ِحادثة المنشية ونهج الإخوان في القتل.. متى يتوقف هؤلاء عن نشر الأكاذيب؟
قدمونا للناس على أننا فَسَدَة، تعلموا كيف يسقطون الدول، من خلال تكسير العناصر التي تحافظ على الدولة، هكذا تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن جماعة الإخوان المسلمين، وهي جملة معبرة شاملة عن منهج تلك الجماعات في قلب الحقائق، وتزييف الوقائع، وطمس الحقيقة خلف جدار الأكاذيب والتدليس.
صدّر الإخوان دائمًا للشعب المصري صورة الكيان المظلوم المُفترَى عليه، وعلى مدار سنوات وجوده، سردت الجماعة العديد من القصص والبكائيات، لجلب التعاطف، من خلال ادعاء الفضائل، وإلصاق المثالب بمن يختلفون معه، ومن تلك القصص التي يرويها الإخوان دومًا على أنها حلقة من حلقات الظلم الذي تعرضت له على يد الزعيم جمال عبد الناصر وحكومته، محاكمة المنشية الشهيرة، والتي انتهت في 4 ديسمبر من العام 1954، بالحكم على سبعة من قيادات الإخوان بالإعدام، وأحكام أخرى بالأشغال الشاقة المؤبدة، والسجن لمُدد مختلفة.
ترجع خلفية تلك المحاكمات إلى خطاب عبد الناصر الشهير، الذي ألقاه بالإسكندرية في ميدان المنشية يوم 26 أكتوبر من عام 1954، حيث وقف ناصر أمام الحشود يلقي كلمته للمصريين، ليفاجَأ أثناء حديثه، بمن يطلق الأعيرة النارية نحوه، محاولين قتله، ليقف الزعيم غير مكترث بالنيران المتطايرة، وينادي في الجماهير الخائفة، بجملته الشهيرة، فليبق كلٌّ في مكانه.
الإخوان وحلم الحكم الذي راودهم منذ الميلاد
تطلعت جماعة الإخوان منذ سقوط الخلافة العثمانية، إلى الحكم، والسيادة، وإعادة الخلافة في ثوب جديد، هم من يحددون أبعاده، ونسيجه، نشأت الجماعة في الثلاثينيات من القرن الماضي، متأثرة بالأحداث السياسية الواقعة، بقيادة حسن البنا، مدرس الابتدائية، الذي انشغل عن عمله السامي، بنشر الأفكار السامة، وجمعته الأقدار مع عدد ممَّن لا علاقة لهم بالعلوم الشرعية أو السياسية، منهم حافظ عبد الحميد، الذي كان يعمل نجارًا، وفؤاد إبراهيم، الذي يعمل مكوجيًّا، وزكي المغربي، العجلاتي، وأحمد الحصري الحلاق، وهؤلاء كانوا نواة الجماعة الأولى.
أبرزت الجماعة منذ اللحظات الأولى طرح أن الإسلام هو النظام الشامل الصحيح لقيادة الدولة، وأن القرآن والسنة هما التشريع الذي يجب على الأفراد اتباعه في كل الأمور الحياتية، وبأن القوانين الوضعية المدنية، ما هي إلا مخالفات شرعية للدين، واستطاعوا باللعب على وتر الدين استمالة الكثيرين من أبناء الشعب المصري، الذي ما دام دافع عن الدين، ويعليه فوق كل شيء، ليخلطوا على كثير منهم الأمور.
أولى التجارب وأولى شرارات الإرهاب
بدأت أولى تجاربهم السياسية عام 1944، بعد سقوط حكومة الوفد، وتشكل الوزارة السعدية، حيث خاضت جماعة الإخوان الانتخابات وقتها، لكنها خسرت في جميع الدوائر الانتخابية التي ترشحت عنها، لكن هل ارتضى الإخوان ذلك الرفض الشعبي الديمقراطي لهم؟ لم يتقبلوه بالطبع، وكان الرد الذي سنعتاده منهم في كل المواقف، بأن قاموا بترتيب اغتيال الدكتور أحمد ماهر، زعيم الحزب السعدي.
