اعرف الصح.. قشة «الإفتاء» التي قصمت ظهر «السلفيين»
دخلت إلى سوق الفتاوى الإلكترونية كسلعة جديدة بشكل خرافي وسعر في متناول اليد؛ تهافت عليها العامة من مصر وخارجها، الجميع حريص على تحصيلها؛ لتسحب بذلك البساط الكائن أسفل أقدام المتشددين، وتضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التخلي عن بضاعتهم الفاسدة التي لم تعد محل إقبال، أو تجديدها بشكل يُمَكّنها من المنافسة.
اعرف الصح.. حملة الفتاوى الإلكترونية التي أطلقتها دار الإفتاء المصرية، مطلع أكتوبر الجاري؛ والتي اقتحمت بها الفراغ الالكتروني الواسع، الذي سبق واستغلته الجماعات المتطرفة؛ في الترويج لسمومهم العارية من الإيمان، والتي أعجز عن وصفها بـ «معتقدات»؛ فهُم ذواتهم لا يصدقون ما يَكذِبون، ولا يؤمنون بما ينشرون.
لأغراض تصحيح المفاهيم، والرد على الفتاوى الشاذة، وإيضاح أحكام ممارسات الحياة المعاصرة، وتوعية الناس بالأحكام الصحيحة لبعض القضايا الشائكة؛ أطلقت الإفتاء حملة #اعرف الصح # هنعرف الصح # ده الصح؛ لتكون صديقا جديدا يضاف إلى ملايين الأشخاص الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي يوميا.
8 مساء، ومن بعدها 11 قبيل منتصف الليل، تكتب الإفتاء المصرية منشورين كل ليلة، تشرح فيهما أحكام بعض القضايا المعاصرة، التي لم نعهد وجودها في قديم الزمان ومنذ فجر الإسلام، مراعاة لما تقتضيه ظروف العصر، وما يتناسب ويتماشى مع الواقع الحالي، وليس قياسا على قضايا ولت وولى أهلها، فلم يعد لها وجود.
لبس النقاب والمعاملات البنكية والاحتفال بالمولد النبوي.. المهور والمغالاة فيها، الميراث ومنع المرأة منه، ربط الرحم لمنع الحمل وتنظيم النسل والتداوي بالخنازير، وغير ذلك من الأمور المعاصرة التي لم تُسمع في قديم الزمان، والتي تشغل بال الجميع، كل هذا وأكثر، استهدفته دار الإفتاء المصرية في حملتها، اعرف الصح، ما جعلها أقرب إلى العامة من أي وقت مضى، حيث عاشت معهم عصرهم؛ لتنير لهم ظلمة جهلهم بأحكام ممارساتهم اليومية؛ ولأننا شعب يقحم الدين في كل أمر، ويتساءل فيه عن كل صغيرة وكبيرة؛ حققت حملة اعرف الصح، نجاحا ساحقا خلال أيام قليلة من إطلاقها.
13 يوما على إطلاق حملة اعرف الصح، كانت كفيلة لإجبار رواد التيار السلفي المتشدد على الدفاع عما أسسوا له لسنوات طوال؛ ولأن «الكذب مالوش رجلين»، سقط السلفية في بئر حذروا العالم منه لعقود، ملتحفين عباءة الدين التي لوثها سواد نواياهم، واقترفوا ما حرموا، وخالفوا ما دعوا إليه؛ لينكشف للعامة من هم السلفيون.
صب السلفية تركيزهم على التصدي لحملة اعرف الصح لتصحيح المفاهيم؛ ما جعل هناك نوعا من التشويش على الأسلوب الذي سيتبعونه في هذه المعركة، فلجئوا إلى سرقة منشورات دار الإفتاء المصرية الخاصة بحملتها، اعرف الصح، وكذلك التصميمات التي ترفقها الإفتاء إلى كافة منشورات الحملة، ومحو شعار دار الإفتاء المصرية الخاص من التصميمات، ووضع شعاراتهم الخاصة عليها، وذلك بعد أن كونوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ خصيصا لمعاداة ومحاربة حملة هنعرف الصح.
لم يتوقف السلفيين عند هذا الحد، بل حملوا التصميمات التي سرقوها من دار الإفتاء، منشورات مخالفة لما كتبته الإفتاء عبر صفحاتها، وكذلك ضمنوا المنشورات نفس هاشتاج دار الإفتاء #اعرف الصح؛ لتضليل الناس عن أحكام الشريعة، وتحويلهم لما تمليه عليهم أهوائهم، وما يخدم فقط مصالحهم وأغراضهم الشخصية.
