عبادة والشيخ إنسان وبينهما خالد
الجمعة 23/أكتوبر/2020 - 07:18 م
- الستات اللي هنحكي عنهم هنا عددهم 9، وأعمارهم بتتراوح من سن 54 لـ 72.. في الثمانينات وتحديدًا في أوائل الثمانينات كان فيه 9 صديقات إنجليز محافظين على علاقة الصداقة اللي بينهم رغم جواز كل واحدة فيهم.. الطبيعي إن دي حاجة صعبة عمومًا خصوصًا مع وجود التزامات أسرية جديدة لكل واحدة فيهم وبيت وكده، وأكيد إن مفيش زوج هيكون حابب إن مراته تقضي جزء كبير من وقتها اللي مخصص له وللأولاد في القعدة مع صاحباتها، وحتى لو حصل وإستمرت؛ الصداقة المفروض تبقى بين إتنين منهم بالكتير!.. بس لأ.. فضلوا الـ 9 بنفس القرب.. نفس الود.. نفس الدردشة، والرغى.. نفس الزيارات.. نفس المرح بتاع فترة قبل الجواز.. مع الوقت أكتر بقى أولادهم كمان أصحاب.. فضلوا لمدة 30 سنة بنفس القوة فى العلاقة.. ده اللي بيشوفه اللي باصص عليهم من بره.. طب واللي يبص من جوه؟.. هيكتشف إن فيه سر خطير كلهم كانوا مخبيينه حتى عن أجوازهم وهو سبب إستمرارهم سوا فى صداقتهم.. اللي حصل إن الهوانم في أول الثمانينات إتفقوا سوا بقيادة واحدة فيهم اللي هي “ماري” إنهم يجبروا بخاطر الناس المحتاجين اللي فى المنطقة عندهم!.. هنعمل إيه يعني؟.. فكروا، وقرروا إن كل واحدة فيهم تخرج الساعة 4 الفجر وجوزها نايم، ويتقابلوا فى بيت صديقتهم الوحيدة اللي ماتجوزتش عشان يعملوا كيك!.. كيك إزاي يعني!.. كيك بالشيكولاتة وبالفانيليا وحلويات من كل نوع.. وبعدين؟.. يلفوا يوزعوها تاني يوم الصبح على بيوت الناس المحتاجة، ويسيبوها على أبوابهم بدون ما حد يعرف إنهم بيعملوا كده سواء أجوازهم أو الناس اللي بيساعدوهم!.. طيب كانوا بيجيبوا الفلوس منين؟.. كل واحدة كانت بتشيل جزء بسيط من مصاريف البيت على جنب عشان تساهم بيه فى شراء المكونات!.. ولا واحدة فيهم جوزها حس لا بغيابها لمدة ساعتين كل يوم من الساعة 4 الفجر لـ 6 الصبح، وولا واحدة فيهم سقط منها يوم خلال الـ 30 سنة!.. معقولة؟.. ده اللي حصل بالظبط!.. حتى لما كانت واحدة فيهم يحصل لها ظرف قهري كانوا الباقيين بيقوموا بالواجب، وعمرهم ما قلوا عن 8 فى أسوأ الظروف!.. مع الوقت إكتشفوا إن فيه ناس إحتياجاتها مش أكل بس لكن بيكونوا محتاجين مساعدات مالية.. برضوا بقوا يخصصوا جزء من اللي بيجمعوه، ويحطوه فى ظرف ويسيبوه قدام باب البيت بتاع الشخص أو الأسرة اللي عايزين يساعدوهم!.. “ماري” قالت طيب ما تيجوا نحط إسم ولا توقيع على الكيك أو أظرف الفلوس.. حاجة كده تميزنا!.. هنكتب إيه يعني يا “ماري” ما إحنا متفقين من الأول إننا هنفضل مختفيين، ومحدش هيعرف إحنا مين!.. يا جماعة ما إحنا برضه هنفضل مش معروفين بس هنحط إشارة مبهمة خاصة بينا!.. فكروا، وقرروا.. سموا نفسهم جماعة “The 9 Nanas” السرية.. وبقوا يكتبوا جملة ثابتة على أى حاجة يبعتوها: (من شخص ما يحبك).. والتوقيع “The 9 Nanas”.. فضل الموضوع مكمل، ومستمر، وكل يوم بيبقي عندهم تحدي