خلال عقد الأربعينيات، قامت الجماعة بتنمية مواردها المالية، والشبابية، لتصبح في تلك الفترة التنظيم المسلح الأقوى، ويظهر ذلك جليا خلال حرب 48، بعد أن قرروا المشاركة فيها، لتظهر الأسلحة، والعناصر المدربة للعيان، وتغدو مصدر قلق للحكومة والملك بعد ذلك.
قررت الحكومة في أعقاب ذلك حل الجماعة، ومصادرة كل أملاكها، والقبض على جميع قاداتها، وذلك بعد اكتشاف المخازن السرية للسلاح، وكشف التنظيم السري للجماعة، والعثور على العديد من الوثائق التي تثبت تورط الجماعة في الكثير من القضايا، ويأتي رد الإخوان المعتاد، وهو اغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا.
أقسم بالله أن أكون حارسًا لمبادئ الإخوان مجاهدًا في سبيل الله، على السمع والطاعة في المعروف، وأن أجاهد في ذلك نفسي ما استطعتُ..
يقسم كل منضم جديد للإخوان هذا القسم، وهو يجسد ويلخص فكرة الوطن عند تلك الفصائل الخطيرة، يقسم على حراسة أفكار جماعته، متناسيًا أن له وطنا له الأولوية والصدارة في الحماية، والدفاع عن مبادئه، يقسم على الطاعة، معطيًا لعقله شهادة إعفاء من الخدمة، ليُمسي دميةً، تتشكل كما كان يشكل الصباح دُماه في الماضي.
كان العدو الأكبر للجماعة، حزب الوفد السياسي، لأنهم يرفضون بالطبع الحكم الليبرالي المدني، واستخدموا كل الوسائل لمحاربة الوفد، خصوصا عن طريق نشر أفكارهم بين طلاب الجامعات، وكان سلاحهم الأقوى، للضغط على القوى السياسية والحكومة، حيث إنهم استطاعوا تكوين قاعدة شعبية كبيرة بين الطلاب، الذين استغلوهم في الخروج إلى الشوارع متى أرادوا، ملوحين دوما بإشاعة الفوضى والدمار.
علاقة الإخوان بجمال عبد الناصر
من بدايات ظهور تنظيم الضباط الأحرار، حاولت جماعة الإخوان جاهدة التقرب من أعضائه، وفي الاتجاه الآخر سمح تنظيم الضباط بهذا التقرب، باعتبارهم يتقربون مع كل الفصائل الشعبية، لتكوين قاعدة جماهيرية من كل الأطياف، لمساندتهم في تحقيق الأهداف الكبيرة.
بعد ثورة 1952، توهم الإخوان بأن لهم الأحقية في حكم البلاد، وأخذوا يتقربون من الحاكم وقتها محمد نجيب، كما جلسوا عدة مرات مع جمال عبد الناصر، يطلبون منه تنفيذ بعض الطلبات والمشاريع السياسية، ولكن قابلهم ناصر بالرفض، معلنًا بدء العداوة والقطيعة بين الطرفين.
كانت شرارة حادثة المنشية الشهيرة، عندما قرر عبد الناصر اعتبار الجماعة حزبا سياسيا، تسري عليه القرارات التي اتخذتها الحكومة، والتي تقضي بحل جميع الأحزاب السياسية، وصدر القرار بحل الإخوان في مارس 1954، وراحت الإخوان تحاول بكل الوسائل التوصل إلى حل يعيدها إلى ساحة السياسة، وأشهر ما فعلوه هو اتفاقهم مع الإنجليز على تنحية جمال، وبعد كشف تلك المؤامرة، رتب جماعة الإخوان حادث المنشية، ليكون الرد الشهير والنهج المتبع، بقتل من يختلف معهم.
حُكم على 7 أعضاء من الجماعة بالإعدام، وهم محمود عبد اللطيف، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمد فرغلي، وعبد القادر عودة، وحسن الهضيبي، والذي تم تخفيف الحكم عليه بعد ذلك إلى المؤبد.