موصومات رغم الرخصة الإلهية.. قصة النساء مع الدورة الشهرية خلال شهر رمضان
أجواء رمضانية خالصة، وروحانيات الصوم تتجلى في كل مكان، فهنا من يقرأ القرآن الكريم ويتدبر معانيه، وهناك من يؤدي فروضه، وأم في المطبخ تعد طعام الإفطار، لكن في زاوية أخرى بعيدة انعزلت ”ولاء" عن أسرتها فهي في حالة مزاجية سيئة وآلام شديدة تشبه حركة الشفرات في الأحشاء تعصف بها، ولن تستطيع الفتاة معايشة أجواء الشهر الفضيل لأيام نتيجة لعذرها القهري.
ومع الآلام التي تعصف بها والحالة التي تعيشها، يزداد الأمر تعقيدًا مع عدم قدرة الفتاة على البوح بأسباب تلك الآلام، كل ما يمكنها فعله هو مداراة الأمر عن ذكور المنزل، حيث لا تجرؤ "ولاء" على القول إنها "مفطرة"، "بتعامل كأني صايمة ولو تعبت باخد مسكن" تحكي الفتاة في حديثها لـ"القاهرة 24".
حرج شديد تقع فيه أغلب النساء المسلمات في مصر، بسبب دماء الحيض في شهر رمضان المبارك، وتقضي طوال النهار خارج المنزل كأنها تؤدي فرض الصوم، وتكتفي فقط بشرب المياه عقب أذان الفجر لكسر صيامها، وهو حال ولاء والكثير من قريناتها.
عقاقير لتأخير الموعد
لا ترغب "ولاء" في الشعور بالنقص أو الاختلاف في شهر رمضان، ولرغبتها في صيام الشهر كاملًا وهو الأمر المستحيل، استشارت طبيبة أمراض نساء لتناول عقار أو حقنة لتأخير موعد قدوم الدورة الشهرية، وهو ما تم بالفعل، ومع ذلك لم تستطع منع نزول الدورة الشهرية، مع أخذ العقاقير المسكنة لاحتمال الألم.
الموت المبكر
أشارت دراسة أجراها باحثون في جامعة هارفارد إلى أن النساء اللاتي يعانين من عدم انتظام في الدورات الشهرية، أو دورات طويلة، يمكن أن تكون علامة تحذيرية تنذر بالموت المبكر.
وخلال عقدين من الزمان عكف الباحثون على دراسة الدورة الشهرية لنحو 93 ألف امرأة وفتاة بأعمار مختلفة، وكشفت الدراسة أن النساء اللاتي تقلبت فترات الدورة الشهرية لديهن، كن أكثر الفئات عرضة للوفاة لأسباب مختلفة.
في الفترة ما بين 1991 إلى 2013 حلل باحثون في جامعة هارفارد بيانات 93775 امرأة في أعمار مختلفة، وشملت تلك البيانات وصفًا لتاريخ دورات الحيض من حيث المدة المعتادة وانتظامها، ويعتقد الباحثون أن عدم انتظام الدورة الشهرية لدى النساء سببه الظروف الصحية السيئة التي يعانين منها.
كما أظهر الباحثون أن دورة الحيض التي تزيد على 32 يومًا لدى النساء ممن تتراوح أعمارهن بين 28 و48 عامًا تجعلهن أكثر عرضة لخطر الوفاة المبكرة، وذلك بسبب مشكلات صحية أبرزها السرطان ومشاكل القلب والأوعية الدموية.
الحرج من الذكور مهما كان السن
الأمر لم يختلف كثيرًا مع "هبة" فهي الأخرى تضطر للصيام طوال اليوم في فترة دورتها الشهرية، غير مبالية بالألم الشديد الذي يعصف بها عصفًا، هي فقط تسكته بالمسكنات أو المياه الدافئة إذا كانت في المنزل، وتؤكد "كنت بفضل صايمة، ولو عرفت أشرب مية في الخباثة كدة، علشان اكسر صيامي".
تزوجت الفتاة وانتقلت من منزل والدها إلى منزل زوجها وكانت تستطيع الإفطار وقت عذرها الشهري، لكن بعدما أنجبت طفلًا ذكرًا عادت الحرج مرة أخرى " للأسف إني لسه بعمل كدة علشان ابني صغير"، رغم صغر سن طفلها إلا أنها تخشى من تأثير الصدمة عليه إذا علم أن "ماما لا تصوم"، مبررة هذا بخوفها من عدم استيعاب الصغير الأمر خصوصًا أنها تحاول تعويده على الصيام.
