النخيل ينحني للبسطاء.. أهالي المسلمات بقنا يحاربون البطالة والفقر بصناعة الجريد: إرث أجدادنا (صور وفيديو)
نجع صغير يطل على الطريق الرئيسي بمركز الوقف، شمالي محافظة قنا، تراصت بين جوانبه ورش لصناعة الجريد، يخرج منها أصوات طرق خفيفة كانت هي السمة الغالبة على المكان كله، وأمام تلك الورش أكوام من بقايا الجريد المُصنع، وأخرى من جريد لم يتم تصنيعه بعد، وأمامها كان العمال ينهمكون في عملهم.
في أول أيام 2021.. انتحار شاب لمروره بأزمة نفسية بسوهاج
"القاهرة 24" التقى العم عبد الله جاد، أحد أقدم صناع الجريد بنجع المسلمات بمركز الوقف، والذي تجاوز عمره الـ87 عاما، إلا أنه مازال يمارس المهنة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل أنه علم أسرارها لأبنائه ليسيروا على الدرب، يقول إنه تعلم صناعة الجريد والتي تعد من أقدم المهن، التي عرفها المصريون طوال تاريخهم، واستمر توارثها عن الآباء حتى الآن جيلًا بعد جيل، في عمر الـ15 عامًا من أحد أقاربه الذي تعلمها من آخرين من خارج محافظة قنا.
أرباحها كانت ضعيفة صناعة الجريد اختلفت كثيرا عن الماضي بحسب العم عبدالله، مشيرا إلى أنه في الماضي كان الطلب عليها متزايدا إلا أن أرباحها كانت ضعيفة، بينما في الوقت الحالي فأصبح الطلب قليل إلا أن مكسبها أصبح أكثر بكثير.
وعلى الجانب الآخر يجلس وليد صلاح، طالب بكلية دراسات إسلامية القرفصاء مستخدماً أدوات حديدية، يدق بها على أعواد جريد النخيل، يقول إنه يعمل في مهنة الجريد لتوفير مصروفاته الشخصية، وينتج أقفاص الطماطم، وأقفاص الخضروات والفاكهة، بالإضافة إلى الكراسي، والأسرّة والمناضد، مؤكدا أن كل نوع من هذه الأصناف له زبونه، وإن كانت الأقفاص هي الأكثر رواجا.
طريقة تخريم الجريدة يعتمد وليد على أدوات حديدية للقياس وتقطيع الجريد بأشكال هندسية مختلفة الأحجام، فمعه قطعة خشبية يقيس بها طول وعرض وارتفاع جريدة النخل تسمى "النمرة"، وقطعة من المعدن تسمى "علام" لتخريم الجريدة، وساطور للتقطيع وسلاح معدني يشبه السيف لتقليم أعواد الجريد، وقرمة من الخشب مثبتة بالأرض يدق عليها الجريد ويخرمه، بمقاسات ثابتة ومحسوبة.
محمود ياسين، مهندس مساحة بشركة مقاولات يعمل في مهنة الجريد لزيادة دخله، يوضح أن أسعار المئة جريدة تتراوح ما بين 170 إلى 200 جنيه، لافتًا إلى أن أهم الزبائن الذين يأتون للشراء في المقام الأول السيدات والمزارعون، فهم يشترون الدفايات التي تحافظ على الطيور، وتستخدم للتربية وسعرها ما بين 20 إلى 100 جنيه، بحسب الحجم، وهناك أصحاب المقاهي والكافتيريات الذين يحضرون لشراء الطقطوقة والكراسي المصنوعة من الجريد، ويصل سعر الكرسي 150 جنيهًا، وهناك من يشتري طقم كامل عبارة عن 5 كراسي وترابيزة بمبلغ 1000 جنيه.
الجميع يلجأ إليها لتحسين دخله جاد مسلم، موظف، أحد أبناء النجع يشير إلى أن نجع المسلمات يعد أحد أهم معاقل صناعة الجريد في الصعيد فكل شبابه وكباره وأطفاله يجيدون المهنة مهما كانت درجاتهم العلمية، مضيفا أن الجميع يلجأ إليها لتحسين دخله، فهي تجري في دمهم بحسب قوله.
ويضيف مسلم أن المشكلات التي تواجه صناعة الجريد بنجع المسلمات تتمثل في لإهمالها من قبل مسؤولي محافظة قنا رغم أنها من المهن التراثية والقديمة، وارتفاع أسعار الجريد والذي يدفع الكثير من أصحاب تلك المهنة للبحث عن الكم وليس الكيف ما يؤثر على جودة المنتجات، بحثًا عن هامش ربح مجزي، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة مع المنتجات البلاستيكية.
تبني المحافظة لأصحاب تلك المهنة ويرى أن الحل الأمثل للارتقاء بمهنة صناعة الجريد هو تبني المحافظة لأصحاب تلك المهنة خاصة وأن 90% من أبناء المسلمات يعتمدون عليها اعتمادًا كليا في في معيشتهم، وذلك عن طريق توفير المواد الخام من الجريد، وعمل معرض للصناعات الجريدية ويكون مزار سياحي، بالإضافة إلى الاستعانة بأصحاب تلك المهنة من أبناء النجع للعمل في المدينة الحرفية في نقادة، جنوبي قنا.