لا تعطوا الفقراء أموالكم
مع انتشار ظاهرة التسول الممنهجة أصبح المرء لا يعرف كيف ينفق أمواله على الفقراء والمحتاجين، فنجد المتسولين يملأون شوارع العاصمة وغيرها من مدن مصر، حتى أصبح لا يخلو مكان من شخص يمد يده إلى المارة بحجة أحقيته لما في جيوبهم، فيطلق تارة كلمات يحرك بها مشاعرهم ودائما تحمل معاني دينية، وتارة أخرى بكاء وعويل بواسطة أطفال بحجة احتياجهم إلى الطعام، وهناك من يرتل القرآن بصوت يرهب ولا يرغب.
يوميًّا يكشف رجال المباحث عصابات التسول التي أصبحت تشكل خطرًا على الدولة والمواطنين بسبب استخدام الأطفال، حتى إن هناك من يقومون باختطاف الصغار وبيعهم إلى السيدات للتوسل بهم، فتقوم السيدة بإجراء تعديل بسيط على مظهرها ليخرجها في صورة البائسة التي تستحق الحسنة أو الصدقة، كما يحب أن يسميها بعضهم مما يقفون على جنبات الطرق والممرات.
وفي المقابل لا نجد تفاعلًا من المواطنين في مواجهة تفشي تلك الظاهرة، بالرغم من أن هناك معرفة داخلية لدى الشخص تشير إلى أن من يعطيه الحسنة أو الصدقة لا يستحقها، إلا إن توسلات ودموع المتسول تحرك نزاعًا بين عقل المعطي وقلبه ليجد يده تمتد إلى جيبه باحثة عن جنيهات عدة تلتهمها أصابع يده، أو أنه يتخيل أن مجرد خروج الجنيهات من جيبه سيكون له الأثر الأكبر في يوميات حياته فتهل البركات وتنزل الرحمات.
الأديان السماوية جميعها تحرص على المساعدة بل إن الدين الإسلامي جعلها ركنًا من أركانه حتى يعم الخير على الجميع، فطالب الأغنياء بإعطاء الفقراء، وبالفعل هناك الكثير من المحتاجين بيننا ولكن كيف نميز المحتاج من غيره، كيف نميز التشكيل العصابي الممنهج من صاحب الحاجة، فاليد الممدوة واحدة واللسان المخاطب للود واحد أيضا.
البعض يتساءل وما الحل في تلك المعضلة التي باتت بالفعل تمثل خطورة على المجتمع من خطف للأطفال وجرائم سرقة وغيرها، كما أن الأموال التي تخرج من الجيوب لا تصل إلى مستحقيها ممن يحتاجون بالفعل إلى أموال لقضاء حاجتهم، فالحل يمكن أن يكون في الإعطاء بغير الأموال.
"يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"، جاءت هذه الآية في القرآن لتؤكد أن المحتاج لا يسأل الناس، حتى إن من يجهلهم يحسبهم أغنياء من تعففهم عن مد أيديهم للناس لطلب المال، فالمحتاج يعلي كرامته دائمًا إلا وقت حاجته، عكس أفراد عصابات التوسل مما يكشفون وجوههم للمارة ولا يبالون.
الصدقة التي تخرج في مكانها خير وسيلة للقضاء على عصابات التوسل، الحسنة التي تخرج من جيوبنا يجب أن تذهب في المكان الصحيح، يجب الاعتماد على أهل الثقة في توجيه المساعدات، عروسة يتيمة تحتاج إلى مساعدة فيجب إعطاء المساعدة فيما تحتاجه من أجهزة وغيرها، ويجب البعد عن إعطاء الأموال.
وأخيرًا المجتمع خير رقيب على نفسه، فقد ميزنا الله بعقول تستطيع التفرقة بين صوت ينبح من أجل جنيهات أصبحت يوميًّا تدخل جيبه في مهنة امتهنها فسقطت معها كرامته، وبين شخص يمد يده لغرض ما يستحق عليه المساعدة من الجميع، ومع انتهاء حاجته يسعى في أرض الله ليستكمل حياته فلا يرفع يده مرة أخرى.