واسيني الأعرج.. أديبٌ من سبك الإبداع وزهرة أنبتتها اللغة
نكتب لأننا نرفض أن نُشفى من الآخَر، ونرفض كذلك أن نُنسى.. هكذا قال في إحدى أعماله، وربما قصدها، فهو من الذين لا يسهُل نسيانهم، إنه الروائي واسيني الأعرج الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده 66، فهو مولود في 8 أغسطس من العام 1954، وهو روائي عربي من طراز فريد، خاض مع اللغة والأدب رحلة طويلة، مُتشعبة، التحم فيها مع الحب، والصوفية، والتجرد، والرمزية، والتاريخ، هو صوت وجد ليبقى في وجدان قارئه، أو كما قال هو الأصوات لا تموت، شيء منها يبقى عالقًا في الأشجار، والأحجار، والهواء وأدب، واسيني الأعرج يبقى دائمًا منه أشياء.
ولد واسيني الأعرج في عام الثورة الكبرى، ثورة التحرير في الجزائر، فكأنه جاء مبشرًا بقدومها، ولد بمنطقة سيدي بو جنان في ولاية تلمسان، بالجزائر، تلك الولاية التي دارت فيها العديد من المعارك الكبرى أثناء اشتعال الثورة الجزائرية ضد الجيش الفرنسي، أهمهم معركة جبل فلاوسن أفريل 1957، كما استشهد والده في أحداث تلك الثورة بعد ذلك عام 1959، وأوصى زوجته قبل وفاته بأن تعلم أولاده وأن لا تتهاون في ذلك.
تشبعت عيناه منذ الصغر ببسالة بلاده، وامتزج قلبه بحب الوطن، حبٌ لا انشطار فيه، درس واسيني بالمدارس الفرنسية، ثم درس اللغة العربية في كتاب في بلدته في أول الأمر، بعدما أودعته جدته ليتعلم العربية، ثم بعدما زخرت روحه وتشبعت بها، قرر أن يدرس اللغة العربية وآدابها في جامعة الجزائر، ومن بعدها الماجستير والدكتوراه من جامعة دمشق، ليعود بعدها أستاذًا جامعيًا في جامعة الجزائر، يعلم فيها الأدب والنقد، وظل في الجزائر حتى قيام الحرب الأهلية، وازدياد أعمال العنف والإرهاب في مطلع التسعينات، وكان واسيني مهددًا وقتها، فترك الجزائر عام 1994 متجهًا إلى فرنسا، وذلك بعدما تلقى دعوة من جامعة السوربون الفرنسية ليكون أستاذًا فيها من وقتها وإلى الآن.
بدأت رحلة إبداعه منذ العام 1974 بصدور روايته: جغرافية الأجساد وبعدها البوابة الزرقاء، كتب خلال تلك الرحلة العديد من الأعمال التي انتشرت في البلاد العربية وحتى خارجها، ومن أشهر تلك الأعمال طوق الياسمين وأصابع لوليتا ومي: ليالي إيزيس كوبيا، التي يحكي فيها عن الكاتبة الشهيرة مي زيادة، وفترة محنتها المليئة بالألم عاشتها في مستشفى العصفورية للأمراض العقلية، بلبنان، وطوق الياسمين، وأنثى السراب ومملكة الفراشة التي حازت على جائزة كتارا للرواية العربية 2015، حيث جسد فيها الحرب الأهلية الجزائرية وصورها من منظور كاتب عاش تجربة التضييق على الإبداع وتكبيل الأفكار، وتهديد المفكر، والعديد من الأعمال التي لا يسعنا الحديث عنها في مقال واحد، نقلت إلينا مسيرة بلدان وأشخاص، وشجر وطير.
نال واسيني الأعرج الكثير من التكريم، فحصل على على جائزة الرواية الجزائرية على مجمل أعماله 2001، وجائزة الشيخ زايد للكتاب 2007، والدرع الوطني لأفضل شخصية ثقافية من اتحاد الكتاب الجزائريين، وجائزة أفضل رواية عربية عن روايته البيت الأندلسي.
كما ترشح 4 مرات لنيل جائزة البوكر للرواية العربية، وحاز على جائزة كتارا للرواية العربية عن روايته مملكة الفراشة 2015، والعديد من التكريمات من المؤسسات والجامعات ومن مختلف البلدان.