الأحد 17 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

متوحدون.. طيف غطته سحابة الجائحة

القاهرة 24
صحة وطب
السبت 18/يوليو/2020 - 12:36 م

هل تعرف لماذا تعد المواساة غير ضرورية عندما تتحدث عن الفقد؟.. أن ترى الشخص الذي فقدته في كل وجه ترك الحياة، رائحته التي لا تنضب من حولك، روحه التي ترفرف في ملكوتك، لهذه الأسباب يجب أن أبقى هنا، كان حديث أم عمر 4 سنوات من محافظة المنوفية واضحا لمدير الحجر الصحي في البحيرة بعد إصابة ابنها الذي يواجه “التوحد”.

الحياة التي انتظرتها السيدة الشابة، والدموع التي نشبتها عينيها تتألم من صعوبة الولادة، كلها أمور تتركز في رؤيتك للفقد، كأنك عشت كل ذلك هباءًا، هذا ما كانت تشعر به الأم حسب الدكتور محمد عبادي طبيب الأطفال السابق في مستشفى البحيرة للحجر الصحي وهي تحادثهم بينما يرفضون دخولها برفقة نجلها صاحب الأربع سنوات فقط.

إصابة عمر كانت لعدم ادراكه الإجراءات الاحترازية اللازمة للوقاية من كورونا، ففي الوقت الذي قدم تطورا ملحوظا في إدراكه وتعامله الاجتماعي تسبب إغلاق مراكز التخاطب وعلاج أصحاب الأمراض العقلية ومنها التوحد في انتكاسة حالته، وبعد حوالي شهر واحد من الإغلاق أصبح عمر فريسة كورونا.

كنت انظر إلى والدته يوميا، تراها مبتسمة بينما هي تتألم من داخلها، ترتدي رداء الطاقم الطبي وليست منهم، تتخذ أبرز إجراءات الوقاية لكنها ليست مريضة، فقط تفعل كل ذلك للبقاء إلى جانب ابنها للنهاية، لكنه مع ذلك كان يرفض أكل الطعام ويتناول بصعوبة شديدة، لا يصدر عنه تحركات تذكر لكن مع ذلك لم تيأس الأم ابدًا في تقديم كل ما يلزم، حتى جاءت النهاية وأصبحت نتيجته سلبية ليخرجا معًا بعد 10 أيام حسب الدكتور العبادي المشرف على الحالة.

في 19 مارس الماضي، قررت وزارة التضامن الاجتماعي إغلاق الحضانات بتخصصاتها المختلفة ومن ضمنها المعالجة لحالات التوحد في مصر، الأمر الذي أدى إلى حدوث انتكاسات بحسب خبراء وحالات تواصلنا مع عائلاتها لأبناءهم بعد إحداث تطور هائل في مهاراتهم الاجتماعية والعقلية مع عدم وجود أي بدائل آخرى.

الوزارة لم توفر بديل طوال فترة الغلق، مثلها مثل المدارس والجامعات، كلها خدمات واحدة وتقدم بنفس الطريقة وممنوع التعامل مع الجمهور”، متابعًا:”وهي خدمات تؤدى فيزيقيًا ولا يجوز تأديتها أون لاين”، حسب محمد العقبي المتحدث الرسمي لوزارة التضامن الاجتماعي.

طريقتان يمكن من خلالهما ترخيص مركز للتخاطب

عقارب الساعة تشير للخامسة مساءًا، يقف الطفل معاذ يطالع من نافذة منزله مشهد غلق المحلات والمطاعم أبوابها خلال فترة حظر التجول، وتحول منطقة شبرا بوسط القاهرة، المعروفة بصخبها لمنطقة يسودها الهدوء والظلام ليبدأ معها الطفل موجة من البكاء المصحوبة بأعمال عنف وتكسير للمنزل لعدم استيعابه ما يدور حوله.

قبل ظهور “كوفيد-19″ بأشهر معدودة بدأت الحياة تكشر عن أنيابها قليلًا للأم، لينطق الطفل صاحب الـ10 سنوات بعد سنوات عجاف سادها الصمت، ببعض الكلمات البسيطة، مع الاعتماد على نفسه بعض الشئ بخلاف ما جرت العادة، قبل أن تأتي كورونا وتعصف بنتيجة سنتين من العلاج المكثف بأحد المراكز التأهيلية، وتحول حياة الأسرة كاملة لـ”مأساة” حسب وصف الأم.

أصعب أيام حياتي بعد 9 سنوات على التعايش مع الحالة، وصف رآته رحاب عماد ام معاذ معبرًا عنها، بعد غلق المراكز :”حياتنا بقت مأساة، حالة معاذ ساءت جدًا، أصبح أكثر عنفًا طول الوقت بيعيط من غير سبب، وتكسير في البيت، مستغرب هدوء الشوارع وقت الحظر، مش قادر يستوعب التغيير”، مكملة:”كورونا دمرتلي إبني.. ايدي مشوهه ومنظرها مرعب من آثار الخربشة والعض”.

الكارتون ومشاهده مشاهد صامته ممنوع منها ذو التوحد، ولكن خلال تلك الشهور لم يكن أمام الأم اختيار آخر؛ هربًا وخشية من نوبة العنف التي تطول الجميع بلا استثناء في المنزل، لافتة: “ابني كان بيتدرب 40 ساعة في الأسبوع، وهو العلاج الموصى به من الدكتور المعالج في يوم وليلة حرم من كل شئ ورجع للتليفزيون ومفيش حد يقدر عليه.”