ظريف إزاي هنحط الحاجة قدام البيت الفلاني بدون ما حد ياخد باله، وكل مرة بيفكروا، وبيحتاروا، وكل مرة بينجحوا!.. عدت الأيام، والسنين والموضوع في طي الكتمان، وبدأوا يخرجوا بره المدينة بتاعتهم ويوزعوا فى مدن تانية قريبة!.. لحد ما في مرة فى سنة 2012 زوج واحدة منهم عرف الموضوع بالصدفة البحتة عن طريق إنه رجع بدري من الشغل وشاف مراته وهي بتحط حاجة قدام باب من الأبواب فى مدينة تانية!.. هو عارف التكوين الجسماني بتاع مراته رغم إنها كانت مغطية وشها بالياقة بتاعت الجاكت اللي لابساه زي ما بيعملوا كل مرة بس الطقم اللي كانت لابساه مع شكل جسمها من بره لفتوا نظره، وخلّوه إستني لحد ما حطت اللي فى إيديها، ونده عليها بإسمها فبصت مخضوضة ولقت جوزها قدامها!.. الموضوع إتكشف بس مفيش ولا زوج زعل من مراته بالعكس شجعوهم إنهم يكملوا، والموضوع عمل صدى واسع فى الإعلام عن الـ 9 ستات اللي عملوا جمعية سرية عشان يساعدوا ناس وصل عددهم بحسبة بسيطة لـ أكتر من 17 ألف شخص مايعرفوش حد منهم خالص، وإزاي إن الموضوع كمل 30 سنة!.. لما بيسألوهم فى حوار تليفزيوني واحدة منهم قالت: (لم نرى ولا مرة رد فعل أى شخص ممن ساعدناهم لكن ما شجعنا على الاستمرار هو مجرد تخيل سعادتهم!).
- كلنا نعرف عن الفنان الجميل “خالد صالح” الله يرحمه موهبته التمثيلية الفذة اللى كانت وصلت لقمة النضج الفني لحد قبل وفاته، واللى ورغم عدد سنين شغله اللى مش محسوبة بعشرات السنين إلا إنه ومع كل عمل جديد له كنت تقدر تشوف بسهولة قيمة فنية عالية بيجسدها “خالد” من خلال الدور الفلاني اللي بيعمله فى العمل الفلاني!.. ده اللى معروف لينا كلنا.. طب واللي مش معروف؟.. الجانب الإنساني لـ “خالد صالح”!.. “خالد” كان له أخ إسمه الشيخ “إنسان”.. الشيخ “إنسان” كان فاتح مطعم وكان بيشتغل معاه واحد إسمه “عبادة”.. “عبادة” ساب الشغل فجأة ودى كانت ورطة لـ “إنسان” اللى لقى عنده عجز فى عدد العمالة اللى هي أساساً معدودة!.. محدش فهم سبب تصرف “عبادة” الغريب ده!.. جاله شغل بمرتب أعلى؟.. حد زعله فى المكان هنا؟.. حصل له ظروف خاصة؟.. محدش عارف بس الدنيا مشيت عادي والشيخ “إنسان” شاف عامل تاني بديل.. بعدها بفترة فوجىء “خالد” بإتصال من العامل “عبادة” اللى كان بيشتغل مع أخوه الشيخ “إنسان”؛ بيسأل عن الشيخ!.. عرف من “خالد” إن الشيخ سافر وقفل مشروعه خلاص وسأل “عبادة” هو عايز إيه منه!.. أصل بالعقل كده إنت بعد ما إتخليت عن الراجل صاحب الشغل اللي كان فاتح لك بابه جاى عايز إيه دلوقتي يعني!.. “عبادة” قال إن الدنيا ملطشة معاه وحاله زي الزفت لدرجة إنه مش لاقي فلوس يجيب فول وطعمية لولاده وفى نفس الوقت هو مكسوف من الشيخ “إنسان” بعد الموقف اللي يكسف اللي حصل من سنين!.. المكالمة إنتهت فجأة، ولما حاول “خالد” يتصل تاني إكتشف إن “عبادة” كان بيتصل من سنترال!.. غالبًا كانت قيمة الفلوس بتاعت المكالمة اللي مع “عبادة” خصلت فصاحب السنترال خلاّه يقفل