لماذا قال يوسف شاهين لمحمود ياسين «خلّي حسين كمال ينفعك»؟
كانت السينما المصرية متعطشة لوجود فتى شاشة أول، بعد ما تقدم العمر بجيل شكري سرحان وكمال الشناوي ورشدي أباظة.
هنا ظهر وجه جديد لفت أنظار المخرج حسين كمال، ليقدمه بطلاً أمام العظيمة شادية التي رحبت به في فيلم (نحن لا نزرع الشوك) 1970، بعد ما أظهره قبل عام في دور صغير في فيلم (شىء من الخوف)، ويشاء الله أن يختاره المخرج الكبير يوسف شاهين لبطولة فيلم أمام سعاد حسني في التوقيت نفسه وهو فيلم (الإختيار) وهنا طار محمود ياسين فرحًا لأنه سيعمل في فيلمين في وقت واحد مع شادية وسعاد حسني.
وبعد أن وقّع عقد فيلم (نحن لا نزرع الشوك) مع حسين كمال، وذهب إلى يوسف شاهين ليوقع العقد الثاني، اشترط عليه شاهين ألا يرتبط بأي عمل آخر، وهذا كان دأب شاهين مع كل من يعمل معه، خاصةً في أفلامه الأخيرة، وكانت صدمة كبيرة لمحمود ياسين، كادت تقضي عليه، وعندما حاول إقناعه لم ينجح.
وأمام ذلك اعتذر محمود ياسين عند قبول دوره في فيلم (نحن لا نزرع الشوك)، حتى يتمكن من العمل مع يوسف شاهين وتفهم حسين كمال ذلك الأمر، ولم يغضب منه. وذهب محمود ياسين إلى يوسف شاهين في اليوم التالي ليبلغه بما تم، ولكن يوسف شاهين قال له “آسف جداً يامحمود أنا عرضت الدور خلاص على ممثل شاب زيك كده اسمه عزت العلايلي وساب ثلاثة أفلام عشان الفيلم ده خلي حسين كمال ينفعك”.
وأمام هذا الرد كاد محمود ياسين يسقط مغشيا عليه، ولكن سرعان ما قاوم وذهب إلى حسين كمال يشرح له ما حدث لعله لم يجد من يقم بدوره حتى الآن، فوجد حسين كمال هو من يسأل عنه ليبلغه أنه متمسك به وسينتظره حتى ينتهي من دوره في فيلم يوسف شاهين ورحبت شادية بذلك. فبكي محمود ياسين من هذا التصرف النبيل مقارنة بينه وبين موقف شاهين، ولما علم حسين كمال بما حدث من يوسف شاهين مع محمود ياسين ضحك بقوة وكانت له ضحكة يعلمها كل من يعرفه وعلم أن يوسف شاهين يثأر من حسين كمال في شخص محمود ياسين، حيث كانت غيرة يوسف شاهين من حسين كمال معروفة بين كل أفراد الوسط الفني.
فحسين كمال هو أول مخرج في تاريخ السينما المصرية تكون أول أفلامه الأربعة في قائمة أفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية: المستحيل والبوسطجي وشىء من الخوف وأبي فوق الشجرة، فكانت أفلامه تثير ضجة كبيرة في الأوساط الفنية والثقافية مما أثار غيرة يوسف شاهين كمخرج كبير. إلى جانب سبب آخر ومهم أثار غضب شاهين من حسين كمال، هو أن معظم النجوم الذي يطلبهم يوسف شاهين يكونون مرتبطين بعمل مع حسين كمال، وعندما يتم تخييرهم بينه وبين حسين كمال يفضلون العمل مع حسين كمال.
وذلك حدث مع الفنان الكبير محمود مرسي، الذي رفض أن يعتذر عن دور عتريس في فيلم (شىء من الخوف) ليعمل مع شاهين في دور محمد أبو سويلم في فيلم (الأرض) وكانت صفعة علي وجه يوسف شاهين حين عرض فيلم (شىء من الخوف) ونجح نجاحا منقطع النظير عن نجاح فيلم (الأرض).
ثم تعتذر نادية لطفي ليوسف شاهين عن العمل معه في فيلم (الناس والنيل) بسبب فيلم (أبي فوق الشجرة) مع حسين كمال.
هنا أدرك يوسف شاهين خطر هذا المخرج على زعزعة مكانته الفنية، خاصةً أنه يقدم أفلاما تنجح جماهيريا وفنيا بل ويحصد فيها جوائز دولية وهو ما زال في بداياته.
ولما علَم محمود ياسين سبب جملة (خللي حسين كمال ينفعك) أدرك أنه نجا من أسر سينما يوسف شاهين، ليحلق في سماء سينما أكثر حرية وتحررا فقدم مع جميع كبار مخرجي الشاشة العربية أفلاما عديدة، فلم يتقيد بمخرج أو منتج بل تعامل مع كل مدارس الإخراج المختلفة: صلاح أبو سيف وكمال الشيخ حسن الإمام وهنري بركات ونيازي مصطفى وعاطف سالم وأشرف فهمي وحسام الدين مصطفى وسعيد مرزوق ومحمد راضي ومحمد عبد العزيز وأحمد يحيي وأحمد فؤاد ويحيي العلمي ومحمد فاضل ونادر جلال وسمير سيف وعلي عبد الخالق ومحمد خان وخيري بشارة.
فكان يُنتج في العام الواحد في السينما نحو 60 فيلما يكون محمود ياسين مشتركًا في أكثر من نصفها ويعتذر عن النصف الآخر وظل محمود ياسين هكذا منذ عام 1970 وحتى عام 1985 دون مبالغة، فلم يظهر فتى شاشة أول قدم كما كبيرا من هذه الأفلام المنتقاة التي تعبر عن قضايا وهموم المجتمع، بل وتنوع في أدواره فلم يكن رومانسيا حالما في كل الأوقات فقدم أدوارًا مركبة ومختلفة ومعقدة وأحيانا صادمة، وكانت ثقافته ونبرة صوته تميًزه تميز آخر عن كل فتيان الشاشة قبله.
وبالرغم من ذلك رفض العمل مع يوسف شاهين بعد خمسة وعشرين عامًا عن اللقاء الأول بعد ما عرض عليه دورًا في فيلم (المهاجر) عام 1994، حيث جاء الاعتذار بحجة أنه مشغول في فيلم جديد مع حسين كمال.