خانة الديانة.. إسلام الأزواج يحرم أمهات مسيحيات من حضانة الأطفال (تحقيق استقصائي)
“أسلم زوجك، وعليك الهروب بالأطفال حتى لا تُحرمي منهم إلى الأبد”.. كلمات رنت في أُذّن ألفت نجيب، حينما فتحت باب منزلها “مفزوعة” من شدّة الطرق، في أحد أيام 1996.
حزمتْ ألفت (23 سنة وقتها) حقيبة خفيفة واصطحبت أطفالها الثلاثة – أشرف (ست سنوات) ميشيل* (ثلاث سنوات) ومريم* (4 سنوات)- في عتمة الليل هاربة إلى القاهرة. اختبأت هناك لمدة شهر، ثم لجأت إلى دير القديسة دميانة بمنطقة براري- مدينة بلقاس شمال شرق القاهرة. في تلك الأثناء، عرضت أسرة سويسرية تبني أبنائها الثلاثة، لكنها رفضت.
“عُدت منكسرة إلى الاسكندرية سرًا في مارس 1997″، تستذكر ألفت اضطرارها للعيش في الدير الذي لجأت إليه. ثم “وضعت (أشرف- ميشيل) في دار رعاية بنين مُلحق بالكنيسة. أما مريم فتركتها في دار بكنيسة أخرى”، ثم عادت للدير تقاسم السيدات رهبنتهن لتعيش نصف راهبة ونصف امرأة عادية. .
بداية المآساة
بدأت مأساة ألفت حينما قرّر زوجها اعتناق الإسلام عام 1996: “فبمجرد تغيير ديانة الأب، تتغير ديانة أطفالي تلقائيا من المسيحية إلى الإسلام؛ كونه دين الدولة الرسمي كما تنص المادة الثانية من الدستور”. اضطرت ألفت للعيش في شتات لمدة عشر سنوات (1996 – 2006) لكي تستطيع ضم صغارها إلى وصيتها مرة أخرى بعد أن يتخطّوا السن القانونية لاختيار الديانة؛ 21 عاما.
على غرار ألفت، يوثّق هذا التحقيق حرمان عشرات الأمهات المسيحيات من حق حضانة أطفالهن على أساس ديني وقبل بلوغ سن اختيار الديانة (21 عاما). يتكرر ذلك في غياب نص تشريعي لتنظيم آليات حضانة الأطفال حال إسلام الآباء، ما يؤدي إلى عرقلة شؤون الحياة وإلحاق أضرار معنوية ونفسية بالأمهات والأطفال.
تعديلات المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية رقم 100 لسنة 1989 بالقانون رقم 4 لسنة 2005 تنص على حق الأم في حضانة أطفالها حتى بلوغهم سن 15 عاما. على أنها لا توضح كيفية تطبيقها في حال تغيير ديانة أحد الأبوين. هذه الثغرة يستغلّها الآباء الذين يتحولون من المسيحية إلى الإسلام لنزع الحضانة عن الأمهات المسيحيات، بحسب نبيه الوحش المحامي بالنقض والدستورية العليا.
في عام 2007، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالاشتراك مع منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان “هويات ممنوعة: انتهاك الدولة لحرية المعتقد”. تضمّن ذلك التقرير فصلاً كاملاً حول هذه الإشكالية بعنوان “باسم الأب: التحول اللاإرادي”. ويضم الفصل توثيقاً لملفات 89 مصرياً غيّرت الدولة ديانتهم في الأوراق الرسمية إلى الإسلام دون إرادتهم. فيما تتلقى منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان 60 قضية سنويا لها صلة بتغيير ديانة الأب، بحسب مدير المنظمة نجيب جبريل.
رئيس لجنة الفتوى والمسؤول الأسبق للجنة إشهار الإسلام التابع للأزهر سعيد عامر يقدّر العدد بثلاثين ضعفا على الأقل؛ بواقع ست حالات يوميا (2160 سنويا). ففي تصريحات لوسائل إعلام محلية عام 2010، أكد عامر تسجيل ست حالات تحول يوميا من المسيحية إلى الإسلام.