حيلة التدريب والأنشطة الأون لاين لم تجدي نفعًا معها، وتسرد:”ما بقدرش أسيطر عليه، وأنا نفسيًا من اللي بشوفه مش قادرة، الوضع مرهق نفسيًا وذهنيًا لأبعد درجة، لو غيبت عنه لحظه بيأذي نفسه.. 15 ساعة متواصلة ملازمة ابني، أنا إنسانة طبيعية ماعنديش نفس طاقته، لكن المركز كان بيقضي فيه أغلب ساعات يوميه، ويرجع هادي شوية”.

تشير الدراسات إلى أن عوامل عديدة، وراثية وبيئية، تُسهم في ظهور اضطرابات طيف التوحّد الذي يُحدث اضطراباً في عملية تطور المهارات الاجتماعية والسلوكية عبر قصور في نمو الدماغ بوقت مبكر. وبشكل عام، يعاني الطفل المصاب باضطراب التوحد من مشاكل في التفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل وعدم الاستجابة وضعف التواصل البصري والحسي. وتسهم العزلة الإجبارية التي يعيشها العالم اليوم في التأثير بعيد المدى على التقدم الذي تم إحرازه، وإخفاق في الأهداف التنموية والتربوية والتعليمية التي تم تحقيقها مسبقاً معهم بصعوبة بالغة.

وحسب غادة شمس مدير تنفيذي لاتحاد مصر من جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة فإن أكثر ما تسبب في أزمة خلال الفترة الماضية هو “الانتكاسات” أو ما يمكن تعريفه بالتراجع الذي أصاب ذوي التوحد بشكل عام في مهاراتهم الاجتماعية تحديدًا، ومع الخوف الشديد من انتقال العدوى أصبح من الصعب وجود مدرب خاص في المنزل ليتم الاعتماد على جلسات الأونلاين لكنها لا تجدي نفعا كبير.

التعداد الرسمي الأخير للأطفال ذوي التوحد في مصر، أعلن خلال الاحتفال باليوم العالمي لذوي التوحد عام 2017، وقدر بنحو 800 ألف طفل، وفقا لتصريحات سابقة لمحمد فتحي مدير مركز رعاية وتأهيل أطفال التوحد بوزارة التضامن الاجتماعي.

الجهات الحكومية الخاصة بعلاجات ذوي التوحد

أشواط عدة قطعتها ناني مبارك، مع طفلها الأكبر عمر، مريض توحد مكتسب منذ كان عمره عامان فقط؛ لتحقيق حلم حياتها بدخول طفلها للمدرسة، من مركز لآخر؛ سعيًا لتحسن الحالة والقدرة على إجتياز إختبارات القبول، وما إن وصلت للمستوى المطلوب، عزمت الأم على التقديم لطفلها في أغسطس الماضي، ولكن جاءت كورونا بغلق مراكز التأهيل لتعيق تحقيق أمنيتها البسيطة كأي أم.

بنبرة حزن وقلة حيلة تروي الأم عن حالة طفلها ذو السبع سنوات بعد فترة الإنقطاع عن مركز التأهيل، والتي كانت كفيلة لتغيير تصنيف حالته المرضية، وتقول:” قبل كورونا كنا في مستوى ودلوقتي تخطيناه بمراحل، كان تصنيف حالة عمر زيادة في الحركة ودلوقتي أصبح فرط حركة رهيب، وبعد ما كان بدأ يتكلم ويكتب ويرسم ويحل أنشطة المركز، سلوكه تراجع، ومفيش حاجة يطلع فيها طاقته غيرنا.”

الأخ الأصغر لعمر كان ضحية هو الأخر لقرار غلق مراكز التأهيل، حيث أصبح أكثر عرضه للعنف من قبل أخيه، حسب ما قالت الأم، وبسبب ظروف العمل لم تستطع القيام ببديل المركز من تدريبات الأون لاين، مردفة:” لو الوقت سمح كنت بحاول ولكني غير مختصه وفي كل مرة كنت بفشل.”

أرقام التوحد في مصر

خسائر فادحة

“قررنا غلق المركز بشكل نهائي” بتلك الكلمات استهلت ياسمين غازي حديثها، مدير مركز بصمة لتنمية المهارات وتعديل السلوك، لـ”القاهرة 24″، وتقول:” قررنا غلق المركز بشكل نهائي، بسبب المديونيات، فلوس كتير تراكمت علينا، وحتى لو صدر قرار بعودة المراكز، الدخل العائد مش هيغطي المديونيات، من أجور عمال وحسابات المركز، والناس خايفه تنزل لو رجعنا تاني.. كورونا وقفت حالنا”.

مستويات الإصابة

طفل مصاب من بين كل 160 طفلاً بدرجات مختلفة من الأعراض، لافتةً إلى أن نسبة الإصابة بين الذكور 4 أضعاف الإصابة بين الفتيات، وأن هذا المرض يسبب مشكلات في التواصل الاجتماعي والعاطفي، وأن بعض المصابين لديهم قدرات خاصة متميزة عن أقرانهم ولديهم تفوق، حسب غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة.

ومع ذلك يضيف العقبي لـ”القاهرة 24″ إن المجهز فقط من المراكز سيعود للعمل مرة آخرى، أما الغير مجهز سيعود بعد تجهيزه كليًا.

تابع مواقعنا