وفي يونيو خدت القرار”.

في يونيو الماضي، قررت وزارة التضامن الاجتماعي، إجراء بعض التعديلات على اللائحة التنفيذية لقانون الطفل، لتعطي بها قبلة الحياة لكل من يريد كفالة طفل وتزيل الكثير من العقبات والحواجز، وبعد مرور 4 أشهر فقط من التعديل، أعلنت التضامن الاجتماعي لـ”القاهرة 24″ أن عدد طلبات كفالة الأطفال من حينها هو الأكبر في تاريخ مصر بنحو ألف طلب كفالة، ما زالوا تحت الفحص.

وكشفت التضامن عن وجود 10 % من الأسر البديلة للأطفال، آنسات “لم يسبق لهن الزواج”، أي نحو 1100 “سينجل مازر” في أنحاء الجمهورية، من بين 10700 أسرة بديلة.

“عايزة أعيش كل حاجة معاها من أولها” وضعت الحبال شرط أن تكون طفلتها لا تتعدى ثلاثة أشهر، وبدأت في رحلة البحث عنها وإخبار الأهل والأصدقاء، الأب رفض المبدأ والأخت أخذت في ترهيبها لتتراجع عن قرارها أما الأصدقاء فكانوا أول صفوف المرحبين الداعمين، وهي كان الإصرار موقفها.

عتبات عدة خطتها الأم في رحلة البحث عن ابنتها، لتجد الطفلة ذات السن المنشود بالسويس، متابعة: “من الصورة حسيتها بتنده عليا.. هي دي بنتي” واتخذت قرار السفر من القاهرة فورًا.

اللقاء الأول بينهما بدأ بنوبة بكاء من الصغيرة وفشل المربون في إسكاتها، وبعد لحظات قليلة وجدت ذات الأسبوعين من العمر سكينتها في أحضان الأم وذهبت في نوم عميق، لتتخذ قرارها في الحال، وتداوم على زيارتها بالسويس حتى إتمامها السن القانونية لكفالة الطفل “3 أشهر” وتغير اسمها من مريم إلى غالية، وتصبح ياسمينة وغالية معًا بعد انتظار عشرات السنوات.

فكرة الزواج ما زالت موجودة لدى أم غالية ولكن شرطها الأول تقبل ابنتها، ولا تجد في حضانتها عائقًا، قائلة: “جوزي لازم يتقبل وجودها، حتى يكون أهل لجوازي.. عمل لوجه الله وعندي يقين أن ربنا لا يمكن يعطلي حياتي بسببها، لو ليا نصيب في أي شيء هشوفه”.

كفالة الأطفال في مصر
كفالة الأطفال في مصر                                                                                           

أم فاطمة، مدرسة، اتخذت من مهنتها ملاذًا لها لتشبع لديها غريزة الأمومة، بعد اختيارها المكوث بجانب والدتها أثناء مرضها والعزوف عن الزواج، ولكن للفراق دائمًا كلمة أخرى، فبعد رحيل الأم وفراق كل طفل لها والمضايقات من قبل أهالي الأطفال لتعلق الابن أو الابنة بها.. تجد نفسها في كل ليلة وحيدة والاكتئاب والأسى رفيقاها، لينقذها منشور لمبادرة “الاحتضان في مصر” لتعلم إتاحة الكفالة للآنسات، وتصف شعورها وقتها بـ”زي الغريق اللي اتعلق بقشاية”.

لم يكن القرار بالسهل أبدًا على فتاة أربعينية ريفية، فبعد تغلبها على رفض الأخ الأكبر خوفًا من أن ترث الطفلة في ميراث العائلة، وجدت نفسها أمام محاولات عرقلة من قبل المسئولين بوزارة التضامن في محافظتها، لتماطل المشرفة في الإجراءات الأولى للكفالة طوال شهرين، وحجتها أنها غير مقتنعة.

“ما انتي حلوة أهو ماتجوزتيش ليه مفيش رجالة” كلمات تلفّظ بها مدير الشئون بنبرة تهكم وسخرية، بعد تغلبها على المشرفة الأولى، تحكي الفتاة: “بصلي من فوق لتحت، وقالي روحي هاتي بطانيه لحد لو عايزة ثواب.. مفيش بنت بنوت عملت اللي انتي عايزاه وأنا مش موافق وبعد مجادلة كبيرة قدرت آخد حقي طبقًا للقانون”.