لكنّه لم يحدّد نسبة المصريين بينهم، ونبّه إلى أن اللجنة لا تقبل تحول من هم دون سن الثامنة عشرة. معدّ التحقيق حاول الاستفسار من عامر، كما بعث طلبا رسميا إلى مشخية الأزهر للتأكد من أعداد المتحولين للإسلام وبياناتهم، إلا أن الأزهر لم يستجب.
رئيس محكمة القضاء الإداري الأسبق المستشار عادل فرغلي يوضح أن مسألة تغيير ديانة الأطفال وضم حضانتهم للأب ترجع إلى اجتهاد القضاة بالاعتماد على نصوص الشريعة الإسلامية؛ أحد مصادر التشريع المصري. يعود ذلك إلى عدم وجود مادة محدّدة في القانون تحكم تغيير ديانة الأطفال حال إسلام الأب أو حضانتهم، كما أن نقص التشريع من أسباب اجتهاد القضاة، حسبما يوضح. فيلجأ القاضي للحكم بما لديه من نصوص تشريعية، بحسب فرغلي، الذي يؤكد أن الطفل يظل مسلما على ديانة والده الجديدة حتى يتخطّى 21 عاما، وهي سن الأهلية المدنية.
من هذه الثغرة، يطل حق الأب في نزع حضانة الطفل رغم عدم وجود نص قانوني بذلك. ولكن يحدث ذلك وفق اجتهادات القضاة بالاعتماد على آراء الفقهاء الدينية.
خسارة في الحالتين
ماذا لو تحول الأب إلى مسيحي؟ ما مصير الأطفال؟ لا يوجد قانون يحكم هذه المسألة، فالمرجعية هي النظام العام “الدولة المسلمة”؛ وهو لا يسمح أصلا بالتحول إلى المسيحية. فإذا أسلمت الأم وبقي الأب مسيحيا، يتحول الأطفال أيضا إلى مسلمين بتطبيق مبدأ: “الدين الرسمي للدولة الإسلام”. ويعتمد القضاة في هذه المسائل على النصوص الدينية، في غياب قانون ناظم لهذه الإشكالية.
“النظام العام لمصر يعد الأم المسيحية غير صالحة لحضانة الطفل”، يشرح فرغلي الذي يقول إن الأم المسيحية لن تستطيع تنشئة الطفل على دين الأب الجديد (الإسلام).
المادة الأولى في الأحكام العامة من القانون المدني رقم 131 لسنة 1948 تُتيح للقضاة الاحتكام إلى العُرف أولًا في حال غياب تشريع بشأن مسألة ما، ثم بعد ذلك إلى مبادئ الشريعة للفقهاء من الإسلام، حسبما يؤكد المحامي بيتر رمسيس النجار المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية. ويقول رمسيس إن معظم القضاة يتجاهلون العُرف ويلجأون مباشرة إلى الشريعة الإسلامية. “حق الحضانة يكون للمسلمة وغيرها. يستثنى من هذا الحق: الأم المرتدة أو الفاجرة فجورا يضيع به الولد سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة. وإذا خيف على الولد من أن يألف ملّة أمه”، بحسب مذهب فقه أبو حنيفة والمالكي. على أن مذهب فقه أحمد بن حنبل والشافعي يتفقان على “عدم أحقية الحضانة لغير المُسلم على المُسلم لأنه لا ولاية له عليه وقد يفتنه في دينه”.
الدكتور علي الأزهري الأستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر يؤكد صحة الأراء الفقهية للمذاهب الأربعة، موضحا أن كتاب المبسوط للإمام السرخسي (الفقه الحنفي) ورد فيه: “فإن أسلم أبواه أو أحدهما، فقد صار الصبي مسلمًا تبعًا لمن أسلم منهما، فإنه يتبع خير الأبوين دينًا”. أما ابن قدامة الحنبلي فأوص بأن “يتبع الولد أبويه، فإن اختلفا: وجب أن يتبع المسلم منهما كولد المسلم من الكتابية”، حسبما يضيف الأزهري. ويستشهد أيضا بكتاب المغني (الفقه الحنبلي): “ومن أسلم من الأبوين، كان أولاده الأصاغر تبعاً له”.
