تحديات إقليمية وغاز شرق المتوسط.. السيسي يكتب مقالا لصحيفة يونانية
كتب الرئيس عبد الفتاح السيسي مقالا حصريا لصحيفة “بيما” اليونانية، أكد فيه عمق العلاقات والروابط التاريخية بين مصر واليونان، مشيرا إلى أن النموذج الحالي للتعاون بين مصر واليونان هو مثال يحتذى به لكيفية بناء علاقات بناءة وناجحة.
وجاء نص المقال كالتالي:-
أول ما خطر ببالي عندما كنت أكتب هذا المقال لصحيفتكم التي كان لها أثر واضح على المشهد اليوناني، هو الروابط التاريخية والمستقرة التي ترسخت بين شعبينا منذ زمن الفراعنة والبلاد واليونانيين القدماء.
ولم تقتصر هذه الروابط على القطاع الرسمي، بل امتدت إلى جميع المستويات الشعبية والثقافية والاجتماعية، ولعل الوجود والتأثير الثقافي المتبادل لآلاف السنين والمساهمة الملحوظة للثقافات المصرية واليونانية في تقدم البشرية، دليل على ما يمكن لبلدينا الصديقين تقديمه في المنطقة وفي العالم.
عندما ننظر إلى النزاعات المسلحة والتحديات غير المسبوقة في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط ، فلا شك أن النموذج الحالي للتعاون بين مصر واليونان هو مثال يحتذى به لكيفية بناء علاقات بناءة وناجحة، إن وجدت، مع مراعاة الإرادة السياسية وقواعد القانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية وحسن الجوار.
طورت علاقاتنا الثنائية في السنوات الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق من التعاون والتنسيق، ما رفعها إلى مستوى شراكة استراتيجية يمكن استنتاجها من كثافة الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الإطارية في مختلف المجالات، ومن التقارب القوي الذي يصل إلى نقطة تحديد وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية التي تهمنا، وكذلك التفاعل المستمر بين شعبي البلدين.
السيسي: اتفقنا مع الجانب اليوناني على ضرورة التصدي للإرهاب والدول الداعمة له
ومما لا شك فيه أن توقيع اتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين يمثل نقطة تحول أساسية ونقلة نوعية في مستوى وطبيعة العلاقات بين مصر واليونان، وكانت هذه الاتفاقية متماشية تمامًا مع مبادئ الأمم المتحدة لقانون البحار وتمثل نموذجًا لتعزيز التعاون الإقليمي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وفتح آفاق واسعة لصالح الموارد المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين.
ولعل مبادرة البلدين لإنشاء آلية تعاون ثلاثية مع قبرص في عام 2014 وجهودهما المشتركة لإطلاق منتدى غاز شرق المتوسط، الموقع في سبتمبر 2020، تجسد الإرادة السياسية لتعزيز الأمن، واستقرار وتعزيز عملية التعاون والتكامل الإقليمي لتعظيم المنفعة المتبادلة للموارد المتاحة لتحقيق تطلعات شعوبنا.
فيما يتعلق بهذه الجهود المستمرة للارتقاء بمستوى التعاون بين بلدينا سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، نجد أن هناك تحديات تهدف إلى منع تعظيم هذا التعاون، بل تسعى إلى تهديده، والأهم من ذلك بما في ذلك تبني أطراف معروفة لسياسات توسعية وممارسات استفزازية، وهي انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وعدم احترام سيادة الدولة واستمرار دعم الجماعات الإرهابية، ما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، الأمر الذي يتطلب موقفا دوليا حاسما تجاه هذه الأطراف لإجبارها على وقف كل ما من شأنه تهديد الأمن القومي لدول الجوار أو انتهاك حقوقها السيادية.
في سياق التهديدات للأمن والاستقرار في المنطقة، تبرز عدد من الأزمات أهمها الأزمة الليبية في ظل التدخل السافر للأطراف الإقليمية نفسها، بتمويل ودعم الميليشيات بالسلاح، وكذلك نقل آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب إليهم، وهذا انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومحاولتهم السيطرة على موارد وثروات ليبيا، حيث يجب التأكيد هنا أن الحل السياسي الشامل يبقى السبيل الوحيد تحقيق الاستقرار في ليبيا الشقيقة، وما يستتبعه من معالجة الجذور الحقيقية للأزمة، امتثالا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ونتائج عملية برلين وإعلان القاهرة.
كما تستمر الأزمة السورية في الخطورة مع اقترابها من نهاية عامها العاشر، ولا يقتصر تأثيرها على البيئة الإقليمية، بل امتد إلى القارة الأوروبية، سواء تعلق الأمر باستقطاب الجماعات الإرهابية أو الترحيل الجماعي لملايين اللاجئين.
ومن ناحية أخرى، تظل القضية الفلسطينية في قلب الصراع في الشرق الأوسط وهي مركزية بالنسبة لما لا يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه إذا أردنا تحقيق سلام دائم وعادل، لا بديل عن استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على أساس قرارات الشرعية الدولية والالتماسات المتفق عليها ومبدأ حل الدولتين.
رئيسة اليونان تقلد الرئيس السيسي أعلى وأقدم وسام في البلاد
تأتي زيارتي الحالية لليونان في حالة توتر واحتقان نتيجة بعض الممارسات السلبية التي تساعد على تأجيج المشاعر بين المؤمنين من ديانات مختلفة، فنحن بين جزئين أحدهما يسيئ إلى المعتقدات المقدسة ويقلل من شأنها، وآخر يرتكب جرائم مروعة بحجة الدفاع عن الدين.
وهنا يجب أن نرفع صوت العقل والحكمة ونحاول محاربة ظاهرة الإرهاب ككل وعرقلة كل الوسائل التي تسعى من خلالها التنظيمات المتطرفة إلى نشر أفكارها الخبيثة دون الوقوع في خطأ ربط الإرهاب، مع أي دين أو ثقافة، مع التركيز في نفس الوقت على تعزيز قيم الوسطية والحوار وقبول الآخر ومحاربة العنصرية والتطرف والكراهية.
في الختام، أنا مقتنع بأن الإرادة المشتركة لمواصلة العمل والتعاون بين مصر واليونان سيكون لها أكبر الأثر في تعظيم المصالح المشتركة وتحقيق المزيد من الطموحات لشعبينا الصديقين وتمثل القوة الدافعة لمواجهة التحديات المشتركة من خلال التضامن الحقيقي بين مختلف شعوب ودول المنطقة المحبة للسلام.