أعطت التضامن الاجتماعي، حق الكفالة للآنسات ممن بلغن سن الثلاثين عامًا، بعد أخذ الموافقة من دار الإفتاء المصرية، وتقول منى الشبراوي، القائم بأعمال رئيس الإدارة المركزية للرعاية الاجتماعية، أن من يرصد مخالفته لتطبيق القانون من قبل اللجنة المحلية التابعة للوزارة، نحو الآنسات المقبلات على الكفالة يُحوَّل فورًا لإدارة أخرى، وبالفعل اتخذ إجراءات في وقائع مشابهة.

بنبرة هادئة يغلبها الحنين تتحدث الأم عن اللحظة الأولى لرؤيتها طفلتها، وعن رفضها لكفالتها بسبب سنها خوفًا من أن تظلم معها لظروفها الصحية، لكن الضحكة والسعادة العارمة على وجه الطفلة، والقبلة التي وضعتها الصغيرة على خد الأم، كان لها رأي آخر.

“شعبطتني في الحياة وصحت الميت” تسرد الأربعينية، عن وجود الابنة بالحياة على مدار سبعة أشهر فقط، لتجعلها تبصر ألوانًا للحياة لم تنعم بها من قبل، ليصحو القلب من غفلته بعدما احتلته القسوة منذ فراق والدتها، مسترسلة: “كل يوم الصبح وجودها بيطبطب على قلبي.. هي اللي محتضناني مش أنا، لو مُت قبل كدا ماكنش حد دور عليا، دلوقتي بقى ليا لازمة في الحياة، قبل ظهورها كنت بعاند مع نفسي وبدور على الموت دلوقتي بفتح عيني على علاجي.. خايفة ييجي يوم وأتحرم منها”.

وحسب منى الشبراوي، فإن وزارة التضامن الاجتماعي تنظم دورات تدريبية للأسر البديلة في أغلب المحافظات بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية وتسعى جاهدة لتوفير تلك الدورات في كل المحافظات على أنحاء الجمهورية.

كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة صباحًا، في إحدى الليالي التي لا تنقضي ساعاتها وعلى غير العادة بعد صلاة الفجر مباشرة التي تتخذ فيها وقتًا لمناجاة ربها بفك الكرب، حملت رحاب كيس القمامة واتجهت للشارع للتخلص منه، فإذا بها تجد كيسًا أسود وسط القمامة مربوطًا بإحكام ويتحرك بقوة، وفي ظنها أنها قطة محبوسة، لم تتردد للحظة وأقبلت على فتحه، وإذ بها تجد طفلة حديثة الولادة، لتهرول إلى أقرب مستشفى ويخبرها الطبيب أن 10 دقائق فقط كانت تفصلها عن الموت، ومن حينها وهي تتخذ عهدًا على نفسها ألا تتركها وحيدة.

رحاب حمدي، حرمت من الإنجاب، وقررت أن تتخذ من الطفلة ابنة لها، وأخذت في سؤال رجال الدين وكان الرد “طريق ممكن يوصلك للنار وممكن يوصلك الجنة”، فلم تجد سبيلًا سوى أن تتحرك قانونًا وتبلغ الشرطة، لتُفاجأ بتحرير محضر وتحويلها على النيابة وإيواء الصغيرة بدار أيتام.

“حلم الأمومة بيفضل مع أي ست حتى الموت” بسرد لا ينقطع وعينين عالقتين بالصغيرة، تحكي السيدة الأربعينية عن تركها لزوجها واختيارها لـ”نور” الحياة، حسب وصفها، فبين أحضان طفلتها تُنسى آلام الماضي ويحضر النعيم، وتلجأ للكفالة قانونًا حسب التضامن الاجتماعي.

