في اليوم العالمي للطفل.. كيف كانت طفولة الساخر محمود السعدني؟
يصادف اليوم 20 نوفمبر مرور اليوم العالمي للطفل، كما يصادف ذكرى ميلاد الكاتب والصحفي الساخر الكبير محمود السعدني المولود في 20 نوفمبر من العام 1927.
أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم العالمي للطفل، لأنه يمثل اعتماد الجمعية العامة، اتفاقية حقوق الطفل، التي وقعت في 1989، ويتم استغلال هذا الحدث من قبل المنظمات العالمية، والمحلية، للتنويه عن حقوق الأطفال، والاحتفال بهم وبمواهبهم.
لكل شخص طفولة متميزة، مختلفة عن غيره، أحداث عاشها ورآها، مواقف مر بها لم يمر بها سواه، وكاتبنا محمود السعدني، كان ممن عاش طفولة مليئة بالأحداث الدرامية، والفكاهية، فكان يتمتع بدرجة عالية من المشاغبة، وعندما أراد الحديث عن تلك الفترة، وصف نفسه بالولد الشقي، وسرد لنا بـ أسلوب فكاهي وخفيف، الأحداث والوقائع التي مر بها خلال فترة الطفولة التي عاشها في أحياء القاهرة القديمة.
على هذه الصفحات ستقرأ قصص ملوك، وقصص صيّاع، وقصص أبطال في ثياب رعاع، وقصص رعاع لهم حركات الأبطال.. هكذا صدر الساخر محمود السعدني كتابه مذكرات الولد الشقي، ليخبرنا من البداية، بأنه لن يترك أحد مر به إلا وسيحكي عنه، ويحلل شخصيته، سيحكي لنا أيام حياته، التعيس منها والسعيد، المظلم منها والمنير.
اعتاد محمود السعدني على الذهاب صباح كل يوم إلى مدرسته، ليمارس الرتين اليومي، بداية من نشيد الصباح، مصر العزيزة لي وطن وهي الحمى وهي السكن، مرورا، بفصوله الدراسية المعتادة، التي لم يكن يستفيد منها ولا يناله إلا منابه من ضربات اللهلوبة، وهي اسم عصا شيخه.
صادق السعدني اثناء دراسته الابتدائية العديد من التلاميذ، منهم عبد المنعم، الذي وصفه بأنه سمينا كأنه دكر بط ناصح، يقول عنه السعدني بأنه كان يأكل في اليوم ثلاث أطباق من الكشري، ورغم كون عبد المنعم أول من تعرف إليه، إلا أنه كان يفضل صحبة الغزالي عليه، وكان غزالي، بعكس عبد المنعم، فقد كان فقيرا، شبيها بحال السعدني، وكان مغامرا، ووفيا له إلى درجة الاستشهاد كما يقول.
معاناة السعدني مع النحو وإهانة سيبويه
يحكي السعدني عن معاناته مع مادة النحو العربي، والتي كان يدرسها له الشيخ طاهر، الذي وصفه بأنه رجلا شديد القسوة، لا يتكلم إلا بالنحو، ولا يتفاهم إلا بالعصا، وكان السعدني ضعيفا، لا يفهم النحو ولا قواعده، ولا يعرف الفاعل من المفعول، وفي إحدى الحصص كان السعدني يلعب الجديد من صديقه، فإذا بالشيخ طاهر يصوب عصاه ناحيته، ويقول له: إعرب جاء محمد يا ولد.
نهض السعدني مذعورا، لكنه وجد الشيخ يسأل غزالي صديقه، فاطمأن بعض الشيء، لكن غزالي لم يفلح، ليشير الشيخ طاهر للسعدني، الذي قام وأخذ يعرب بمنتهى الثقة، محمد فاعل منصوب بالفتحة، وجاء مفعول به مكسور على الضمة، ووصف السعدني إعرابه هذا بأنه إهانة ما بعدها إهانة للسيد سيبويه.
الولد الشقي تغريه أشجار الجوافة
تعرف السعدني على القصص والروايات العالمية الحالمة، وتعلق كثيرا برواية أطفال الغابة الجديدة، والتي تحكي عن أبناء أحد فرسان الملك، قتل أبوهم في معركة، ليأخذهم العم جاكوب العجوز إلى الغابة الجديدة، فارا بهم من أعداء والدهم، قرأ السعدني القصة عشر مرات، وأهمل دروسه بسببها، وأخذ يتخيل نفسه يحيا في غابة فسيحة، مليئة بالأشجار والفواكه والطيور.
وجد الطفل محمود السعدني، على مقربة من منزله، جنينة، كثيفة الأشجار، اسمها جنينة عبد البر، دخل إليها الولد الشقي متسللا، ووجد فيها شجرتين عجوزتين، من أشجار الجوافة، صنع لنفسه بينهم كوخا، يقضي فيه أوقاته، وكان يحدث عم جاكوب طوال الوقت في مخيلته.
ذات يوم، امتلأت الجنينة برائحة الجوافة، التي حان موسم قطفها، وصارت جاهزة على فروع الأشجار، وشكلها شهي ومغري، لدرجة أن السعدني نسى الرواية والقصة، وجاكوب، وأخذ يجمع في الثمار من على الشجر، حتى أخذ الكثير، وذهب إلى كوخه، وأخذ يلتهم ما جمعه في نهم، ولذة، يقول عنها أنها تسكر أكثر من الويسكي، ومن شدة اللذة رمى الرواية التي تمزقت أوراقها.
وذات يوم، كان السعدني يصعد إلى إحدى الشجرات، فأصيب بالجروح، ونزف الدماء، فأخذ يقذفها بالحجارة، لكنه استرعى انتباه الحراس، الذين هجموا عليه، وربطوه وانهالوا عليه بالضرب، وفي المساء، أطلقوا صراحه من الجنينة، بعد أن استولوا على جلبابه، وقبقابه، وما جمعه من الجوافة.