إجهاض قسري.. أطقم طبية تضررن من قرار "الصحة" وقف إجازات الحوامل: "واجهنا كورونا وفقدنا أجنتنا"
عندما كانت تضع "إيمان" يدها على بطنها، في راحة يدها كان شعور لا إراديًا يبعث الفرحة داخلها، ما بداخلها ليس مجرد نطفة وإنما روح تَرعى، أملٌ لدى الممرضة الثلاثينية تنتظره منذ سنوات، تتخيله يكبر أمامها ليصبح طفلًا ثم ابنًا يرعاها عند العجز، لكن هذا الأمل لم يكن من نصيبها عندما فقدته نتيجة أعباء زائدة لما تقوم به من خدمة صحية في ظل أزمة فيروس كورونا داخل أحد مستشفيات العزل، وانتهى الحلم قبل اكتماله، لتفقد حلم الأمومة مجددا.
تقول إيمان إنها تقدمت بطلب الإجازة في شهر ديسمبر من العام الماضي 2020، عندما علمت بحملها بشكل رسمي وبتقديم كافة الأوراق اللازمة، وذلك لعدم نزولها للخدمة الصحية في ظل أزمة فيروس كورونا، إلى جانب أنه كان متبعًا للحوامل من الأطقم الطبية حصولهن على إجازة من العمل، لكن وزارة الصحة لم توافق ضمن قرار بحظر إجازات الحمل ورعاية الطفل التي أصدرتها لمواجهة فيروس كورونا.
إيمان السكندرية لم يسكن بطنها مياه الولادة، هذه المرة ترى أن المتهم الرئيسي هو وزارة الصحة والسكان، عندما تنقذ العشرات يوميا على أمل أن يعودوا لأبنائهم على قيد الحياة ينعمون بأحضانهم، يكون من الصعب عليك أنك تفقد "ضناك" في الوقت نفسه ومعه حلم الأمومة الذي يبدو أنه من الصعوبة تحقيقه بعد 3 سنوات من الزواج.. انتهى الحلم ولم يعد بإمكاننا تتويج مسعانا بغير الهزيمة.
في 21 من شهر ديسمبر الماضي، أصدرت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان، قرارا بإيقاف الإجازات غير الوجوبية للأطقم الطبية، واعتبرت من بين هذه الإجازات "الحوامل، التفرغ الدراسي، السفر للخارج، تحسين الدخل ومرافقة الزوجة"، لكن قرار الوزيرة الذي جاء لمواجهة تحديات فيروس كورونا، تراجعت عنه بعد أيام بالنسبة للأطقم الطبية في الخارج، ثم في التاسع من يناير قرارا يسمح للمرأة الحامل التي مر على حملها 28 أسبوعا من الأطقم الطبية بالحصول على إجازة.
بين التاريخين اللذين أصدرت فيهما الوزيرة القرار ثم التراجع عنه بشكل مقنن، فقد نِسوةٌ من الأطقم الطبية حملهن؛ لرفض حصولهن على إجازة نتيجة الحمل المتعثر أو غيره مما يمنع نزولهن لتقديم الخدمة الصحية في أقسام عزل وفرز، فيما رفضت الوزارة ومديرياتها هذه المنحة تنفيذًا لقرار الدكتورة هالة زايد.
في سوهاج، لم تعد "ماجي" طبيبة في مستشفى فرز لوزارة الصحة والسكان تعمل على الحصول على إجازة حمل من جديد، فقدت جنينها الذي كان في الشهر الثالث تقريبا نتيجة ضغط العمل، تقول ماجي إنها حاولت قدر الإمكان الحصول على إجازة من وزارة الصحة إلا أن الأمر أصبح فيه صلف واضح، حيث يرفض الموظف تسلم الأوراق من الأساس.
وتضيف ماجي لـ"القاهرة 24" أن ضغط العمل شاق، مقابلة مرضى بشكل يومي يعانون من نفس الأمراض مؤرق، ومن ثم حدث ما كانت لا تتمنى حدوثه، فقد الجنين في وقت مبكر من الحمل، في النهاية حلمٌ سقطَ ليس مجرد نطفة لم تنتهِ من إكمال نموها بعد في بطنها، حيث كان من الممكن أن يستمر ويصبح طفلا.. لكن موظف الصحة قرر تنفيذ التعليمات.