آثار نفسية ومستقبل غامض
يؤثر تغيير خانة الديانة على مستقبل الأطفال فيما بعد، إذ تتوقف على الدين عديد معاملات قانونية مثل عقود الزواج. فإذا كانت المتأثرة بقرار الأب أنثى، يغدو زواجها من مسيحي مستحيلا، لأن النظام العام للدولة يمنع زواج المسلمة وفق هويتها الرسمية من مسيحي، رغم أنها مسيحية الجذر. أما إذا كان المتأثر بقرار الأب ذكرا، فلن يحصل على عقد كنسي أو يحظى بمراسم دينية.
هذا ما حدث مع يوسف فندي، الذي تغيرت ديانته تلقائيا حين أسلم والده قبل 14 عاما. فبينما تقدّم يوسف لخطبة فتاة مسيحية لجأ إلى القضاء لإعادة ديانته إلى المسيحية. لكن تلك القضية عُّلقت لفترة، وبسبب عدم قدرة يوسف على الرجوع إلى ديانته الأصلية، خسر خطيبته في تلك الأثناء. “واليوم لن تقبلني أسرة فتاة مسيحية لأني رسميا مسلم، ولن تقبلني أسرة فتاة مسلمة لأني فعلا مسيحي”، يتحسر يوسف بأسف.
ورصدت المبادرة المصرية حالات 33 فتاة معاكسة ليوسف فندي، لم يستطعن الزواج بعد إجبارهن على التحول للإسلام تبعا لدين الأب، في الوقت الذي يفضلّن البقاء على ديانتهن التي ولدن عليها.
يؤكد إسحق إبراهيم مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن تغيير ديانة الأطفال وضم حضانتهم للأب المسلم ينتهك مبادىء المساواة ويخالف العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. فصدور أحكام قضائية برعاية الحكومة لتغيير ديانة الأطفال “يعني أن الدولة تنحاز لدين على حساب دين آخر؛ وهي رسالة سلبية تؤثر على الأطفال فى المستقبل”، حسبما يوضح إبراهيم، “خصوصا حين يحدث أحيانا عودة الأب إلى المسيحية بعد اسلامه، فيظل الأطفال متنقلين بين الأديان ويعيشون حياة ضاغطة”. فبالنسبة لعديد مسيحيين، سيواجه الأطفال نظرة “عار”، وقد يتعرضون للتنمر والاضطهاد إذا فكروا في العودة للمسيحية.
معاناة أبدية
أشرف صبحي (29 سنة) الإبن الأكبر لألفت يستذكر رحلة الشقاء: “خافت أمي من ملاحقات والدي، فأودعتني ملجأ تابعا للكنيسة”. أُووي أشرف هناك من سن ست سنوات وحتى مرحلة الجامعة، فلم ير أمه وأخته إلا مرّات قليلة، حسبما يستذكر.
غُيّرت ديانة أشرف إلى الإسلام، تبعا لديانة والده. ولكنه لم يقبل أبدا بهذا التغيير. “أصبحت عصبيا، معاديا لكل ما هو مسلم، فمجرد تشغيل سائق التاكسي القرآن في السيارة، يجعلني أتشاجر معه”. لذلك عاش هاربا من هوية تطارده، ما سبّب له انفصاما في بعض الأحيان: ففي ملجأ الكنيسة كان يتعبد على دين يسوع، في حين تصر الدولة في أوراقها الرسمية على معاملته “كمسلم”، متغاضية عن الصليب الموجود في رسغه الأيمن.
“أولت لماما يا طنط أول مرة شوفتها بعد غياب سنوات”، يروي أشرف بألم. كان يعرف أنها أمه لكنه اعتاد علي هذا اللفظ الذي يقوله لمربيات الدار، إضافة إلى خشيته أن يتعرّف أحد على هويته ويخبر والده. وفي الدار، تحمّل أشرف عبء إنكار والدته وعدم معرفة مكان اخته وفوق كل ذلك، حمل مسؤولية رعاية شقيقه الأصغر (ثلاث سنوات) حينذاك.
