الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

التعذيب وصنوف العذاب

الإثنين 17/مايو/2021 - 04:49 م

 

في العصر الفاطمي، كان تعذيب المتهمين والخصوم أمرًا مألوفـًا، لاستخلاص الاعترافات منهم أو التنكيل بهم. وبلغ التعذيب والقسوة حدًا كبيرًا في ذلك العهد، ومن ذلك أنه في رجب سنة 414هـ= 1023 م، علّق صاحب الشرطة لصًا كان قد حاول سرقة دكان وضربه ضربـًا مبرحـًا. وفي الشهر نفسه، ضرب متولي الشرطة السفلى لصـًا حاول سرقة صيرفي في الجامع العتيق بمصر، بعد أن ضربه بسكين، فتكاثر الناس على اللص وقبضوا عليه، فقطع رقبته وصلبه لإرهاب المفسدين. وفي شهر ذي القعدة من السنة نفسها قُبض على لص، فقطع صاحب الشرطة يده اليمنى وطاف به في الشوارع ثم سجنه.

ومن أشهر وقائع التعذيب في ذلك العصر تلك التي حدثت في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله، عندما غضب على ابن أبي نجاح، مستوفي الخراج، فدفع به إلى دار الشرطة، حيث بولغ في تعذيبه، وقُتل ضربـًا بالنعال، ثم جُرت جثته إلى النيل، وسُمرت على لوح من الخشب، ثم طُرحت فيه فجرفها التيار.

وخلال عهد الحاكم بأمر الله، وقعت أعمال تعذيب وقتل لا حصر لها، بعضها لا علاقة للشرطة به؛ إذ بدا أن هذا الحاكم لا يتورع عن قتل غلمانه وخدمه وكذلك العامة لأتفه الأسباب.

وفي عصر المماليك، ظلت العقوبات التقليدية للشرطة قائمة، وأضيفت إليها عقوبات شديدة القسوة، مثل "التوسيط"، وذلك بطرح المحكوم عليه أرضًا ثم يُضرب بالسيف في وسطه حتى ينشطر الجسم قسمين، والوضع على الخازوق، والشنق بالحبال والخنق بالأيدي، والإغراق في النيل. 

وكان بعض أمراء المماليك يمارسون التعذيب بأيديهم؛ إذ يقتلعون العيون ويقطعون الألسنة. وحين هُدم السجن الحصين "خزانة شمايل" عُثر فيه على جثث وعظام موتى من ضحايا هؤلاء الأمراء.

اشتهر العصر المملوكي بكثرة العقوبات وتنوعها، في الوقت الذي كانت تصدر مراسيم سلطانية تقضي بحُسن معاملة المتهمين وعدم الإسراف في معاقبة المذنبين، لكن الولاة مارسوا أنماطـًا فظيعة من العقوبات المستحدثة التي ترتعد منها الفرائص وتشمئز منها الأنفس. ففي عهد السلطان الناصر محمد صدر مرسوم 726هـ/1326م يقضي بإلغاء عقوبة الضرب بالمقارع في جميع أنحاء السلطنة بمصر والشام، وكتب بذلك مراسيم كثيرة قرئت على المنابر، إلا أن الأمير الأكز الناصري ناقض هذا تمامـًا، فكان يحمي "الطاسة" ويلبسها للمذنب، ويحمي الدست "مقعد" ويجلس عليه المذنب، ويضرب الوتد ويدق القصب في الظفر.

هناك أيضـًا عقوبة "التسعيط"، وتعني وضع محلول من الملح أو الجير أو الخل في أنف المذنب فيشعر بآلام شديدة لا يتحملها بشر، وطبقت هذه العقوبة على يلبغا الأحمدي عندما احتال على أحد الأمراء، ولكنها طُبِّقتْ ليس بوضع المحلول في الأنف وإنما سُقي به، كما قال المقريزي، وكانت هذه العقوبة في 800هـ/1398م. وفي عام 879هـ/1474م أمر السلطان بقطع خصيتَي تركيين نُقِلَ للسلطان عنهما فعل الفاحشة ببعض مماليكه الأحداث.