“ترتيبه فوق كل حاجة” بدموع تسبق لسانها ويتجلى فيها اليقين، تحكي رحاب عن نجاتها من حادثة موت قبل ظهور نور بفترة قصيرة، وإنقاذها للطفلة من موت في الوقت المناسب، وعزوفها عن الحياة قبل ظهور ابنتها، مردفة: “خلت لحياتي معنى ونور بعد الضلمة اللي كنت عايشاها.. حسيت معاها بنعيم الدنيا وإن ليا قيمة وعايشة عشان رسالة”.

تقول أم نور إن وجودها عائق أمام زواجها مرة أخرى، ولكن ذلك الأمر آخر اهتماماتها، مسترسلة: “مفيش زوج ولكن عندي الرضا الكامل وبحمد ربنا، لو حطوا الأمومة في كفة والزواج في كفة.. هختار الأمومة، ماخفتش من المسئولية لوحدي أبدًا وجودها جنبي بيهون كل حاجة وربنا اللي بيبعتلي رزقها.. دي بنتي هسيبها عشان حد إزاي؟!.. الأم هي اللي ربت وارتبطت الفرق بس إنها ماجتش من بطني”.

كفالة الأطفال في مصر
كفالة الأطفال في مصر

“عايزة أبقى أم” إحساس طالما بحثت عنه مريم –اسم مستعار- ولكنها لم تجد شريك الحياة المناسب، لتجد في الكفالة السبيل وتأخذ الخطوة التي تصفها بـ”الصعبة” وتنجح في إقناع الأهل بعد مشاورات طويلة، وبدأت رحلة بحثها عنها ودق أبواب دور الأيتام، ومع كل طفل كانت دقات قلبها حاضرة ودموعها تسبقها، طوال 4 أشهر متواصلة، حتى تملك منها اليأس وأخذت تتناسى الأمر جاهدة طوال عامين من قرارها؛ لتعثر العثور على الطفلة المناسبة لها.. حتى سمح لها القدر باللقاء بـ”أمنية” -اسم مستعار- ذات الشهر الأول لتسكن قلبها قبل أن تطالع شكلها.

“يستغرق فحص الطلبات من شهرين إلى ثلاثة أشهر لأننا نواجه مشكلة في البحث الاجتماعي بسبب قلة أعداد الأخصائيين الاجتماعين، ومع تطبيق المنظومة الجديدة للأسر البديلة سيستغرق فحص الطلبات 6 أشهر، ويمكن اختصارها في 4 أشهر، وهدفنا أن الطفل يصل لأفضل أسرة.. ليس ذنبه إنه ولد في ظروف غير طبيعية، وأيضًا حتى نتأكد من عدم ارتداد الطفل مستقبلًا، فالبحث يمر بعدة مراحل وبتدريب يجب أن تحصل الأسرة عليه”، تقول الشبراوي لـ”القاهرة 24”.

تتذكر الفتاة الأربعينية بصوت ضاحك يغلبه نبرة الفرح، عن اللقاء الأول بصغيرتها، “كانت نايمة على بطنها وبمجرد لمستها حسيت إحساس غريب عمري ما حسيته مع أي طفل آخر.. من أول لحظة شوفتها فيها بقيت أم، واتحول الأمر من رغبتي في الأمومة لـ أمنية لازم تعيش”.

“صالحت بيك أيامي.. صالحت بيك الزمن” غنتها أم كلثوم لتصف بها مريم حالها بعد الكفالة، والتي تقول: “اخياري للأمومة خلاني سعيدة بكل دقيقة بعيشها مع بنتي.. كل التنازلات كانت طريق لـ أمنية راضية وسعيدة بيها”.

وتوجه أم أمنية رسالة لكل أم محتضنة، ألا تكفل طفلًا لأجل تعويض نقص ما تبحث عنه، ولكن لأن هؤلاء الأطفال يستحقون العيش بكرامة، ودورها يقتصر على أن تهب له الحياة، متابعة: “لما وقفت على رجلي وقولت بنتي كل المجتمع قابلها بشكل مختلف.. يستاهلوا يعيشوا”.

“التضامن”: تلقينا أكبر عدد لطلبات كفالة الأطفال في تاريخ مصر خلال 4 أشهر فقط (تفاصيل)

تابع مواقعنا