“فرحت لخبر وفاة والدي”، قالها أشرف متحسرًا. ثم يصف اضطراب حاله حينما زارته والدته لزف هذا الخبر ووعده بأنهم أخيرًا سيعيشون في بيت واحد قريبا.
معظم أطفال الملجأ كانوا يعيشون في ظروف مشابهة. وكان أشرف يضطر للانتظار يوميا نصف ساعة بعد الدوام المدرسي يترجل في الشوارع حول المدرسة، قبل أن يعود إلى الملجأ، حتى لا يشك زملاء المدرسة في مقر إقامته، ما كان يعرضه للضرب يوميا من مشرفي الدار. ولم يكن يستطع شرح سبب تأخره.
عندما وصل الفتى إلى سن التجنيد، فضّل الهرب من تأدية الخدمة العسكرية، خصوصا أنه كان يعول أسرته. لكن أسم عائلته في شهادة ميلاده غير الاسم المذكور في شهادة وفاة والده المفترض أن يحصل بموجبها على الإعفاء من الخدمة العسكرية. كما أن خانة ديانة والده في شهادة ميلاده “مسيحي” بينما في شهادة وفاته “مسلم”. وهكذا قرر ان يظل هاربا لحين بلوغ سن الثلاثين وهي سن سقوط عقوبة الفرار من التجنيد مقابل غرامة”.
“ما ذنبي باسلام والدي لأحرم من أمي وشقيقي”، يقول أشرف في لحظات كانت نبرات صوته تشي عن بركان يوشك أن ينفجر داخله، :”عشت 19 عامًا هاربًا، محروما من الحياة الطبيعية للأطفال، ولا أري أمي وإخواني إلا خلسة”.
يؤكد ان اسرته تدمرت بسبب فرض الدولة ارادة والده عليها بشكل كامل، هو لا يمانع ان يدخل والده اي دين يشاء، لكنه يرفض ان يسري ذلك عليه، خاصة اذا كان الايمان يشكل علاقة خاصة بين الفرد وربه فكيف تفرض علي اسرة كاملة اذا اسلم الزوج تبعا له.
يدعو نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان إلى استحداث مادة جديدة في قانون الأحوال الشخصية تضمن بقاء الطفل/ة على الدين الذي ولد عليه لحين بلوغه السن القانونية؛ لأنها الثغرة التي يستغلها الأب في ضم حضانته له بموجب القانون. ولا يُخف نجيب جبرائيل انزعاجه من اعتماد الدولة على مبدأ أن “دين الدولة هو الإسلام” المناقض، حسب رأيه، للمادة 53 من الدستور المصري والتي ساوت بين المواطنين أمام القانون.
سابقة تاريخية
قد تحدث استثناءات لمعضلة أمهات مسيحيات وأطفالهن، على غرار ما حصل عام 2009 مع ميرفت*جاب الله، التي حكم القضاء في مصلحتها في سابقة تاريخية. ميرفت* أم لتوأمين، أسلم زوجها بهدف الطلاق وأخذ حضانة الأبناء. في البدء، أصدر قاضي محكمة الأحوال الشخصية حكما بنزع الأطفال منها قبل أن تنقض الحكم أمام النائب العام في العام ذاته. فبموجب المادة 250 من قانون المرافعات المصري، طعن النائب العام حكم القضية رقم 5277 لسنة 78 قضائية، مستخدما سلطته الاستثنائية في الأحوال الشخصية؛ والتي لا يجوز فيها النقض إلا استثنائيا للنائب العام فقط في ثلاث حالات: خطأ في القانون، تطبيقه أو تأوليه أو الاثنين معا.
“كنت كلما حاولت أن أنام، أحس أن جسمي يرتعش على السرير لمجرد فكرة انتزاع توأمي مني”، تسترجع جاب الله ما مرت به بعد صدور حكم نزع الحضانة.