السكة، ومشّاه!.. المهم إن “خالد” قرر يوصل لـ “عبادة” بأى ثمن!.. الفكرة إن المكالمة دى كانت أول أيام عيد الفطر.. هتجيب عنوان “عبادة” ده منين بس يا عم “خالد”!.. إتصل بأخوه الشيخ “عبادة” وأخد منه رقم واحد إسمه “تامر” يعرف بيت “عبادة” وإتصل بيه وطلب منه إنه يقابله عشان يروحوا البيت له!.. “تامر” إستغرب من الطلب والتوقيت بس فعلاً قابل “خالد” ووداه لبيت “عبادة” اللى هو يعرفه فى الجيزة.. لما وصلوا إتفاجأوا إن “عبادة” إتطرد هو وأولاده من البيت عشان مدفعش الإيجار وإنه عزل وراح حتة إسمها “أبو هريره”.. صمم “خالد” إنهم يطلعوا على هناك يدوروا عليه!.. “تامر” حاول يخلّى “خالد” يأجل المشوار لوقت تاني.. “خالد” رفض.. راحوا فعلاً ووصلوا للحارة اللى ساكن فيها “عبادة” وطلع لهم و”عبادة” ماكنش مصدق إن “خالد” صمم يجيله لحد عنده و فى أول يوم العيد وبسرعة كده.. عرض “خالد” عليه إنه يجيبله محل يشتغل فيه بس “عبادة” رفض وقال إن المحلات ليها إلتزامات كتير وهو مش هيقدر عليها.. عرض “خالد” عليه إنه يجيب له عربية فول يشتغل عليها حتي!.. هنا “تامر” قال لـ “خالد” إن ده مستحيل لأن النهاردة أول يوم العيد وكل الناس قافلة!.. رد “خالد”: (ومين قال إنى أقصد عربية خشب!، إحنا هنجيب له عربية سوزوكي صغيرة مستعملة عشان ما تاخدهاش البلديه وتنفع عياله لوحصل له حاجة).. بدون ما يسيب فرصة لـ “عبادة” أو “تامر” للإعتراض إتحرك “خالد” على منطقة الفرنساوي فى مصر القديمة ودور على عربية صغيرة مستعملة لحد ما لقاها فى منطقة إسمها بلوك ورا مستشفي هرمل وقرر يخلص كل إجراءات الشراء ليها ووصي صاحب العربية إنه يسجلها بإسم “عبادة” بعد العيد ما يخلص، والمصالح الحكومية تفتح!.. “تامر” اللى كتب الموقف بيقول إن آخر كلمة قالها “خالد” بعد ما الموقف ده خلص: (مفيش حاجه تستحق السرعه والإستعجال في الدنيا دي إلا عمل الخير).
- بحسب كلام كل الناس اللي تعاملوا معاها سواء فى الوسط الفني أو بره كانت “زينات صدقي” من أكتر الفنانين اللي بيمتازوا بـ الرحمة، واللي بقى جبران الخاطر اللي بتعمله من كتر ما بيتكرر؛ جزء لا يتجزأ من شخصيتها!.. الفنانة اللى كان حالها بسيط، وظروفها مش قد كده خصوصاً فى أواخر أيامها رغم إنها سبب رئيسي فى رسم إبتسامة على وجوه ملايين كانوا ومازالوا بيتفرجوا عليها لحد النهاردة؛ عمرها ما تخلّت عن جدعنتها ورحمتها.. فى واحدة من المسرحيات اللي كانت مشاركة فى بطولتها كانت “زينات” بتعطف على كومبارس غلبان إسمه “إبراهيم فوزي” معاهم فى الفرقة.. كل يوم تديله فى إيده أول ما تشوفه فلوس من اللي فى جيبها حسب ظروفها.. مرة تديله أكل.. مرة تسمعه بـ يكُح جامد فتبعت حد يشتري له دواء كُحة من الصيدلية.. مرة تديله قطعة لبس أو إتنين لـ عياله، وهكذا.. أحياناً “إبراهيم” كان بيرفض بس كانت “زينات” تصمم بشكل فيه إصرار ممكن يوصل لـ مشكلة!.. (والله لو ما أخدت يا “إبراهيم” لأخليهم يمشوك من المسرحية).. وطبعاً