سلمان إسماعيل يكتب: رسالة من “عجوز نوتردام” إلى نبي العرب
عزيزي محمد، نبي العرب، صاحب الأخلاق الكريمة، الذي قرأت كثيرًا عن شهامته مع الأعداء قبل الأصدقاء، أكتب إليك من قبري، هنا في «نيس». في البداية أود تهنئتك بذكرى ميلادك، فقد اعتدت كل عام أن أزور جارتي المسلمة، وأقدم لها التهنئة بهذه المناسبة.
لم يسعفني الوقت لأزورها هذا العام، فقد جاء إلى كنيستنا «نوتردام نيس» شاب يدّعي أنه من أتباعك، لم يبدأ بالسلام مثلما كنت تفعل، لم يبتسم في وجوهنا كما كنت توصي أصحابك، بدأ الشاب الصياح.. الله أكبر.. الله أكبر، هنا شعرت بالطمأنينة، فأنا أعلم أن هذه الكلمات نداء الصلاة عندكم.
لم أكن أتخيل أن أحدهم قد يستخدم هذا النداء قبل الشروع في قتل الآخرين، لا أتذكر تفاصيل أكثر، فقد أظلمت الدنيا فجأة، وأخذت أتحسس رأسي لكني لم أجده على كتفيّ، ونظرت فإذا جسدي الذي بدأ عامه السبعين قبل أيام قليلة، غارق في الدماء.
ربما تكون غيبوبة السكر سببًا في هذه التخيلات، هكذا قلت لنفسي، لكنهم وضعوني في تابوت، ورتل الأب الكاهن تسابيحه، وغمرني الأحفاد والأصدقاء بالورود، رأيت ذلك من أعلى كأنني طائر خفيف الحركة، كان بين الحضور في جنازتي سيدة مسلمة، إنها صديقتي التي جاءت إلى نيس قبل أربعين سنة، كانت تبكي بحرقة.
الآن بعد أن دفنوا التابوت وصار جسدي تحت التراب، وجدتني مقيدة هنا، روحي لا تريد مفارقة مكان دفني، رغم شعور بالحرية والحيوية، وأنا مجرد روح دون جسد مترهل، وعظام أصابتها هشاشة الشيخوخة، إلا إنني حزينة يا محمد.
صدقني سبب شعوري بالحزن، ليس لأنني أردت الخلود، ولكن لأن لديّ صديقة أخرى مسلمة مات ولدها بمرض السرطان، وكنت أقدم لها الدعم النفسي، الذي يفرضه عليّ واجب الصداقة والجيرة، لقد انفطر قلبها على نجلها الوحيد قبل أيام من زفافه، الآن أشعر بالقلق وأتوقع أن تسوء حالتها النفسية أكثر.
هنا في العالم الواقع بين الدنيا وملكوت الآخرة الأجواء هادئة، ولا توجد صراعات دينية أو تعصب عرقي وقومي، كل الذين قابلتهم هنا قالوا إنهم سعداء لأنهم تركوا الحياة بمشاكلها وصراعاتها، فقط أمثالي من أصحاب الخطط، هم الذين شعروا بالامتعاض لأنهم حرموا من حياتهم دون ذنب.
على كل حال، لن يفيد الكلام بعد الآن، أريدك فقط إن كان هذا الشاب الذي ذبحني من أتباعك فعلاً، أن تبلغه بأنني سامحته، فالحب، والحب فقط هو القيمة الأغلى سواء في الدنيا أو الملكوت الأبدي، الحب لا يسقط أبدا، والطاقة الإيجابية التي يخلقها الحب قادرة على صناعة المعجزات.