“باعتباره خير الأديان”، صار الطفلين تابعين للأب في الإسلام، ولخشيته ان تزرع الام في نفوسهم الكراهية للاسلام بوجودهم في حضانتها، فأقام دعوي نزع الحضانة من الأم، وان ينضم الأطفال اليه لعدم وجود حاضنة مسلمة أخري في الترتيب، بحسب مذكرته للقضاء زالتي حصلنا علي نسخة منها.
اليوم، تنصح كل أم بأن لا تخشى الدفاع عن حقوقها. “حينما دخلت العاصفة لم تكن لدي أي مساندة من أي نوع، حتى أهلي أنفسهم لم يكونوا معي”. وتخاطب قريناتها: “إذا لم تؤمن بحقكن لن تستطعن استرداده”.
لتبرير ضم الأطفال إلى حضانته، استند الأب في مذكرة دعواه إلى سورة النساء/ آية 141: “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، ولا تجوز ولاية الكافر على المسلم”. رأت ميرفت في ذلك ازدراء لاتهامها بأنها كافرة ولا تصلح للوصاية على أطفالها: “كنت أشعر أني مواطنة درجة خامسة”.
ويرى المحامي نبيل جبرائيل – المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية- أن نقض النائب العام الذي انتصر للسيدة كاميليا جاب الله كان أمرا “استثنائيا”، ما يدلّ على أن أحكام نزع الحضانة عن أمهات مسيحيات تخالف القانون. ويشكو جبرائيل من أن النظام القضائي المصري لا يعطي حق النقض في قضايا الأحوال الشخصية، ولذلك “تظلم أسر كثيرة”.
ميرفت*جاب الله
هجرة للأبد
ولئن نجحت ميرفت جاب الله في استعادة أطفالها، اضطرت فيفيان سعد الله للهجرة رفقة طفلها إلى الولايات المتحدة، بعد معركة تقاضي (من 2013 إلى 2016)، ضد زوجها الذي اختار الإسلام طريقا للفوز بالطلاق. وكان المحامي أخبرها بأن تغيير ديانة الزوج ما هو إلا بداية لسلسلة من القضايا تنتهي بانتزاع حضانة طفلها. “كلام المحامي كاد أن يتحقّق بالحرف”، تستذكر الأم. وتقول إن “محاميي الأمهات المسيحيات لا يسعهم سوى حضور الجلسات لمرافعة “لا تُسمع ولا تحفظ حق طفل”. لذلك لم يمر اليوم الثالث بعد أن فرضت المدرسة على نجلها دراسة الدين الإسلامي، إلا وكانت في السفارة الأمريكية لنيل تأشيرة “قبل أن يمنعني زوجي من السفر بموجب حكم الحضانة”.
وعكس فيفيان سعد الله فوجئت ميرا جبران بوجود ابنها في “كندا” حيث هاجر به والده، وظلت هي في مصر لا تستطيع ان تراه، وخسرت قضايا النفقة وحضانة طفلها، تقول: “خسرت ابني ونفقتي وشقتي”.
قصور في القانون
بتكليف من الحكومة، تُجهّز الكنائس القبطية في مصر قانونا جديدا للأحوال الشخصية تمهيدا لعرضه على البرلمان. على أن مستشار الكنيسة الأرثوذكسية القانوني منصف سليمان يقول إن مشروع القانون – الذي لم يناقش بعد- لن يطبق في نزاعات الحضانة بين الأم المسيحية والأب المسلم. ولم يتسن لمعد التحقيق الاطلاع على مشروع القانون المقترح.
تحت عنوان “هشاشة الحماية القانونية لمسيحيي المشرق العربي في مسائل الأحوال الشخصية”، انتقدت منظمة العفو الدولية في ورقة بحثية انتهاك أنظمة عربية مبدأ “عدم التمييز” والحرية الدينية، سواء كان في التشريعات أو في اجتهادات وقرارات المحاكم. وبينّت المنظمة أن غياب التشريعات في القانون الحالي يسمح للقاضي بالرجوع إلى أحكام المذهب الحنفي، الذي يتضمن بدوره أوجه تمييز ضد غير المسلمين.
