الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

عمر فضل الله يكتب: "ممرات الريح" رواية تتلاعب بالفكر والخيال

عمر فضل الله
ثقافة
عمر فضل الله
السبت 31/يوليو/2021 - 07:19 ص

منذ مدة قصيرة خلال احتفاء أقيم في القاهرة بالأديب السعودي الدكتور عبد المحسن فراج القحطاني، اكتشف الناس أن لي معه رحمًا واشجة هي صلة العلم والتلمذة فقد تخرجت على يديه في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بداية ثمانينيات القرن الماضي، واليوم سيكتشف الناس أيضًا أن لي رحمًا واشجة بالأديبة السعودية الأستاذة نبيلة محجوب، بل هي في واقع الأمر أكثر من صلة أولاها رحم أهل مكة والثانية هي جامعة الملك عبد العزيز فقد تخرجنا في نفس الجامعة والثالثة هي جريدة المدينة المنورة، حيث تدربت على يدي المرحوم الأستاذ أحمد صلاح جمجوم أيام الطالبية وعلمت أنها قد عملت بالجريدة.

وأذكر أول أيام قدومي لمكة المكرمة عام 1395هـ 1975م أن نزلت في دار عمنا الأستاذ إبراهيم المبارك التي ورثها عن أبيه عن جده وأقام فيها عمره كله منذ أن هاجر صغيرًا فبقي فيها ما يقرب من ثمانين عامًا حتى توفاه الله عز وجل، وهي دار من طابقين تقع في حي المسفلة القريب من الحرم، ولم أكن حينها أعرف شيئًا عن اللهجة السعودية خاصة لهجة أهل مكة، ولا ثقافتهم ومصطلحاتهم، وكان الوقت هو في شهر رمضان المبارك. وقبيل الغروب أطل عمي من شرفة الدار في الطابق الأول وقال لي:

عمر، حُط اللَّيْ في البَزْبُوز وفُكُّه، واطرح الحنابل، وأزهم جارنا يفطر عندنا!

فوقفت مبهوتًا متحيرًا ظننت أنه يتكلم باللاوندي أو لغة من اللغات السريانية القديمة، حيث إني لم أفقه كلمة مما قاله. ولما رآني واقفًا متحيرًا كرر العبارات والاشارات ثم قال لي: 

إشْ بَكْ؟ 

فكانت الثانية أشد وأنكى عليَّ من الأولى. وقلت في نفسي هل هذه لغة قريش القديمة التي اندثرت أم يا ترى ما الموضوع؟ 

 

 

وكان جارنا يراقبني ففهم أني لم أعِ هذه العبارات فشدني من يدي وأراني اللي الذي علمت منه أنه خرطوم الماء ثم اشار إلى البزبوز فرأيت حنفية الماء وحينها علمت أنه كان يطلب مني أن أشبك الخرطوم في الحنفية ثم أفتحها لأرش الأرض بالماء حتى تبرد من حر ذلك النهار ثم أطرح الحنابل "الأكاليم" على الأرض ليفطر الصائمون وأن أنادي جارنا ليفطر معنا. 

كان ذلك كفيلًا أن يفتح عيني على ثقافة جديدة مختلفة ذات ذائقة مدهشة ونكهة مختلفة. 

ثم عرفت الحياة والناس والمجتمع وقرأت لكتاب سعوديين وكاتبات، وبقي عالقًا في ذهني أدب رجاء عالم الذي وصف مكة ومجتمعها لكن ممرات الريح لنبيلة محجوب هي معبر جديد يطير بك إلى عوالم جديدة، فهي رواية مكتوبة بلغة ساحرة، استطاعت أن تقدم من خلالها وصفا بانوراميا للمجتمع السعودي، ومن امثلة ذلك داخل الرواية:-

"حفلات النجاح كانت داخل المنزل لا يحضرها غير الأهل، حتى الجيران ترسل لهم أمي طُعمة كانت تجهزها في الحلة الكبيرة أو قدر المناسبات، تضع فيه الحليب والسكر ودقيق الرز والهيل المطحون تضبط المقادير بمقدار يناسب كل الأذواق نرسل منها طعمة لكل سكان الجبل، الفرح يطرق كل بيت ويدخل كل جوف بتذوق قهوة أمي ويستطعم اللوز الحجازي المحمص والمهروش".

كلمات أمي: "القوي فيه اللي أقوى منه"، "القرش الأبيض لليوم الأسود"، "ماشي وشايل طيران عبد القادر فوق راسك"، "قبل ما خطب عبوا الحطب"، "الأقارب عقارب".

"وفي الذاكرة ممرات ومنعطفات وفي الذاكرة جدران البيت الحجرية والأسطح المفتوحة على السماء، والأزهار البيضاء والحمراء في مراكن الزرع الطينية ورائحة الشارة المخملية تزين سطح بيتنا".

أعجبني وصفها للحياة في ذلك الزمان ومجتمع مكة ووصف البيوت والأشياء وسكان الجبل وقيم مجتمع مكة والطائف وجدة والمجتمع النسوي، وخصائصه، وأحاديث البنات، وثرثرتهن. وصراع القديم والحديث.

أعترف أن هذه رواية مدهشة تأخذ بالألباب.. كتبت بقلم ماهر يتلاعب بالخيال والفكر والكلمات والتعابير والحوارات النفسية والحوار الداخلي ويلمس واقع الحياة الاجتماعية وخاصة المجتمع النسوي. هذه رواية جمعت القديم والحديث من أجيال المجتمع السعودي والكاتبة فعلت هذا بمهارة.

عشت في مكة وشهدت تلك الأيام التي كتبت عنها نبيلة محجوب. الحرم أيام جلسات الفقه والمشي والجلوس على الحصى المبتل في باحة الحرم وأفنيته، ومجيء جهيمان بن سيف العتيبي وتحولات المجتمع خاصة مجتمع مكة. ولهذا فالرواية تعني لي الكثير.

تابع مواقعنا