«واحدة بواحدة».. كل خطوة قطعتها دار الإفتاء المصرية في حملتها، اعرف الصح، تبعتها سرقة الصفحات السلفية لها، شيء يُذَّكر في تلازمه بالقاعدة الفيزيائية الشهيرة: لكل فعل رد فعل.
فما إن رأينا دار الإفتاء تروج لحملتها عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فيسبوك، تويتر، انستجرام، تليجرام، تيك توك، وغير ذلك، بعرض الغرض من الحملة مع التنويه لمواعيد تحميل المنشورات، حتى وجدنا الصفحات السلفية قد قامت بنسخ ما فعلته الإفتاء، مع سرقة تصميماتها، وأعلنت كذلك عن حملة اعرف الصح خاصتهم، والتي قد أخطأوا تسميتها في رأيي.
ولكان السلفية قد استمرو في عمليات السرقة والتزوير والكذب هذه دون انتباه؛ لولا منشورا كتبه الدكتور أحمد رجب أبو العزم، مدير وسائل التواصل الاجتماعي بدار الإفتاء المصرية، اتبع فيه أسلوب التقرير، مع قوم ادعو الكمال في الدين، فابتدأه باستفهام إنكاري: ما حكم السرقة؟.. ليكمل: سؤال لمن يدّعون التدين، فسرقة صور حملة دار الإفتاء المصرية _ #اعرف_الصح - #هنعرف_الصح _ ووضع كلام آخر عليها خلاف ما كتبته صفحة دار الإفتاء المصرية، سرقة، هل من الدين أن تسرق مجهود الآخرين؟ هل هذا ما تعلمونه للناس!!!.. ويختم: هذا هو نتاج الفكر المتطرف، الدين معاملة.
«سرقة دي والا مش سرقة؟!.. يا متدينين يا بتوع الدين».. بهذه الطريقة قرأتُ المنشور السابق، حيث تسلل إلى عقلي مباشرة مشهد المرحوم سعيد صالح في مسرحية مدرسة المشاغبين، عندما قال: «منطق دا والا مش منطق؟.. يا متعلمين يا بتوع المدارس».
والحقيقة أن المنشور السابق لمدير وسائل التواصل الاجتماعي بدار الإفتاء، لفت نظر مشايخ الزيف من السلفية، الذين غاب عن بالهم ارتكابهم لأفعال السرقة والتزييف ونشرها على الملأ، فبادروا إلى عمل تصميمات أخرى مشابهة، مع تغير ألوانها، كما قاموا بتغيير بعض التصميمات القديمة، التي كانوا قد سرقوها كما هي من دار الإفتاء دون تعديل، حتى ينفوا عنهم ما كشفه أبو العزم؛ إلا أن الأوان كان قد فات.
لم يستطع السلفيون الصبر على نجاح حملة الإفتاء، ولا قمع غيظهم الذي كان يظهر جليا في تعليقاتهم على منشورات الحملة بصفحات الإفتاء الرسمية، خاصة مع عزوف الناس عنهم وعن منشوراتهم، حتى بعد سرقتها، فلجئوا إلى شراء صفحات أخرى، لها عدد أكبر من المتابعين، إحداهن كانت سابقا خاصة بتشجيع فريق الأهلي، وغيروا اسمها ليناسب مقاصدهم، مدعيين أن دار الإفتاء المصرية تحاول إغلاق صفحتهم الأولى، متفاخرين زيفا وكذبا بنجاح لم يحققوه أصلا، أنى لهم النجاح بصفحة يبلغ عدد متابعيها 2000 شخص!! من يراها أصلا سواكم وأمثالكم!.
ولعل الحسنة الوحيدة التي حققتها صفحات السلفية المعادية لحملة الإفتاء، هي أنها كشفت حقيقتهم لكثير ممن اغتروا بأذقانهم الطويلة والعلامات البُنية أعلى جباههم، وكأن التدين حُصر في هاتين العلامتين، وأُهمل ما سواهم؛ لتصبح حملة اعرف الصح بذلك، هي القشة التي قصمت ظهر السلفية؛ فهدمت جبال الزيف والكذب الذي صدروه للناس طوال عقود.