الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

في ذكرى رحيل إدوارد الخراط.. وفاء بوعتور تكتب: تأبين حي

إدوارد الخراط
ثقافة
إدوارد الخراط
الأربعاء 01/ديسمبر/2021 - 09:16 م

تحل اليوم ذكرى رحيل الكاتب الكبير إدوارد الخراط الذي توفي في مثل هذا اليوم من عام 2015 بعد رحلة طويلة حافلة بالعطاء الإبداعي والفني، وبهذه المناسبة ننشر نصا للكاتبة التونسية وفاة بوعتور التي أثارت الجدل مؤخرا بديوانها نهديات السيدة وأو، حيث تعتبر إدوارد الخراط هو أستاذها ومعلمها وتصفه بعملاق الفرك الذي تعلمت منه الكثير، وفيما يلي نص ما كتبت.

 

تأبينُ حيٍّ

أيْ حبيبي ومُعلّمي، 

أيْ كاتبي وحْدي،

أيْ أبي الحداثة واللّغة الحدث،

أيْ عملاق الفكر والأدب العربيّ الطّليعيّ،

أيْ إدوار الخرّاط العظيم 

سلامًا كما تنبغي له براعة خَلْقكَ

أمّا بعْد،

مُقبلةٌ على ذكرى رحيلك وزحامها الفادح، يُمسكُني القلم فقْدا وعرفانا دامعا لا ينْقطع، مُطوِّحا بأنفاس قارئة عبّها النّور والعشْقُ والقلقُ ملْء رامَتِكَ، فارتدّت وجعة بوجعةٍ إلى نفْخة كلّ لوْن ومعنى وصوت نضحتْ به قطراتُ روحك المترامية على ضفاف السّرمديّة، أرسم لي وزفرة بحثي المتْعب عن مسْلك الخلاص فيها من ميتة صُغرى بين أنقاض عالم تخطّاه الموت إلى ما دون الآدمية، فظلّ طريق حُلْمه إلى المفتقد، ذلك الشّيءُ الضّائع بين رُدهة اليأس والفراغ المستقِرّ، داخل قاع النّفس، وخارج مستطاع الإدراك، كأنّما أتشوّف لي وبني ضادي قِبلةً بديلة للأدب، محْشودة بالإنسان، لا أُتقنُ لها وصفا وتصريفا، لكنّها اليقين، هُناك، لاذعة كحمّى الصّدق، كنداء ميخائيل، يراكَ، تسْمعه، يقترب منك ولا تصل، لكنّكما تتعانقان تلاشيًا في غيوب كلمات فاغرة الأعْماق، ناعمة كجرْح، تُلمس بالصّدى، برجْع اللّون، بدم العطْر، تُدْرَكُ ولا تُنال. فهل دونها النّوالُ لكونِها تتمّة صِنوُها الكمال؟ أمْ لأنّها تُفجّرنا أضدادا في مُتشَابَه الجمال؟ أم هي الحقيقة في طور إجهاضها المستمر لتخلُّقٍ لا يكْتمل؟ من أنتَ إدوار؟ هل أنتَ بطلُك المضْغوط قيد الحسّ في راهن لحظته؟ أم أنّك المقْذوف تطلّعا واعيا حُرّا يحيد عن المكان ليتداخل مع كلّ زمان؟ هل أنتَ العاشق الملتصق بنازع شهوة تهجِسُكَ ماءً ونارا؟ أم أنت الكائن الجسديّ الثّرى، من فرط الوجد هام صوفيّا تجاوز الآنيّة نحو مطلق الفضاء؟ أتكون عازفا نبيّا يرى الصمّت بقلبه، بحدْسه يسْمع خطْو البياض، رقْص الظّلال، ويسْتنشق لهيب الضّوء بحرْف مسام؟ الضّوء !!! هل تدْري أيّها الجبّار، وحْده الضّوءُ في حجْم غيابك. أوَلستَ القائلَ " حُبّنا نافذة في الشّمس.''؟ أشهد أنّ شمْسَكَ نافذةٌ بالحبّ على كلّ حبّ، وأشهد أنّ جسْمي مرْضوض ب" شرخٍ في الرّخام القديم ". وأنّ " البجعة السّوداء " التّلعاء العنق، حالكة اخْضرار العينين، ستظلّ سامقة طافية على وجه الغمر،لايعْلق بها نشْع المياء الآسنة مادامت زعقتها الأخيرة مُهتصرة في قبْضة شفيعها ميخائيل،ولتعلمْ أنّه، في ليْلة عيد موعود، سيهبط ملاكك الحارس أَرْضَ مصْر ليسْكُبَ حليبَ المعرفة غوْر البركة الآثمة فيخلّص الكونَ في البجعة السّوداء ويهْزم في التّنين موْت مصائرنا. الموتُ يا كاتبي !! هل تذْكر ساعة تكشُّفٍ مُصْمت صالبتَ فيه الوداع بشخْرة كلمات ؟ قُلتَ آنذاك "علّمني حسّي بفقدانِكِ أنّنا نُحبّ وحْدنا ونموت وحدنا، واستشرفتُ أنّه ليس حتّى في الحبّ برءٌ من الوحدة بعْدحياة الوِحشة المحكوم بها علينا، نحن نموت، ولا نجد في الموت نجدة، ولا نلتقي فيه بأحد. الموت يطوي الكتاب ويُغلقه ويُكرّس ختْمه." لم تكُن رامة حاضرة بيننا، علّها أوْدعتني ملكوت الرّدّ عليك لمثْل هذا الميقات.

 حبيبي إدْوار، كلّ من عليها واقع في الحياة، ولكنْ، ليسُ كلّ من واراه التّراب في عداد الأمْوات، أنت حيّ خلودَ الفكرة، خلود رامتك وقامتك، عين تنزّ بين مرْجين، وجود مشْهود وغدٌ منْشود، متعاقبٌ ما جرى شدْوك مرَّ القرّاء. وحيثما أوْرق، وأزهر، فأثمْر، فكُنتَ وكنّا، وكان البيان.

 

تابع مواقعنا