محاولات لكسر الحرج
وسط الحرج الذي تسببه الدورة الشهرية لدى النساء خصوصًا في شهر رمضان المبارك، تجد الفتيات المسلمات أنفسهن بين شقي الرحى فإما التظاهر بالصوم على الرغم من أنه أمر خاص بين العبد وربه، والمعاناة في صمت، وإما البوح بالأمر.
بعض الفتيات قررن وضع حدًا لهذا الأمر وحاولن كسر الحرج الاجتماعي، فدماء الحيض أمر إلهي وطبيعي، "آية" إحدى تلك الفتيات اللائي يضطرها عملها لقضاء وقت طويل خارج المنزل، واستجابت لنداء جسدها فالتغذية السليمة واجبة في هذه الأوقات، وتقول في حديثها لـ"القاهرة 24": "كنت باكل في غرفة مقفولة في الأول، وأوقات كان في ناس بتدخل فيها ويشوفوني وماكنتش بهتم".
جرأة "آية" نابعة من تربية جنسية سليمة تلقتها في منزلها منذ الصغر، فهنا أم عملت على زرع في طفلتها أن كل أمر يصدر عن أجسامنا هو أمر طبيعي، وكذلك الدورة الشهرية لدى النساء طبيعية وصحية أيضًا، وفي هذا تقول الفتاة "من زمان من أول ما جاتلي (الحيض) في البيت عمري ما خبيت إني باكل".
التغذية أساسية لتعويض الفاقد
من جانبه يقول الدكتور أمين منتصر، طبيب النساء والتوليد، إن المرأة تتعرض أثناء نزول دماء الحيض إلى فقدان العديد من عناصر الجسم والمعادن الأساسية مثل الحديد والماء، حيث تفقد النساء نحو "كيسين" دم في 12 دورة طوال العام، كما تشعر النساء بإرهاق عام، والامتناع عن الطعام من شأنه أن يضر بها.
وأكد "منتصر" في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24" على ضرورة تناول النساء الأطعمة التي تعوض فقد المعادن الأساسية مثل السبانخ والجرير والأغذية الغنية بالحديد، علاوة على شرب قدر كافي من المياه طوال اليوم، والعصائر الطبيعية لتعويض السوائل التي فقدها الجسم.
وأشار طبيب النساء والتوليد إلى أن الآلام التي تشعر بها النساء نتيجة نزول دم الحيض تختلف من امرأة إلى أخرى، ومن المرأة المتزوجة عن الآنسات، كما تتفاوت في درجة شدتها بين النساء اللائي أنجبن وغير اللاتي لم ينجبن.
وقال الدكتور منتصر في حديثه لـ"القاهرة 24" إن امتناع النساء عن الطعام بحجة أنهن في نهار رمضان تصرف خاطئ، ونصح بأن تتناول الفتيات الأطعمة في المنزل قبل خروجها إلى العمل أو الدراسة، واصطحاب زجاجة مياه واستعمالها في الأماكن المغلقة أو المخصصة للنساء فقط حتى لا تشعر بالحرج.
الأكل في المرحاض
معاناة مضاعفة تعيشها "رضوى" خلال فترة الحيض، فإلى جانب آلام الدورة الشهرية التي تعانيها، متمثلة في انبساط وانقباض عنق الرحم ما يسبب ألم حاد، وانخفاض ضغط الدم واضطرابات القلب، علاوة على آلام العظام، تحاول الفتاة تناول ما يعوض ما يفقده الجسم أثناء تلك الفترة خلسة وعلى استحياء.
تحاول الحفاظ على صحتها وصحة جسدها أثناء الدورة الشهرية وسط الأجواء الرمضانية والحالة العامة في المجتمع، فمع الخروج إلى العمل أو الدراسة يصعب المجاهرة بالأمر، فإما الأكل في المنزل قبل الخروج، أو الذهاب إلى المرحاض حيث لا يراها أحد، ويمكنها الأكل أو على أقل تقدير شرب المياه "كنت بروح أشرب من الحمام وأخرج".
الأمر لم يختلف كثيرًا مع "هبة قطب وميادة"، اللاتي اتفقن على تناول الأطعمة في المنزل قبل الخروج؛ لتفادي أي أذى قد ينتج عن ضعف الجسد أو انخفاض ضغط الدم نتيجة نزيف دماء الحيض، وإذا لم يستطعن فتظل كل منهما بلا طعام أو شراب حتى العودة إلى المنزل أو أي مكان أمن لا يجدن فيه حرجًا "كنت بفطر قبل ما أنزل ولو ملحقتش بفضل صايمة لحد ما أرجع البيت" تختم إحداهن حديثها مع “القاهرة24”.