اقتراحات لتعويض القانون
تنتقد عزة سليمان، رئيسة منظمة قضايا المرأة المصرية، وجود أكثر من قانون يُطبّق بحسب الديانة، لمواطنين لهم نفس الحقوق، للمسلمين قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية، وهناك لائحة للأقباط تعرف باسم لائحة أقباط 1938 والمعدلة بقرار من البابا شنودة الثالث لعام 2008 فيما يخص الأقباط الأرثوذكس، بخلاف الطوائف الأخرى التي يحكم كل منها لوائح داخلية، فيما تصفه سليمان بفوضى تشريعية.
وتؤكد “سليمان” أن أزمة نزع الاطفال من حضانة الأمهات المسيحيات ليست قانونية في المقام الأول، ولكنها تكمن في الممارسات القضائية، حيث يبقى القضاة متمسكين بالموروثات الدينية والثقافية في المجتمع المصري، مما يؤثر في الأحكام القضائية الصادرة لصالح الأغلبية المسلمة، في هذا الصدد، تطالب عزة سليمان بضرورة “تدريب القضاة وإنشاء محاكم متخصصة”.
وصرّحت الحقوقية بأن المنظمة تعد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، يكون “موحدا لكل المصريين”، ويعتمد في جوهره على الإعتراف بالحقوق المدنية للمواطنين بعيدا عن الدين.
وأوضحت أن نص المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية “عام” ولم يفرق بين الأم المسلمة والأم المسيحية، كما لم يشر إلى حق الأم المسيحية، لكن عدم إشارته تلك استُغلت بالعكس، وأصبحت ثغرة. بالتالي، فإن مشروع القانون يقترح إضافة الجملة التالية: “تستحق الأم غير المسلمة، التي كانت متزوجة من مسلم أو تحوّل زوجها إلى الإسلام، حضانة صغيرها حتى يبلغ عمره خمسة عشر عاما”.
في هذا الصدد، يوضّح النائب محمد أبو حامد وكيل لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب، أن “كل مواد قانون الأحوال الشخصية مطروحة للنقاش”. كما أن المادة 20 التي تحدد سن الحضانة بشكل خاص، تتشابك فيها عدة جهات ومؤسسات وبينها تباين شديد، و”لكن حسمها سهل، خاصة وأن المواطنين أنفسهم مسلمين ومسيحيين يهمهم أولا رأي المؤسسة الدينية، وهو اتجاه مجتمعي”.
ويرى وكيل لجنة التضامن الإجتماعي بمجلس النواب، أنه “لن يتم تمرير قانون أحوال شخصية يعترض عليه الأزهر، إذا رأى أنه يعارض الشريعة الإسلامية”، مؤكدا أن الأزهر يحتفظ هو أيضا بقانون خاص ينتظر عرضه على البرلمان رغم أنه ليس جهة تشريع.
ويرى النائب أن “وجود قانون للمسلمين وآخر للمسيحيين في الأحوال الشخصية أمر دستوري”، بما أن الدستور نصّ على احتكام المواطنين لشرائعهم، والأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين منبثقة من الدين، وكلا المؤسستين الدينيتين _ الازهر والكنيسة_ تعتبران الزواج عقدا دينيا.
يترقب أشرف عقارب الساعة وأوراق التقويم، وينتظر أن يكمل عامه الثلاثين مارس المقبل _2020_ لتسقط عقوبة التهرب من الخدمة العسكرية، مقابل غرامة مالية، ليسير بعدها في إجراءات التقاضي، لإعادة هوياته الرسمية من مسلم إلي مسيحي مرة أخري، ويمارس حياته الطبيعية، إذ أنه العائل الأول لأسرته لكنه حتي الآن لا يستطيع أن يحصل علي عمل مناسب؛ لأن شهادة آداء الخدمة العسكرية شرطًا للتوظيف في مصر.
في الأثناء، تستمر معاناة أسر مسيحية نتيجة إسلام الآباء، إذ تواجه خطر التفكك وانسداد معاملات الأحوال الشخصية، في غياب نص تشريعي يحفظ حق الأم المسيحية في حضانة أطفالها.
* هذا التحقيق تم إنتاجه بدعم وإشراف من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج”.