أحمد الله إليك.. تعرف على أطرف المعارك بين طه حسين وزكي مبارك
نمُرُّ في تلك الأيام بذكرى رحيل الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، والحالة الإنسانية الفريدة، الثائر على الجمود، والمؤثر في كل مصري، رائد النهضة الأدبية والتعليمية الحديثة في مصر، وسبب حصول المصريين على حق التعليم بالمجان، والذي رحل عن عالمنا في 28 أكتوبر من العام 1973.
خاض العميد طوال حياته العلمية العديد من الصراعات والمساجلات، مع نقاد وكتاب وسياسي عصره، ومن أشهر الشخصيات التي حدث بينها وبين طه حسين العديد من المواقف، الرافعي، والعقاد، والأديب الكبير زكي مبارك، والذي كان من تلامذة العميد، وترجع الخلافات بينهم إلى فترة دراسة زكي مبارك، والذي كان مثيرا للشغب بالنسبة لطه حسين بسبب ردوده وتعليقاته أثناء المحاضرات التي يلقيها العميد.
وعندما أصدر زكي مبارك كتابه النثر الفني في القرن الرابع، علق عليه طه حسين بتعليق فاتر، تجاهل فيه اسم الكاتب، حيث قال: كتاب من الكتب ألفه كاتب من الكتاب، وبسبب ذلك الموقف، أخذ زكي مبارك في مهاجمة طه حسين في كل فرصة، حتى قال: لو جاع أولادي لشويت طه حسين وأطعمتهم إياه.
تحدي طه حسين وزكي مبارك.. من ينتصر؟
ومن المعارك التي وصفها زكي مبارك في مقال له بالمعركة الطريفة، حينما انتهى العميد من كتابه «على هامش السيرة»، وأهدى نسخة منه إلى زكي مبارك، فعلق عليه في جريدة البلاغ قائلا: إن الدكتور طه حسين يجيد أعظم الإجادة حينما يتروى في التأليف، وكتابه الجديد أثر من آثاره الجيدة في التروية، فهو مشغول بموضوعه منذ عام 1928، وإن هو لم يصرح بذلك.
ويُرجع مبارك استنتاجه هذا إلى خطاب كان قد أرسله له العميد يقول له فيه أحمد الله إليك، وهي عبارة لم تكن مألوفة في العصر الحديث، وحينما تمعن في التفكير، وجد أنها تُذكَر بكثرة في مراجع السيرة، مما جعله يستنتج وقتها أنه يقرأ في السيرة، ثم عند صدور الكتاب، وصل الأمور ببعضها.
لم تلقَ مقالضة زكي مبارك إعجاب العميد، الذي علق قائلًا: هذا اختراع جديد من اختراعات زكي مبارك في الأسمار، والأحاديث، فليس من المعقول أن أكتب إليه خطابا أقول له فيه: أحمد الله إليك، وهي ليست من عبارات هذا الجيل!.
ظلت تلك العبارة التي ذكرها مبارك عالقة في ذهن طه حسين على الدوام، ويقول مبارك عن ذلك، أن العميد استمر في كل موقف أذكر فيه رأيا عنه، ولا يعجب العميد يجيب بأنه اختراع من نوع «أحمد الله إليك»، وفي أحد المرات احتدم النقاش حول مدى حقيقة تلك العبارة، حتى قال الدكتور طه حسين: إني أحمد الله في كل وقت، لكن لا أذكر أني حمدته إليك!.
ظل زكي مبارك يبحث بين أوراقه لفترة كبيرة من الزمن، حتى وصل إلى الخطاب الذي أرسله العميد في 26 يوليو سنة 1928، والذي يقول فيه العميد: أحمد الله إليك على ما أنت فيه من رضا بالإقامة في باريس، وأتمنى لك المزيد من هذا الرضا، كما أتمنى أن تنتفع بأيامك في فرنسا إلى أبعد حد ممكن، وتقبل من السيدة ومني تحية خالصا، وشكرًا جميلًا.
