خالد البوهي يكتب: "الأقربون المقربون".. الوفد وقضية فلسطين
«الأقربون المقربون.. إخواننا فى الجنس والدين واللغة» هكذا وصف مصطفى النحاس باشا عرب فلسطين فى خطبة عيد الجهاد 13 نوفمبر سنة 1937 ، وقد طبق الوفد هذه المقولة التى أعلنها رئيس الوفد فى خطبة تناولت قضية فلسطين وعروبتها.
طبقها يوم اشتعلت الثورة العربية الفلسطينية سنة 1936 فقام النحاس باشا وقتها بالتبرع بمبلغ أربعين جنيها لعرب فلسطين كما قام الوفد بإنشاء ما عرف باللجنة العليا لإغاثة فلسطين تحت إشراف حامد المليجى عضو الوفد والسكرتير العام للجنة العليا لإغاثة منكوبى فلسطين، وعن طريق هذه اللجنة قام الوفد بجمع التبرعات من مدن مصر وقراها من أجل دعم الثورة المقدسة.
وكشفت الوثائق البريطانية عن عقد مباحثات دبلوماسية بين النحاس ووزير المستعمرات البريطانية فى 28 أغسطس 1936 بعد يومين فقط من توقيع معاهدة 36 بما يدل على إيمان الوفد بأهمية هذه القضية، ولكن مع الأسف الشديد كان الإنجليز يعتمدون على الثلاثى الملك عبد الله ونورى السعيد والملك ابن سعود الذين كانوا يوصفون بالاعتدال فى سياستهم مع الإنجليز، حتى إنهم قد اشتركوا معا فى إجهاض الثورة العربية بالضغط على الزعماء العرب وبتوجيه نداءات إلى عرب فلسطين لإنهاء الإضراب وإيقاف الثورة.
أما النحاس فكان يقف وحده أمام الخونة مطالبا الإنجليز بوجوب قبول مبدأ إيقاف هجرات اليهود ووجوب توقف إجراءات الإنجليز العسكرية ضد العرب، كما قام الوفد برفض وصف الإنجليز للثورة بالعنف والتخريب، ورفض حملة اعتقالات الإنجليز لزعماء العرب وشبابهم، وأعلن فتح حدوده أمامهم.
ثم قام وزير خارجية مصر الوفدى واصف بطرس غالى بإلقاء خطاب وطنى أمام عصبة الأمم فى 20 سبتمبر 1937 وقد جاء فيه «هل من العدل أن يكون نتيجة الاضطهاد الأوروبى لليهود تجريد أهل فلسطين من ملكية جزء من بلادهم لمصلحة اليهود؟
وهل من العدل أن يكفر التسامح العربى عن التعصب الأوروبى»؟
وعندما سقطت حكومة الوفد ومع تفاقم الأزمات بفلسطين سنة 1938 لم يتوقف الدعم الوفدى لعرب فلسطين، فقامت قيادات الوفد بالتبرع للمجاهدين العرب فى يوم واحد بمبلغ 770 جنيها مصريا وعهد الوفد إلى حفنى الطرزى بتنسيق جمع التبرعات.
ثم قامت حكومة الوفد فى 1942 - التى اتهمها بعض ضيقى الأفق بالعمالة - بتحدى الإنجليز عندما قامت بإطلاق سراح كل الفلسطينيين المعتقلين فى مصر وكان من بينهم الزعيمان جمال الحسينى وأمين التميمى، كما قام النحاس فى يونيو 1943 بزيارة فلسطين وبصلاة الجمعة بالمسجد الأقصى وسط حشود الفلسطينيين الذين هتفوا بحياته، حينها دعا خطيب الجمعة للزعيم الذى وصفته الصحف الفلسطينية بأنه «زعيم الشرق الكبير» وبأنه يتكلم «باسم ملايين العرب والمسلمين» ثم قام سكرتير الوفد صبرى أبو علم بتكرار الزيارة للمدن الفلسطينية فى أغسطس 1944 . إنه وفد حكومة 42 الذى رفض مقابلة زعماء الوكالة اليهودية بشهادة موسى شيرتوك الذى أبدى اندهاشه من أعضاء وزارة النحاس وأمين عثمان ومحمد صلاح الدين، فقال إنه قد قابل نورى السعيد ورياض الصلح وجميل مردم وبشارة الخورى وشكرى القوتلى وحادثهم من غير أن يحاول هؤلاء تجنب مقابلته كما زعماء الوفد.
ولما دقت نواقيس الحرب لم يكن الوفد فى الحكم ساعتها، وكانت رؤية الوفد تعترض على الدخول فى حرب مباشرة مع عصابات الصهاينة، لأنها لم تثق فى كفاءة الجيوش العربية التى كان يقود أحدها إنجليزى!!
كما كان الوفد لا يثق فى زعماء قد عاين خيانتهم وتساهلهم مع الإنجليز ومطالبهم.
و رفض الوفد تقسيم فلسطين ورفض دخول الجيوش، وقال بوجوب سرعة تدريب الفلسطينيين والفدائيين وتسليحهم بحيث يكون مع كل فلسطينى سلاح، ثم كان ما كان من فاجعة 1948
إنه تاريخ مصرى مجيد من أجل القضية الفلسطينية.