وأظهرت بيانات صادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أنّ العديد من النساء الحوامل اللواتي تعرّضن لفيروس كورونا، كنّ أكثر عرضةً لخطر الوفاة، حيث أضاف مسؤولو الصحة الأميركيون الحمل إلى قائمة الحالات التي تجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا.
وأظهرت البيانات أنّ النساء الحوامل أكثر عرضة بثلاث مرات تقريبا لدخول وحدات العناية المركّزة، وبالتالي إمكانية وضعهن على جهاز التنفس الصناعي أكثر توقعا، وتؤكّد النتائج الدراسات السابقة ارتباط الحمل بزيادة خطر الإصابة بأمراض خطيرة.
قرار عاجل من "الصحة" لإجازة الحوامل من الأطقم الطبية
مصدر في وزارة الصحة والسكان أشار إلى أن القرار مطبق منذ الموجة الأولى، حيث اتُخذ قرارٌ بمنع حصول الأطقم الطبية حتى الحوامل على إجازة بسبب الأعداد المتزايدة من الإصابات اليومية، ومن ثم يصعب حصولهن على إجازة مع عدد الإصابات الكبير أيضًا في الأطقم الطبية وبالتالي جعل من الصعوبة حصولهن على فترة طويلة من الغياب عن العمل في هذا الوضع الصحي الصعب.
وأضاف المصدر لـ"القاهرة 24" أنه على الرغم من ذلك كانت بعض المديريات أو المستشفيات في المحافظات تسمح منفردة بإجازة للمرأة الحامل من الأطقم الطبية، خاصة من يثبت عليهن تعثر حالتهن الصحية، وبالتالي كان نزولهن للعمل في المستشفى يمثل عبئا أكثر ما هو مساعدة في تقديم الخدمة الصحية لمرضى شديدي الخصوصية مثل مصابي فيروس كورونا المستجد، إلى جانب أن المرأة الحامل ذات مناعة ضعيفة وبالتالي من السهولة انتقال العدوى إليها.
حال إخصائية التحاليل "ماجدة" في مستشفى لتقديم الخدمة الصحية في القاهرة لم يكن أفضل من سابقاتها، حيث استمرت بشتى الطرق المحاولة في الحصول على إجازة نتيجة حملها منذ نحو 3 أشهر، حالتها كانت متعثرة خاصة مع وصولها لسن الـ35 من عمرها، ذلك حسبما أوضحت كان أصعب خصوصا أنها لم ينعم عليها الله بالأطفال من قبل، وكانت هذه فرصة ذهبية، لكن في النهاية نزولها يوميا لأخذ المسحات في المستشفى يجبرها على التعرض لفيروس كورونا.
أصبت بالفيروس أثناء الحمل، هكذا قالت ماجدة في حديثها لـ"القاهرة 24" هذا الأمر كان صعبا للغاية على المستوى الصحي، خاصة مع الحمل، وفشل الحمل في الاكتمال في نهاية الأمر، لكن يبقى التساؤل الهام الذي طرحته الأخصائية "ماذا كان يمكن أن يحدث لو حصلت على الإجازة في الوقت المناسب، بالتأكيد لم يكن العمل في وزارة الصحة والسكان سينتهي، وستستمر الأطقم الطبية في مواجهة كورونا، والوزارة في النهاية قادرة على عدم وجود عجز.
نقابة الأطباء
الدكتور كريم مصباح عضو مجلس نقابة أطباء مصر أكد بدوره أهمية عدم إصدار وزارة الصحة والسكان قرارات تعميمية مثل وقف الإجازات على سبيل المثال، حيث من المعروف أن لكل قرار حيثياته واستثناءاته بطبيعة الحال، لكن الأمر نفسه يجعل وزارة الصحة تتراجع عن قراراتها في النهاية وتصدر قرارت تابعة توضح قرارها، لكن بالطبع يوجد ضحايا لكل قرار.
وأضاف مصباح لـ"القاهرة 24" أن رعاية الطفل والحوامل والعاملين بالخارج كانوا من الذين أصابهم قرار وزيرة الصحة بوقف الإجازات، وهو ما تراجعت عنه الوزارة بالفعل مع الوقت، حيث أخذت قرارا جديدا بمنح الإجازة للمراة الحامل من الأطقم الطبية بعد 28 أسبوعا، فيما تم السماح بتمديد الإجازات للعاملين بالخارج من الأطقم الطبية.