تفاؤل وثقة.. ماذا يمكن أن تقدم الجزائر كوسيط لحل أزمة سد النهضة؟
تقود الجزائر مبادرة جديدة لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي، بدأت ملامحها في الظهور عندما أجرى وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، جولة بدأت بإثيوبيا مرورًا بالسودان وكانت محطتها الأخيرة في مصر، حيث التقى بسامح شكري، وزير الخارجية، والرئيس عبدالفتاح السيسي.
وتعد الوساطة الجزائرية، محاولة دبلوماسية جديدة لحلحلة أزمة سد النهضة وسط التعنت الإثيوبي، لكن وفقًا للمحللين فإن ما يُعول عليه هذه المرة، هي الثقة التي تحظى بها الجزائر لدى أديس أبابا، وثقل الأولى في الاتحاد الإفريقي وعراقة دبلوماسيتها، ما يضفي نوعًا من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى حل أخيرًا، لكنه يبقى تفاؤلًا حذرًا.
وقال لعمامرة، في تصريحات عقب لقائه بشكري، في القاهرة، إنه استمع باهتمام شديد لما لدى وزيري خارجية إثيوبيا والسودان من معلومات، كما استمع لجزء من المعلومات من الوزير شكري؛ على أن يتم استئناف الحديث، مؤكدًا أهمية وصول “هذه الدول الشقيقة” إلى حلول مرضية تحقق حقوق وواجبات كل الأطراف.
فيما أكدت مصادر جزائرية، لـ"القاهرة 24"، أن "الجزائر لا يقبل المساس بالأمن القومي للشقيقة مصر"، معتبرة أن استقرار مصر ضرورة استراتيجية لاستقرار الأمة بأسرها.
وعبر السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، عن ثقة وتفاؤل حذر حول الوساطة الجزائرية، قائلًا: إن الجزائر “كوسيط أمين” تمتلك دبلوماسية كبيرة، قادرة على التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، مشيرًا إلى ضرورة التفاؤل بالدور الجزائري، لعلاقتها الطيبة للغاية بمصر، فضلًا عن ثقة إثيوبيا فيها كوسيط، ما يُعد عاملًا إيجابيًّا يساعد على إنصات أديس أبابا لها.
وأضاف بيومي، في تصريحات لـ "القاهرة 24"، أنه رغم التفاؤل فإنه لا يثق كثيرًا في إمكانية تجاوب إثيوبيا مع الحلول الجزائرية، لكن التجربة برمتها تعد دليلًا إضافيًّا على سعي مصر لإيجاد حل دبلوماسي وسلمي لأزمة سد النهضة، وفي حالة فشل المساعي الجزائرية للحل، فإنها ستعد شاهدًا إضافيًّا على تعنت إثيوبيا، ومزيدًا من الإثبات على استنفاد مصر جميع الوسائل لإقناع إثيوبيا بالحل السلمي.
واستطرد: “من الجيد أن تقوم دولة ذات علاقة طيبة بمصر وعضو معنا في جامعة الدول العربية ولنا معها تاريخ طويل، بدور الوساطة مع إثيوبيا، كما أن ثقة أديس أبابا فيها عامل إيجابي، ونرجو أن يؤدي هذا في النهاية إلى التوصل لحل يرضي كل الأطراف”.
وباعتبار أن الوساطة في مراحلها الأولى، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أنه من المبكر حاليا الحديث عن رؤية أو مبادرة جزائرية لحل أزمة سد النهضة، باعتبار أن الدولة العربية ما زلت في مرحلة استكشافية للملف من خلال الجولة التي أجراها لعمامرة، للدول الثلاث إثيوبيا والسودان ومصر.
لكنه في الوقت ذاته، أكد في تصريحات لـ "القاهرة 24"، قُدرة الجزائر على الوساطة الجادة والناجحة للتوصل إلى حل للأزمة، وليس مجرد الرغبة في الوساطة، موضحًا أن تدخل الجزائر مهم للغاية نظرًا لقُدرتها على إيجاد الحل الناجح، لما تحظى به من ثقل كبير في الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى القبول الإثيوبي لدورها.
وأوضح فهمي، أن الدافع الجزائري للقيام بهذا الدور، يكمن في محاولتها العودة بقوة لقضايا الاتحاد الإفريقي، باعتبارها من أهم الدول في النطاق العربي والإفريقي.
واتفق فهمي، على أن العلاقات الطيبة للغاية التي تربط الجزائر بمصر، والتقدير الكبير الذي تكنه للقاهرة، والقبول الإثيوبي لها كوسيط، قد يعد عاملًا في التوصل إلى حل ناجح ومرضٍ لجميع الأطراف في هذا الملف.
وبالحديث عن الدوافع الجزائرية، فإن لعمامرة، ذكر في تصريحاته من القاهرة أمس، أن الجزائر ترغب دائمًا أن تكون جزءًا من الحل في جميع الملفات الكبيرة الوجودية التي تهم أشقاءها، عندما تتوافر الشروط، والمناخ الملائم، مؤكدًا اهتمام الجزائر بهذا الموضوع لأنه أساسي بالنسبة لدول شقيقة وصديقة، بالإضافة إلى موقفها الثابت وحرصها على ألا تتعرض العلاقة الاستراتيجية والمتميزة بين الجانبين العربي والإفريقي لمخاطر في غنى عنها.
وعن الجانب السوداني، الطرف الثالث في الأزمة، فإن مريم الصادق المهدي، وزيرة الخارجية السودانية، قالت عقب استقبالها لعمامرة، إن القيادة السودانية رحبت بالمبادرة الجزائرية الداعية إلى عقد لقاء مباشر بين الدول الثلاث، موضحة أن المبادرة الجزائرية تتوافق مع المادة الـ10 من إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في العام 2015.