حققتْ المعجزة.. قصة أول فتاة من الصم والبكم تلتحق بالجامعات المصرية
دفعها حبها وشغفها للفن وإصرارها لتحقيق حلمًا رافقها وهي لم تُكمل العقد الأول من عمرها، حتى بات حقيقة وهي في سن التاسعة عشر، لتصبح "هاجر مصطفى" أول فتاة من الصم والبكم تلتحق بالجامعات المصرية.
ولتفوقها على أقرانها في المدرسة حصلت "هاجر" ابنة محافظة سوهاج مركز المراغة على المركز الأول بعد تخرجها من مدارس الأمل المخصصة للصم والبكم في مصر من قسم الزخرفة، وذلك على مستوى الجمهورية، لتلتحق بكلية التربية النوعية جنوب الوادي قسم التربية الفنية وتحقق هدفها الذي تسعى لأجله طوال 12 عامًا.
تحكي "هاجر" في حديثها لـ"القاهرة 24" أنها كانت تحب الرسم بمستحضرات التجميل الخاصة بوالدتها وهى لم تتجاوز العشر سنوات، ما دفع والدها لشراء الألوان وأدوات الرسم، ولكن اكتشفت شغفها بذلك لأول مرة عندما ذهبت للمدرسة ووجدت نفسها تميل لإعادة اللوحات المعلقة داخل الفصل الدراسي.
واجهت "هاجر" أثناء دراستها بالجامعة العديد من العقبات والتي كان أولها خضوعها لامتحانات منتصف العام الدراسي الأول في اليوم التاسع والعشرين من شهر ديسمبر أي بعد 27 يوماً فقط من التحاقها بالجامعة، وذلك في ما يقارب من 13 مادة دراسية، بحسب قول والدها.
هذا بالإضافة إلى عدم توافر مترجم من قبل الجامعة طوال فترة الأسبوع، حيث إن المترجم الذي كان مكلفًا بشرح المنهج لـ"هاجر" كان يأتي للجامعة يومين في الأسبوع ويحضر المحاضرات الصباحية فقط، مبرراً ذلك بأن المقابل المادي الذي يأخذه من الجامعة قليل، على حد وصف والد هاجر، هذا إلى جانب أنه كان حاصلاً على دبلوم فني وليس خريج كلية لها صلة بالمواد المتعلقة بدراسة الفنون.
أحضر والد هاجر مترجمًا آخر على حسابه الشخصي، كان يقوم بشرح المنهج لابنته كـ"درس خصوصي" مقابل مبلغ رمزي، والذي بدوره أزال العائق الذي كانت تعاني منه منذ دخولها الجامعة، حيث إنه كان يقوم بدراسة المنهج الخاص بها قبل أن يقوم بشرحه لها.
تقول "هاجر" إن من الصعوبات الأخرى التي كانت تواجها في التحاقها بالجامعة أن جميع المتواجدين بها لا يجيدون لغة الإشارة، وذلك ما جعلها تجد صعوبة بالغة في فهم المواد الدراسية، حيث إن المحاضرين بالجامعة لم يكونوا على علم بوجود طالبة من الصم والبكم داخل قاعة المحاضرات، هذا بجانب عدم تكوين علاقات صداقة مع زملائها، إلى أن التحق طلاب آخرون من الصم والبكم بعد فترة طويلة من دخولها الجامعة.
وتضيف أنها كانت تجد صعوبة في فهم الجزء النظري من المواد الدراسية وذلك مع عدم وجود مترجم متخصص فكان مذاكرة تلك الجزء بمثابة عائق أمامها حل دون نجاحها في جميع المواد في الترم الاول من الجامعة، ولكن تلك المشكلة بدأت منذ دراستها في المدرسة والتي كانت تعتمد بشكل أكبر على الجزء العملي ولا يوجد اهتمام كبير بالجزء النظري، على حد وصفها.
لم تكن المشاكل التي واجهت أول طالبة من الصم والبكم في الجامعات المصرية مقتصرة فقط على حدود تواجدها داخل الحرم الجامعي، ولكن امتدت أيضاً إلى منعها من التواجد داخل المدينة الجامعية لمدة شهر، وبداية تلك المشكلة كانت مع اتهام زميلاتها المشاركين لها في الغرفة بتسببها في حرق الغرفة، ما دفع إدارة المدينة الجامعية للإصرار على أنها غير مسئولة للعيش داخل المدينة و غير مؤهلة لتتعامل مع الآشخاص الآخرين كونها من الصم والبكم.
ومع خوف أهلها من أن تعيش هاجر بمفردها في سكن خارجي، حاول والدها أن تعود مرة ثانية للمدينة ولكن كان هناك تعنت من قبل الإدارة، حتى أنه طالب أختها التي تدرس في كلية التربية في سوهاج إلى محافظة قنا حتى تعيش مع أختها، إلا أن في النهاية وافقة الإدارة على التحاقها بالسكن، بحسب حديث هاجر لـ"القاهرة 24".
يقول والد هاجر لـ"القاهرة 24"، إنه عندما تلقى اتصال هاتفي يبلغه بحصول هاجر على المركز الأول لم يولي اهتمام للأمر، لطالما لن تحصل أبنته على حقها في التعليم الجامعي، ليتفاجئ فيما بعد أنها بإمكانها فعل ذلك، ومن هنا بدأت معاناته أثناء محاولته لالتحاق أبنته بإحدى الجامعات.
يضيف أنه في بداية الأمر رفضت جامعة جنوب الوادي قبول ابنته، حيث يجب على الملتحقين بكلية التربية النوعية الحصول على الثانوية العامة أو معهد لمدة 5 سنوات، في ذات الوقت التي قضت هاجر 3 سنوات فقط داخل قسم الزخرفة بمدرسة الأمل.
يوضح والد هاجر في حديثه لـ"القاهرة 24"، أنه ظل يجوب بين موظفي الجامعات ومكاتب التنسيق حتى توصل في نهاية الأمر إلى عميد الكلية آنذاك، والذي بدوره وافق على التحاق هاجر بالجامعة، حتى أصبحت طالبة بكلية التربية النوعية لأول مرة يوم 2 من شهر ديسمبر من عام 2017.
وبالرغم من أن الكثير من أهل "هاجر" حاولوا إقناع والدها بالتراجع عن خطوة دخولها للجامعة مبررين ذلك بأنها سوف تتخرج وتبقى دون عمل، حتى أن المدرسة التي كانت هاجر إحدى الطالبات بها لا تستخرج رقمًا تسلسليًا لطلابها الذين ينتمون لفئة الصم والبكم لأن الأغلبية منهم لا يستكملون مشوارهم التعليم حتى الوصول للجامعة، كما أنه بعد تخرجها من المدرسة عرض عليها فرصة عمل بإحدى المدارس كمدرسة رسم، ولكن لم تلتفت إلى كل هذا وأصرت على أنها تكون أول طالبة صماء في جامعة مصرية.