الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

طويل العمر.. قصة قصيرة لإبراهيم معوض

إبراهيم معوض
ثقافة
إبراهيم معوض
الجمعة 23/يوليو/2021 - 06:59 م

بدأ القلق ينساب في اوصالي فارتعدت، يغذيه صوت المنادي الحديدي معلنًا بطبلته الرنانة فرمان الوالي أطال الله عمره أطل من شرفتي مدليًا رأسي كعشرات الرؤوس المدلاة لتبصر المنادي على بغلته العرجاء وخلفه صبيه النحيل.

أجول بعيون فاحصة أتمتم مخاطبا عقلي: من علمني أن الكلام يسمع ولا يري؟ ما سمعت كلمة واحدة غير (يا أهل الخان) ولكنني قرأت الفرمان كاملًا في الوجوه الواجمة، يبدو أن المنادي ألثغ ولكنه عملاق والبغلة تئن من ثقل عجيزته، فضحكت وأغلقت الشرفة: يبدو أنه يأكل عليقها..  ازداد القلق كلما تذكرت أنني أحد سكان هذا الخان الكئيب؛ ولا بد وأن هذا الفرمان الذى لم أسمعه سيشملني، هبطت مسرعا كي أدرك البغلة العرجاء التي نفخت فيها القوة فطارت حتى تزيد من إرهاقي وقلقي، بالكاد أدركها واشير إلى الصبى المتعلق بذنبها أن يتوقف كي أفهم، فرد بلكنة غير مفسرة: مولانا المنادي خلص خلاص..

فقلت: ولكنني لم أسمع. فقال متهكمًا: مش مهم تسمع أكيد هتحس..

تمنيت لو قذفته بححر فى رأسة تلك التي تشبه ثمرة البطاطا..إستدار الزمان وسخر منى صبى المنادي الألثغ وهو يركب بغلة عرجاء.. عدت أحمل من القلق أطنانًا زائدة، هل يا تري زياده في المكوس أم الضرائب أم الأسعار؟ طمئنت أعصابي: لعله خير.. مولانا الوالى لا يأتي إلا بالخير.. ولكن وجوم الناس لا يوحي بهذا.. الناس دائما ساخطة، فاقدة للأمل.. لعل الوالي قرر أن يزوج الشباب على نفقة الولاية فوجمت الوجوه العجوزة حسدًا وغيرة..عدت أدراجي بوجه غير الذي خرجت به، أحمل بين ثنايا عقلي أصوات عديدة..

 فما عاد يجدي القلق المستمر يا خبر بفلوس..

فتحت المحل ونسقت البضائع..

-ألا تخشي ان تكون الضريبة على كل محل مفتوح؟ 

نثرت رذاذ الماء أمام الباب..

-ألا تخشى أن تكون عوائد السقا قد ارتفعت؟

أطلقت البخور في جنبات المحل

-ألا تخشى أن تكون الضريبة على كل روح شريرة تطردها؟

أضحك كركر.. لاتهتم.. 

العقل زينة ولكنه ثقيل على عنقي..

دخل عم راضي البقال ليشارك الأبالسة إلتهام خلايا عقلي كي يصير فارغًا تمامًا..

-سمعت المنادي؟

 -سمعت وما فهمت.. مش ديتها فلوس.. اللي تعرف ديته إقتله..

-أعوذ بالله قتل علي طول كده..

 فغمغمت في نفسي وتمنيت أن أسأله: هل أنت زوج تلك البغلة العرجاء إنه مثل..

ولكنه اعتدل ينفش ريشه كطاووس: أنا سمعت كويس..

فألقيت بصرى وسمعي علي وجهه مضطرًا وكتمت أنفاسي كى لا تزعجه أثناء حديثه فقال: الموضوع وما فيه إن مولانا الوالي عامل حفله كبيره للمماليك وطالب من كل بيت واحده ست وولد صغير يخدموا على الضيوف.. فعاد الحزن يكسو وجهي ولكنني تذكرت أنى وحيد بلا زوج ولا ولد فتبدل الحزن إلي شماتة أطلقت سهامها عليه: وإنت هتعمل إيه يا شهبندر التجار؟ ههه

فقال: هدفع فلوس ومش هبعت لا حريم ولا عيال واللى تعرف ديته إقتله..

فضحكت.. وأنا أردد طوبى للصعاليك..

تابع مواقعنا