وتكشف عقوبة العصر وكسر العظام عن مدى البشاعة التي وصلت إليها العقوبات، ففي أواخر عام 910هـ/1504م عاقب السلطان رجلًا يُدعى بدر الدين بن مزهر، وعصره في كعبيه وركبتيه ودق القصب في أصابعه وأحرقها بالنار حتى وقعت عقد أصابعه، ثم نوَّعوا له صنوف العذاب فأخذوا كماشة حديدية وأحموها بالنار وقطعوا حلمتيه وأطعموهما له، ثم أخذوا له حبل قنب ولووه على أصداغه حتى نفرت عيناه من وجهه وسالتا على خديه، وقاسى الكثير، وعذب بأنواع العذاب الشديد. 

أما آلة المعصرة فتتكون من خشبتين مربوطتين بحبل سميك يوضع بينهما المذنب، أو رأسه أو قدماه أو أي جزء يراد إيلام الشخص منه، ثم تشد الخشبتان شدًا وثيقـًا، بما يؤدي في كثير من الأحيان إلى كسر العظام المعصورة بين الخشبتين. وقد مات شرف الدين عبدالوهاب بن التاج فضل الله، المعروف بـ"النشو"، ناظر الخاص، في عام 740 هـ= 1339 م، وعانت والدته وأخواه رزق الله والمخلص تحت العقوبة في المعاصير والمقارع، وسُجن كريم الدين مكانس بـ"خزانة شمايل" بعد أن ضُرب وعُصر مرتين، فأرشد على أحد المطلوبين للقضاء.

ويذكر العلّامة ابن إياس  أن المعاصر أو "المعاصير"، التي كان يُعصر بها الضحايا حتى تُستنزف دماؤهم، كانت من أهم آلات التعذيب المبتكرة في العصر المملوكي، حتى صرنا نطلق على من يحاصر شخصـًا بالأسئلة، ولو داخل المدارس ودور العلم، بأنه قد عصره عصرًا؛ ومن آلات التعذيب أيضـًا "الكسارات" التي تحطم العظام؛ وبعد ذلك تأتي أصناف من العذاب أشد وطأة وأطول أمدًا مثل "التسمير"، أي دق الضحية من أطرافه بمسامير غلاظ على لوح خشبي وتحريكه في أوضاع أفقية ورأسية مختلفة وحملهم فوق الدواب ثم التشهير بهم في الطرقات. وهناك أيضـًا خوذات الحديد أو النحاس المحماة التي توضع فوق الرؤوس، و"السلخ" أي سلخ الجلد ثم الكي بالنار، وتمتاز هذه الأساليب بدمويتها الشديدة والمهلكة، مثل تقطيع الأطراف وقطع اللسان وقلع الأضراس ودقها في الرأس، وقلع الأظفار، ودق القصب فيها، وإخراج العينين.

ومع دخول العثمانيين مصر جاؤوا بتقنيات جديدة من التعذيب، وأصبح الإيذاء البدني في السجون والمحابس أمرًا شائعـًا، وقد أقره المشرع العثماني شريطة ألا يؤدي إلى هلاك المتهم، وأن يكون هذا الإجراء متبعـًا مع ذوي السمعة السيئة.

وازداد الإقبال في العصر العثماني على استخدام طريقتين جديدتين للتعذيب، وأولهما هو "الخازوق"؛ إذ يكابد الشخص خلاله أصناف الألم من الخازوق الذي يدخل من فتحة الشرج ليخرج من أعلى الكتف الأيمن، من دون أن يمس الأجزاء الحيوية من جسم الإنسان كالقلب والرئتين بأذى قد يودي بحياة المخوزق سريعـًا. وربما واجه الجلاد عقوبة الموت بالطريقة نفسها، بتهمة الإهمال الجسيم الذي أدى إلى وفاة المقتول قبل أوانه بساعات، وبدون ساعات طويلة من الألم.

أما الوسيلة الأخرى فقد كانت القتل على ضوء الشموع، وفيها يُحضر المتهم بعد أن تُحفر في جسده بعض الدوائر التي تتسع لوضع عدد من الشموع الضخمة المعروفة بالشموع المواكبية؛ لأنها تضيء الطريق للمواكب الليلية. وبعد أن يتم تثبيت الشموع في مواضع الجروح، توقد هذه الشموع؛ لتذوب على مهل في جروح الضحية ويذوب هو فيها أيضـًا وتزهق روحه على نار هادئة حتى تغادر جسده دون رجعة.

تابع مواقعنا