كانت بتهزر، وطبعاً كان هو عارف إنها بتهزر، وتحت الإلحاح بتاعها كان بيوافق ياخد.. في مرة وهو على المسرح جاتله أزمة قلبية ومسك صدره وصرخ من الألم، ووقع ونقلوه للمستشفي.. مات وهو في الطريق.. حزن زمايل “إبراهيم” عليه كان حزن لحظي، وبعده بلحظات كل واحد إتلهى فى اللي وراه!.. بقى أهم سؤال شاغل القائمين على المسرحية: (شوفولنا حد يعمل الدور الصغير اللي كان بيعمله “إبراهيم” الله يرحمه، وياريت حد يبلغ أهله).. “زينات” كانت فى وادي تاني خالص.. وبعدين! الراجل الغلبان اللي مات فجأة ده كده هنسيبه لوحده!.. لأ.. قررت تتكفل بمصاريف جنازته، وكلمت ناس كتير من المشاهير عشان ييجوا جنازته.. عملت كل الإجراءات لوحدها، وبنفسها وبدون ما تكلف حد من أهله حاجة ولا تمد إيديها لحد تطلب منه يزق معاها.. تصريح الدفن، والتغسيل، وتجهيز المقبرة كلها حاجات عملتها “زينات” بـ طولها.. أثناء ما الجنازة ماشية فى الشوارع كل ما تمر على قهوة كانت “زينات” تنادي على الناس اللى قاعدين فيها وتقول لهم: (الميت ده غلبان ينوبكم ثواب تعالوا إمشوا وراه، وإدعوله).. والناس تسمع كلامها، ويمشوا جنبها.. قبل دخول النعش بتاع “إبراهيم” على المقابر مباشرة، وبعد ما كان مفيش حد ماشي وراه؛ بقدرة قادر كان فيه عدد يسد عين الشمس من ناس عمرها ما شافت ولا تعرف “إبراهيم” كانوا بيتخانقوا على شيلة النعش، والدعاء ليه من قلبهم.. والسبب؟.. بعد ربنا لـ “زينات”.. بعد كده لما رجعت المسرح إتخانقت مع “بديع خيري”، و”سراج منير”، و”عباس فارس” عشان تكاسلوا عن تشييع الجنازة، وقالت لهم: (يعني ده لو كان يوسف وهبي ولا محمد عبدالوهاب مش كان زمانكم بتجروا على الجنازة عشان تطلعوا فى الصور؟).. برضه أثناء تصوير فيلم “شارع الحب” كانت جايبة معاها عمود الأكل بتاعها اللي عبارة عن مجموعة أطباق ألمونيوم فوق بعضهم، ولما مر عليها “عبدالحليم حافظ” قالتله: (أقعد يا حليم كُل معايا، ده أكل مسلوق وخفيف على المعدة ماتخافش).. ده كان فى نفس التوقيت اللي “حليم” إكتشف فيه مرضه، وكان الأكل عنده بـ حساب، وبقت دي معلومة معروفة للكل.. “حليم” رد وقال بسخرية: (ياريت يا ماما زينات كنت أقدر، أنا أكلي أهو)، وطلّع من جيبه علبة دواء.. فبكت “زينات”، و”حليم” واساها وباس راسها بس هي رفضت برضه تاكل، وفضلت مابترضاش تاكل خلال فترة التصوير أو فى اللوكيشن لحد نهاية الفيلم خالص عشان “حليم” ما يشوفهاش ولو صدفة!.
- لو الناس فهمت التأثير اللي بيسيبوه فى غيرهم لما بيجبروا بخاطر اللي قدامهم أو بيكسروه؛ كان كل واحد هيفكر ألف مرة قبل ما يتأخر في كلمة أو تصرف يسندوا اللي قدامه أو يبخل بيهم فـ نفسية اللي قدامه تتخسف لـ سابع أرض.. ده لما حد بيستعطفك فى حاجة بيقول لك: (والنبى ماتكسر بخاطرى).. قالوا زمان “جبر الخواطر على الله” عشان اللي بيديلك ثمنه هو ربنا!.. أجبر تتجبر.. فيه مثل سويدى بيقول: (أرخص أنواع السعادة وأغلاها فى الوقت ذاته هى جبر النفوس).