لن ننساهم وإن نَسيهم الجميع.. ذوات الرداء الأحمر في العباسية للصحة النفسية للكشف عن سرطان الثدي (معايشة)
بالمقارنة مع مستشفى الحميات، الذي يقع إلى جانبه بأمتار قليلة، لا تجد أمام مستشفى العباسية للصحة النفسية أشخاصًا كُثر، إلا منظم للمرور يقف بعدها ببضعة أمتار، وفي الداخل رجل مرور بجوار يافطه كبيرة يمتد عمرها إلى أكثر من 120 عامًا، وفوقه قليلًا شعار “100 مليون صحة” مرسوما عليه سهم يرشد الزائرين إلى مقر الكشف عن سرطان الثدي، والذي حضر إلى المستشفى كأول نشاط لا يتعلق بالصحة النفسية منذ إنشائه.
تسير إلى الأمام قليلًا حيث مفترق طرق، ما بين مقر الحملة، أو عنابر نزلاء “مرضى” المستشفى، والعامل المشترك في الطرق هو الوحدة، كل شخص يقابلك بمفرده حتى العمال لا يمشي أحدهم مع الآخر، لكن السهولة في الوصول إلى المقرات كان العامل المشترك الآخر، وما جعلنا نصل إلى الطواقم الطبية لـ100 مليون صحة للكشف عن أورام الثدي.
مبنى عتيق مكتوب عليه “المراهقين”، بداخله الزينة والرسومات في كل مكان، كمحاولة لجعل حياة النزلاء أفضل، تخرج كالعادة مريضة وحيدة من غرفتها وتتجه إلى الغرفة المجاورة لها مباشرة حيث يتم الكشف عليها ومحاولة تثقيفها صحيًا بشكل مبسط في إطار دور الحملة لجعل النساء أكثر معرفة ببوادر المرض.
عندما قررت الحكومة بناء مستشفى العباسية للصحة النفسية عام 1833، كان ذلك نتيجة لتحويلها من قصر محترق على آخره لأحد الأمراء، وبقي مبنيان وحيدان مطليان باللون الأصفر ما جعلهم يطلقون عليها “السرايا الصفرا”، ومع ذلك الجميع كان يرتدي الأبيض بهدوء، يخرجون ثم يعودون بعد انتهاء الكشف إلا من يكتشف مرضها.
سعاد الشحات، مدير منطقة الوايلي الطبية، المشرفة على الأطقم الطبية لـ”100 مليون صحة”، داخل مستشفى العباسية للصحة النفسية، تقول: “لو نساهم الناس لن ننساهم”، تقصد مرضى المستشفى الذي كان هناك محاولات حثيثة لتحويله من مكانه، تقف برداءها الأحمر المزين باسم الحملة تتابع بدقة العملية من البداية للنهاية: “احنا أول حملة تدخل مستشفى العباسية للصحة النفسية.. مرضى الصحة النفسية مش هيفضلوا طول عمرهم في المستشفى وحياتهم منتهتش.. لما يطلعوا والحملة تخلص هيحسوا أكيد إن في حاجة تخطتهم، وكأننا عاقبناهم على المرض”.
ماذا نفعل مع مريض الصحة النفسية؟ الأمر يختلف لكن لا يختلف بقدر ما يتم التصوير للمجتمع، هكذا تقول الدكتورة سعاد، حيث يتم جمع المريضات في الحالة الطبيعية وتبدأ الرائدة الصحية في التثقيف خاصة أن الحملة هدفها الأساسي هو الكشف الأولي عن أعراض سرطان الثدي، لكن هنا المجهود مضاعف، حيث تخرج كل مريضة وحيدة ونبدأ معها نفس الخطوات، هناك حالات تسير معها الأمور بسلاسة وحالات أخرى الخطوات معها صعبة لكنها تمر.
على جانب الطاولة التي تملًأ الطواقم داخل الغرفة طبيبتين “نهاد ومنال” في العقد الثالث من العمر، وبجانبهما رائدة صحية، تشرف نهاد، التي أصبحت تقضي يومها صباحًا في المستشفى منذ حوالي شهر، على الكشف على المريضات من خلف ستارة بيضاء فتفحصها جيدًا للتأكد من عدم وجود أي علامات على الورم، ظهور “كولكيعة” تحت الإبط هو الصدمة التي تتمنى أن لا تقابلها أبدًا بحسب حديثها.
مستشفى العباسية للصحة النفسية
لا يمكنك أن تتخطى حالة السهو التي يكون عليها مريض الصحة النفسية، روايته التي يحكيها لك من خلف ستار تدعو للبكاء، لكن علينا دائما أن نتخطى، لا أحد منا يمتلك رفاهية الانهيار، لكن ما العمل وإحداهن تروي لك مأساتها الأكبر إلا أن تنفلت أعصابك وتغط في البكاء ولو في نهاية اليوم عندما تصبح وحيدًا أنت الآخر في المنزل.
حسب منال -الطبيبة المشاركة مع الطواقم الطبية للكشف المبكر عن سرطان الثدي في مستشفى العباسية للصحة النفسية- فإن الكشف لا يتوقف عند المريضات فقط، حيث يشمل أهالي المرضى، الطواقم الطبية كافة، والزائرين ومن يرغب من المواطنين في التقدم إلى المستشفى طوال فترة وجودها، حيث يتم تحويل من يكتشف عليهم أعراض إلى مراكز الأورام الخاصة بوزارة الصحة والسكان، بينما يتم إبلاغ إدارة المستشفى في حال إيجاد مصابة من مرضاها للتعامل حسب ما ينص عليه القانون.
عمل الحملة التي بدأت منذ قرابة العام، تأثرت بفيروس كورونا المستجد، حيث تم إيقافها بحسب مدير منطقة الوايلي الطبية الدكتورة سعاد الشحات، ذلك استمر من شهر فبراير الماضي وحتى يوليو حيث استأنفت الحملة عملها مرة آخرى، ومنذ هذا التوقيت وصل إلى 114847 زيارة على مختلف الأماكن والوحدات الصحية، فيما وصل إجمالي الزيارات في الكشف المتقدم للمبادرة حوالي 276706 سيدة منذ بداية المبادرة.
مبادرة صحة المرأة
وأضافت أن هناك 89717 سيدة خضعت للأشعة، فيما أجرت 4552 سيدة التحليل الباثولوجي، وقد تأكدنا من إيجابية تحليل 1971، وتخضع للعلاج منهن 1650 حالة بالفعل في وحدات صحة لعلاج أمراض الأورام، قائلة في النهاية: “الحملة لم تنتهِ ومرضى الصحة النفسية في العباسية ممن تم اكتشافهم، مثّل وجودهم فيها بداية لحياة علاجية سليمة تتمكن فيها من العلاج من المرض النفسي وسرطان الثدي على السواء”.
يمكن معرفة أماكن تلك الوحدات من خلال الموقع الرسمي للمبادرة http://www.100millionseha.eg