“يبكي ويضحك”.. كيف انقضت ليلة المولد النبوي الشريف على المحبين في ظل احترازات كورونا؟
“يبكي ويضحك”، بين هذا وذاك هام المحبون في يوم المولد النبوي الشريف بعام جائحة كورونا، والتي جاءت لتغير الكثير من العادات التي اعتدنا عليها، فاليوم هم أسعد خلق الله وأحزنهم في نفس اللحظة، حسب وصفهم، فكيف كانت حالتهم وكيف انقضت ليلتهم في غياب مجالس الذكر والإنشاد التي طالما اعتادوا عليها لسنوات طويلة.
التاسعة مساءً، ميدان سيدنا الحسين، بوسط القاهرة، مسرح كبير يجلس عليه شيوخ عدة ويتوسطهم الحبيب علي الجفري، أعداد غفيرة من المحبين الهائمين بسماع السيرة النبوية الشريفة ومدح نبيهم، كلٌ هائم في ملكوته بالحبيب والبسمة تعلو الوجوه، حتى التاسعة صباحًا، وبعدها ينتظر الجميع إنطلاق موكب الصوفية.. مشهد كثيرًا ما اعتادت عليه روان قشقوش، لتحرمها منه جائحة كورونا هذا العام.
“النور مولده والأرض مسجده.. من فيض رحمته في الغيب شيده”، كلمات كثيرًا ما أنشد بها مداحو النبي صلى الله عليه وسلم، طوال 30 يومًا متواصلين من كل عام، بداية من آخر محرم وحتى بداية ربيع الثاني، بمجالس الذكر والصلوات وزيارات آل البيت الكرام، كانت تتنقل فيهم الفتاة العشرينية بين مسكنها بالمنوفية والقاهرة.
تقول روان، إن الاحتفال لم يقتصر على الساحات والمساجد فقط، بل بالمنازل أيضًا كانت تقيم المجالس بحضور المشايخ والمريدين، من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر، تصف شعورها حينها وتقول: “كأني بدخل الجنة وبنسى معاها كل هموم ووجع الدنيا” وكأنها مغموسة في الجنة.
“يا أخي ف العشق نار.. كم قتل بالشهب قوم” بيت شعري صوفي ترى فيه وصف لحالتها ذاك العام، وبنبرة أسى يغلبها الحب تقول: “محرومين ولكن الفرح بالمولود وليس بالمولد.. الرؤية والذكر في ذاك اليوم كان له نفحاته الخاصة والتي تتروي ظمأنا بها”.
حاولت روان تعويض ذاك بدروس ومجالس “أون لاين” للشيوخ، وأيضًا حضور حفلات الإنشاد، والتي تقول عنها إنها تروي ولكن ليست كالمجالس وزيارة آل البيت وأولياء الله الصالحين.
“كل مريد بطريقة حاسس بالضياع” بتلك الكلمات بدأ محمد راغب حديثه، واصفًا حال الكثير من المحبين في يوم المولد النبوي الشريف بعام الغلق جراء جائحة كورونا، فعلى مدار سنوات عديدة اعتاد الاحتفال بمولد الحبيب بالسفر من الإسكندرية، والتنقل برحلات مع إخوانه بطريقته الصوفية إلى محافظات الصعيد والوادي الجديد وحتى الجيزة، على مدار شهر كامل، حيث مجالس الصلوات والمديح ودروس من قبل علماء ومشايخ الطريق.
يقول الشاب العشريني، إن إحساس المولد هذا العام مختلف تمامًا وفرحته ناقصة، على حد وصفه، بالرغم من أنه استطاع أن يحتفل الليلة على نطاق ضيق بالسفر إلى المنوفية والاحتفال مع رفقاء الطريق بقراءة الصلوات وإقامة مجلس للذكر وكذلك مجالس للإنشاد، ولكنه ليس كمثل السنوات الماضية.
حاول راغب تعويض ذاك بزيارات مقامات آل البيت وأولياء الله الصالحين منفردًا، في محاولة للتغلب على شعور الضيقة والحرمان من الزيارات والمجالس، مردفًا: “كفاية الزيارة في الله وإظهار المحبة”.
قبل حلول ليلة المولد الشريف، اعتاد شوقي أحمد، الاستعداد للمولد بتنظيم رحلات تتحرك صباحًا من بلدته بمحافظة الغربية نحو مقام سبط رسول الله، بمسجد سيدنا الحسين بالقاهرة، أعداد غفيرة تتحرك في ليلة العيد للاحتفاء بالحبيب لدى حبيبه، والمشاركة في موكب الصوفية الذي ينطلق في الموعد نفسه من كل عام.
يقضي الأحباب الطريق بأكمله في الذكر ومديح المحبوب، البداية بالتحرك من الـ6 صباحًا، بعد ليلة يقول عنها شوقي: “بنقضي ليلة قبل المولد محدش فينا بينام كله مشتاق وبيستعد”، ويشير إلى أن أغلب المشاركين ذوو سن كبير ولكن لا أحد يشعر بالتعب ولا وجود لشكوى.
تصل الأتوبيسات في التاسعة صباحًا، تبدأ الاحتفالية بزيارات لآل البيت وأولياء الله الصالحين ولا تخلو من مديح الجد الأكبر، حتى انطلاق الموكب، أما ذاك العام فانقضت ليلته دون أي مظهر للاحتفال ولسان حاله: “الاحتفال بسيدنا النبي في كل ساعة بذكره والصلاة عليه.. ولكن إحساسنا السنة دي مايتوصفش”.