شعراء الكدية (2).. ابن المخفف يستجدي الناس في "دكاكين" بغداد
شهد العصر العباسي ظاهرة أدبية، هي شعر الكدية أي التسول بالشعر، ومثّل هذ النوع من الشعر مجموعة من الشعراء الهامشيين في المجتمع، وكان شعرهم انعكاسًا لحياتهم الاجتماعية من الفقر وبؤس الحال.
ومن بين شعراء الكدية الشاعر ابن المخفف، وهو عاذر بن شاكر أبو المخفف، شاعر عباسي، كان أيام المأمون، وكان طريفا فقيرا، وكان يركب حمارا وجاريته حمارا، ويدور ببغداد، ويأخذ ما يتيسر من أصحاب المال والسلطان.
دفعت الظروف ابن المخفف إلى سؤال الناس ويجوب بغدا ويمر بالدكاكين يسألهم المعونة، وهو لا يسأل الناس عن شيء كبير أو ذي ثمن باهظ، بل يسال عن شيء من المفترض أنه ميسور لهم وهو الرغيف، فيقول في شعره مصورا ذلك:-
دع عنك رسم الديار ودع صفات القفار
وصف رغيفا سريا *** حكته شمس النهار
أو صورة البدر كما *** استتم في الاستدار
فليس تحسن إلا *** وفي وصفه أشعاري
ويضع ابن المخفف دفترا بأسماء الناس الذين يستجديهم بأسلوب محبب طريف، ويصور ذلك في شعره:
دفتر فيه أسامي *** كل قرم وهمام
وكريم يظهر البشر *** لنا عند السالم
يوجب النصف عليه *** حاتما في كل عام
أو فلوسا كل شهر *** لثلاثين تمام
لقد تضمن دفتر الشاعر المستجدي أسماء الناس ووظائفهم وشمائلهم في التعامل معه، والمقصود بالـ "قرم" في البيت الأول السيد المعظم من الرجال، و"الهمام"، الرجل السخي، وقد شبهه كرمهم بكرم حاتم الطائي.
أيا كان الأمر فإن شعر ابن المخفف ومن على شاكلته يمثل تصويرا للحالة الاجتماعية التي وصل إليها حال بعض طبقات المجتمع في العصر العباسي.